هل بسط المجتمع الدولي السجاد الأحمر لقادة السعودية وو ضع المصالح الدبلوماسية والاقتصادية قبل حقوق الإنسان سبب إفلات المملكة من العقاب؟

صادف الإثنين 02 اكتوبر/تشرين الاول ذكرى مرور خمس سنوات على اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، وإجلالا لذكراه نشرت صحيفة “واشنطن بوست” التي كان خاشقجي كاتب عمود فيها مقالا تدعو فيه إلى تحقيق العدالة، وقالت أن “القضية لم تغلق لا بالنسبة لنا ولا لعائلته وأصدقائه، ولا لجميع أولئك في العالم العربي الذين قد يستفيدون من رؤى خاشقجي نحو مزيد من الانفتاح والديمقراطية في تدبير السلطة”.
في 2 أكتوبر/تشرين الاول من سنة 2018، دخل جمال خاشقجي الذي كان يقيم في الولايات المتحدة إلى قنصلية بلاده في اسطنبول حيث قتل، لتكون هذه نقطة بداية لسنوات من تضارب الروايات حول كيفية وفاته، وماذا حدث لرفاته، ومن أمر بتصفيته. وحتى بعد مضي خمس سنوات على عملية اغتياله لا يزال الطريق إلى تحقيق العدالة مسدودا حسب “واشنطن البوست”، إذ قالت الصحيفة أن إغلاق القضية يعني “معرفة الحقيقة ومحاسبة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أرسل القتلة وكل من شارك في الأمر”.

وأصدرت الأمم المتحدة تقريرا في يونيو/حزيران من سنة 2019، أعلنت فيه أن جمال خاشقجي كان ضحية “عملية قتل خارج نطاق القضاء، منفّذة مع سبق الإصرار والترصد، وتتحمل الدولة السعودية المسؤولية عنها”، في حين أغلقت السلطات السعودية ملف قضية جمال خاشقجي سنة 2019، بعد إدانة ثمانية أشخاص في محاكمات مغلقة أقل ما قيل عنها هو افتقارها إلى المصداقية والشفافية.

“كيف يسمح العالم للقادة السعوديين بالإفلات من العقاب؟”

وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، في تصريح لها قبيل حلول الذكرى السنوية لاغتيال جمال خاشقجي ان المنظمة تواصل المطالبة بإجراء تحقيق دولي “مستقل ومحايد” لتحديد هوية جميع المتورطين في الجريمة مهما “علت رتبهم أو مقاماتهم” وأعربت عن قلقها حول ما وصفته “بالسجاد الأحمر الذي يبسطه المجتمع الدولي لقادة السعودية ويضع المصالح الدبلوماسية والاقتصادية قبل حقوق الإنسان”.

من جهتها، نشرت هيومن رايتس ووتش بيانا استنكرت فيه ما سمته “إفلات المملكة العربية السعودية من العقاب
وفي السياق ذاته طالب ناشطون حقوقيون منخرطون في قضية تحقيق العدالة لجريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي المجتمع الدولي بضرورة تحجيم التعامل مع حكام المملكة، معبرين عن استيائهم من تغاضي الدول عن الواقعة إعلاءً لمصالحها مع المملكة.
جاء ذلك وفق تقرير نشره موقع إذاعة صوت ألمانيا “دويتشه فيله” بمناسبة مرور 5 سنوات على قتل خاشقجي بسفارة بلاده في إسطنبول.
وحسب التقرير قال المدير السعودي لمؤسسة “مبادرة الحرية” عبدالله العودة: “ندرك أننا نعيش في عالم حقيقي وأن الحكومات يجب أن تتعامل مع السعودية”.
واستدرك: “لكن تجاهل حقوق الإنسان وتجاهل القيم الديمقراطية الأساسية عند التعامل مع النظم الديكتاتورية والاستبدادية لا يخدم المصالح الاستراتيجية لأي بلد أو يعزز من قيم حقوق الإنسان”.
وأضاف العودة: “عندما تكون المقايضة بين الحرية والأمن، فلن يحصل المرء على أي منهما”، وذلك في مقابلة له مع قناة “دي دبليو”.
بدورها، قالت لينا الهذلول، شقيقة الناشطة لجين الهذلول ورئيسة قسم الاتصالات والمراقبة في منظمة “القسط” لحقوق الإنسان ومقرها لندن: “عند التعامل مع السعودية، نعتقد أن هناك طريقة للمناورة في السياسة الحالية دون أن نكون ساذجين حيث يمكن شراء النفط السعودي وانتقاد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في السعودية في نفس الوقت”.
يذكر أن لينا كانت تناضل لسنوات ماضية من أجل تحقيق العدالة في قضية شقيقتها الناشطة البارزة في حقوق المرأة السعودية، لجين الهذلول، التي أفرجت عنها السلطات السعودية في فبراير/ شباط من عام 2021.
واعتقلت الهذلول (31 عاما) مع ناشطات حقوقيات أخريات ضمن حملة اعتقالات في مايو/ أيار 2018، قبل أسابيع قليلة من رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في السعودية، الأمر الذي كانت تطالب به الناشطة بإلحاح، ما أثار ردود فعل دولية منددة.
وكانت محكمة في الرياض قضت في ديسمبر/ كانون الأول عام 2020 بسجن الهذلول خمس سنوات وثمانية أشهر بعدما أدانتها بالتحريض على “تغيير النظام وخدمة أطراف خارجية”، لكن المحكمة أرفقت الحكم بوقف تنفيذه لمدة سنتين وعشرة أشهر، وهو ما يعني أنها كانت قد قضت ثلاث سنوات تقريبا في الحبس الاحتياطي، الأمر الذي عجل بخروجها.
ورغم الإفراج عنها، إلا أن المحكمة قررت منع لجين من السفر لمدة خمس سنوات.
وفيما يتعلق بالداعية سلمان العودة، فقد كان من بين شخصيات تم توقيفهم في منتصف أيلول/سبتمبر 2017، بينهم كتّاب وصحافيون، في سياق حملة قمع استهدفت معارضين في المملكة فيما ذكر مقرّبون منه أنّ السعودية طلبت من رجل الدين وآخرين دعم الرياض علنا في خلافها مع قطر المجاورة، لكنه رفض، بحسب ما ذكر الموقع الألماني.
يشار إلى أن الداعية سلمان العودة كان قد أوقف بعدما نشر تغريدة في سبتمبر/ أيلول 2017 رحّب فيها بطريقة غير مباشرة بإمكانية التوصل إلى حل للأزمة مع قطر.
اهتمام متضاءل
وفيما يتعلق بقضية خاشقجي، قالت لينا الهذلول وعبدالله العودة إنه “على الرغم من أن جريمة مقتل خاشقجي مازالت واحدة من أبرز الانتهاكات السعودية، لكن على مدى السنوات القليلة الماضية، يبدو أن اهتمام العالم قد تضاءل”.
وذكر الموقع: “لم يكن هذا الحال قبل خمس سنوات حيث كان تركيز عناوين الصحف الرئيسية منصبا على قضية مقتل خاشقجي في تغطيتها القضايا المرتبطة بالسعودية فعلى سبيل المثال عنونت صحيفة الجارديان تقريرا عن السعودية قائلة: جمال خاشقجي.. جريمة قتل في القنصلية”.
وكان الصحفي السعودي في السابق شخصية بارزة في السعودية حيث كانت عائلته مقربة من العائلة الملكية منذ فترة طويلة، لكن مع صعود محمد بن سلمان، إلى السلطة، لم يعد خاشقجي من الكُتاب والإعلاميين المقربين والمفضلين لولي العهد السعودي.
وعقب انتقاله لمنفاه الاختياري بالولايات المتحدة عام 2017، شرع خاشقجي في توجيه انتقادات لسياسة ولي العهد ولتدخل السعودية في النزاع اليمني فيما يكتب عمودا صحفيا بشكل منتظم في صحيفة “واشنطن بوست”، ينتقد من خلاله توجهات المملكة.
وكان يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، يوما فاصلا في حياة الصحفي السعودي، الذي دخل قنصلية بلاده في إسطنبول ثم اختفى، حيث كان خاشقجي يستعد للزواج من التركية خديجة جنكيز، ولإتمام ذلك لابد له من الحصول على وثيقة طلاق من زوجته الأول، وفق ما ذكرته خديجة.
وفي ذلك الوقت، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن “سيناريو قتل مرعب نقلا عن مسؤول تركي رفيع المستوى، مفاده أن الصحفي خاشقجي قتل بعد ساعتين من وصوله قنصلية بلاده في إسطنبول وتم تقطيع جسده بمنشار”.
ومع الكشف عن تفاصيل مروعة عن ملابسات مقتل خاشقجي، قال مسؤولون سعوديون: إن الصحفي قتل في “عملية مارقة قام بها فريق من العملاء أرسل لإقناعه بالعودة إلى المملكة، لكن العناصر المارقة نفذت العملية دون علم القيادة السعودية وولي العهد الذي نفى أي تورط شخصي في جريمة القتل”.
وبعد أكثر من عام على الجريمة، أصدر القضاء السعودي خلال ديسمبر/كانون الأول عام 2019، أحكاما بإعدام خمسة متهمين في قضية مقتل خاشقجي فيما حكم على ثلاثة آخرين بالسجن لمدة 24 عاما بتهمة “التستر على الجريمة ومخالفة القانون”.
لكن في سبتمبر/ أيلول عام 2020، خففت محكمة سعودية أحكام الإعدام الصادرة حيث حُكم عليهم بالسجن 20 عاما بعد أن قررت أسرة خاشقجي العفو عنهم فيما أعلنت السلطات السعودية إغلاق القضية.
وتعرضت الرواية الرسمية السعودية لانتقادات وتشكيك واسع، كما أنها تناقضت مع ما خلصت إليه الاستخبارات الأمريكية والتركية والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بعمليات القتل خارج نطاق القانون.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى