توصّل باحثون إلى “السر” الكامن وراء ندرة الألماس الوردي الموجود بصورة حصرية تقريباً في أستراليا، وهو ما يفسّر الأسعار المرتفعة جداً لهذه الأحجار الكريمة، على ما أفادت دراسة نشرت الثلاثاء.
ويتم تصنيف الألماس الوردي حسب شدة لونه، حيث تتراوح الدرجات من الوردي الفاتح إلى الوردي الغامق. وبشكل عام، يعتبر الألماس الوردي الداكن أكثر قيمة من الألماس الوردي الفاتح.
وأكثر من 90 في المئة من الألماس الوردي الموجود راهناً جرى استخراجه من منجم أرغايل الواقع في شمال غرب أستراليا والذي أُغلق حديثاً. واكتُشِفَ المنجم عام 1979 وبدأت شركة التعدين الإنجليزية – الأسترالية العملاقة “ريو تينتو” استثماره بعد أربع سنوات.
وقد أنتجت منذ تلك الفترة أكثر من 865 مليون قيراط من الماس الخام، بينها نسبة ضئيلة من الماس الوردي التي تُعتَبر من الأحجار الثمينة جداً نظراً إلى كونها نادرة.
لكنّ أحداً لم يكن يدرك سبب العثور على هذه الأحجار الكريمة في المنجم الواقع على أطراف القارة الجنوبية، في حين أن معظم المناجم التي يُستخرج منها الألماس تقع في وسط القارات، كما هي الحال في جنوب أفريقيا أو روسيا. وأوضح فريق أسترالي في دراسة نشرتها مجلة “نيتشر كوميونيكشنز” أنّ تشكُّل هذه المعادن النادرة ناتج من تفكك أول قارة عظمى على الأرض قبل 1.3 مليار سنة.
وقال المعد الرئيسي للدراسة هيوغو أولييروك من جامعة كيرتن الأسترالية إن “المكوّنين” اللازمين لتكوّن الماسة الوردية معروفان أصلاً.
ويتمثل المكوّن الأول في الكربون الموجود في الأرض على عمق كبير، إلا أنّ هذا الكربون يكون على عمق لا يتجاوز الـ150 كيلومتراً، عبارة عن نوع من الغرافيت تُصنّع منه أقلام الرصاص، و”لا يعطي مظهراً جميلاً لخاتم الزواج”، على ما يقول الباحث مازحاً. أما المكوّن الثاني فهو ضغط هائل لكن محدود للماسة، لدرجة إحداث تغيير في لونها بعد أن تكون شفافة.
ويقول الجيولوجي “يكفي تعريضها لضغط محدود حتى يتحوّل لونها إلى الوردي”، مضيفاً “في حال ضُغطت لوقت أطول فستصبح بنّية”. ويوفر الاكتشاف الذي توصّل إليه الفريق الأسترالي تفسيراً عن سبب انتقال الألماس الوردي من القشرة الأرضية إلى السطح تقريباً.
وكان يُعتقد في البداية أن منجم أرغايل قد تشكل قبل 1.2 مليار سنة، لكن من دون التوصل إلى تفسير في شأن كيفية انتقال الألماس إلى طبقة علوية من الأرض، في ظل عدم وجود ظاهرة جيولوجية يمكن إرجاع المسألة إليها.
ثم حسّن الباحثون من تأريخ الرواسب عن طريق قياس عمر العناصر البلورية الصغيرة في صخرة من المنجم، ووصلوا إلى ما قبل 1.3 مليار سنة. وتتناسب هذه المرحلة مع التفكك الذي طال القارة العظمى الأولى المعروفة باسم نونا أو كولومبيا.
وفي السابق، كانت كل اليابسة على الأرض متكتلة، بحسب أولييروك. وقد نشأ الضغط الذي تسبب في تلوين الألماس مع تصادم الأراضي في غرب أستراليا وشمالها قبل 1.8 مليار سنة.
وتشققت هذه الكتلة بعد 500 مليون سنة، وانتقلت المواد المنصهرة في هذا الموقع إلى السطح ساحبةً معها الألماس الوردي، على غرار ما يحدث عند إزالة “سدادة الشمبانيا”، على قول أولييروك.
ويلاحظ العالِم أنّ البحث عن الألماس تركز منذ 200 عام في أراض قارية، لكنّ الاكتشاف الذي نُشر الثلاثاء يعيد النظر في هذه المسألة.
ويقول الجيولوجي إنّ الأحزمة الجبلية الناتجة عن انشقاق قارة نونا العملاقة لها القدرة على أن تصبح “جنة من الألماس الوردي”، مشيراً إلى مناطق محتملة في كندا وروسيا وجنوب أفريقيا وأستراليا.
لكنّ هذا الاستنتاج ينطوي على تسرّع بعض الشيء، بحسب خبير الألماس في جامعة أديليد (جنوب أستراليا) جون فودين الذي لم يشارك في الدراسة. واعتبر أنّ الدراسة تحدّد “بشكل مقنع” عمر ما يحويه منجم أرغايل، لافتاً إلى وجود رابط منطقي بين تكوين الألماس الوردي وانشقاق نونا.
لكنه يشير إلى أنّ مواقع أخرى معنية بهذا الحدث الجيولوجي لم تنتج أيّ ألماس وردي، مما قد يدلّ على أنّ “اللون الوردي قد يكون ميزة خاصة بمنجم أرغايل”. وفي حال كان الخبير على حق، فسيستمر سعر الألماس الوردي في الارتفاع، لعدم وجود منجم منافس لأرغايل الذي أغلق عام 2020 لأسباب اقتصادية.