أموال الخليج تشغل مخاوف أندية أوروبا

بالموازاة مع انتقال نجوم بارزين من الدوريات الأوروبية، إلى الدوري السعودي، مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيمة ونيمار؛ فازت أندية أوروبية مملوكة لدول خليجية، بالدوريات المحلية التي تنشط بها، ما أثار انتقادات حول “استخدام المال لخنق المنافسة في أوروبا، بشكل يهدد كرة القدم”.

وتمكن نادي مانشستر سيتي، المملوك لدولة الإمارات العربية، من الفوز بلقب الدوري الإنكليزي للمرة الثالثة على التوالي؛ بينما فاز فريق باريس سان جيرمان، المملوك لقطر ببطولة فرنسا للمرة الثامنة خلال عشر سنوات.

“بطولات أقل متعة”

في الصدد، قال تحليل لمجلة “فورين بوليسي” إن كرة القدم الأوروبية “أصبحت رهن الدول العربية الغنية بالنفط بطريقة غير مسبوقة”.

وتبدي دول خليجية  اهتماما متزايدا بالرياضة الأكثر شعبية في أوروبا لأكثر من عقد من الزمن، فيما يصفه النقاد بأنه خنق للمنافسة “وجعل البطولات أقل متعة”.

والشهر الماضي، قدم الدوري الإسباني لكرة القدم، شكوى إلى المفوضية الأوروبية ضد باريس سان جيرمان، بحجة أن تمويله القطري ينتهك قواعد الاتحاد الأوروبي التي تقيد الإعانات المالية من خارج الكتلة.

وقال بيير روندو، خبير الاقتصاد الرياضي في كلية الإدارة الرياضية في باريس، للمجلة “آمل أن تكون هناك صحوة بشأن الخطر الحقيقي الذي تمثله الصناديق السيادية الخليجية على المنافسة وعلى مشهد كرة القدم الأوروبية”.

واشترت هيئة الاستثمار القطرية التي تديرها الدولة، باريس سان جيرمان في عام 2011.

وقبل ثلاث سنوات، تم شراء نادي مانشستر سيتي البريطاني من قبل مجموعة من المستثمرين بقيادة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات، ونائب رئيس مجلس الوزراء، وزير ديوان الرئاسة.

في غضون ذلك، يسيطر صندوق الاستثمارات العامة السعودي على نادي نيوكاسل يونايتد منذ العام الماضي.

وفي العامين اللذين أعقبا تغيير الملكية، أفادت التقارير أن مانشستر سيتي أنفق مبلغا ضخما قدره 380 مليار دولار على عمليات الانتقال.

وفي الآونة الأخيرة، سمحت أموال قطر لباريس سان جيرمان، بتشكيل واحد من أكثر الفرق المرصعة بالنجوم في تاريخ اللعبة، بما في ذلك ليونيل ميسي ونيمار وكيليان مبابي – على الرغم من أن الفريق كان مخيبا للآمال بشكل مذهل على الساحة الأوروبية.

وسمحت القوة المالية للمالكين الخليجيين في كثير من الأحيان بالمضي قدما في طريقهم، رغم المعارضة الشرسة من الفرق الأخرى وبغض النظر عن التعاقدات السابقة للاعبين.

غياب التنافسية

وتم ضم نيمار لباريس سان جيرمان من برشلونة، ضد رغبة النادي الإسباني، حيث وافق مالكو النادي الباريسي على دفع شرط جزائي قياسي بقيمة 222 مليون يورو (حوالي 242 مليون دولار)، ثم واصل باريس سان جيرمان شراء ميسي بعد أن لم يتمكن برشلونة من تجديد عقده.

ونجح النادي الموسم الماضي، في صد مبادرات ريال مدريد تجاه مهاجمه، كيليان مبابي، مع رسوم تسجيل تبلغ أكثر من 100 مليون دولار.

وقال جان باسكال جايان، الخبير الاقتصادي المتخصص في الرياضة في جامعة رين “لكي تكون الرياضة ترفيهية، فإنها تتطلب مستوى معينا من التنافس على قدم المساواة، وهذا اختفى إلى حد كبير في فرنسا مثلا”.

وقال إن ضخ الأموال القطرية فشلت إلى حد كبير في الوصول إلى الأندية الفرنسية الأخرى، عدا النادي الباريسي، كما كان يأمل البعض.

كما كان للتدفق السخي للأموال من الخليج عواقب في الدوري الإنكليزي أيضا، وفق تقرير المجلة.

وفي وقت الاستحواذ الإماراتي، لم يكن مانشستر سيتي قد فاز بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز منذ 40 عاما، وقد فاز بها منذ ذلك الحين سبع مرات، أكثر من أي فريق آخر في نفس الفترة.

أما الملاك السعوديون الجدد لنيوكاسل، الذين دعموا الفريق بلاعبين ومدير جديد، نقلوا النادي من المركز الثاني عشر في عام 2021 إلى المركز الرابع هذا العام، وهو ما يعد بمثابة نهاية جيدة لنيوكاسل.

“إسراف دول الخليج في كرة القدم الأوروبية” وفق تعبير التحليل، جزء من عملية أوسع تشمل مجموعة متنوعة من الألعاب الرياضية، بما في ذلك الغولف والمصارعة وسباق السيارات، حيث تهدف تلك الدول إلى تنويع اقتصاداتها التي يهيمن عليها النفط مع تعزيز مكانتها الدولية “وغسل سمعتها من خلال الرياضة” يقول التحليل.

على سبيل المثال، أطلقت المملكة العربية السعودية جولة جديدة لمحترفي الغولف بدأت كمنافس للجولة الأميركية القائمة وانتهى بها الأمر إلى التهامها.

أما موسم سباقات الفورمولا وان، الذي ظل لعقود من الزمن يدور على مضامير شهيرة مثل سيلفرستون وموناكو، يتضمن الآن أربعة سباقات على مضامير منجزة حديثا في الخليج العربي.

ذات الأنظمة الخليجية تسعى أيضا إلى التسويق لصورتها كبلدان كرة قدم، حيث استضافت قطر كأس العالم 2022، وسيستضيف السعوديون كأس العالم للأندية في وقت لاحق من هذا العام.

علاوة على ذلك، فإن المملكة العربية السعودية “التي لا تزال صورتها الدولية ملطخة بعد القتل الوحشي للصحفي جمال خاشقجي في عام 2018” وفق تعبير “فورين بوليسي” جعلت من أولوياتها الآن جذب أكبر عدد ممكن من اللاعبين النجوم من القارة القديمة.

ويحصل رونالدو، الذي وقع مع نادي النصر في يناير، على راتب قدره 217 مليون دولار سنويا، وهو الأعلى في تاريخ الرياضة.

الهدف من ذلك، وفق التحليل، هو رفع مستوى الدوري السعودي للمحترفين، وجذب الاستثمارات والمشجعين، وسط تقارير تفيد بأن الرياض تأمل في أن يقوم دوري أبطال أوروبا، أكبر مسابقة للأندية في أوروبا، بخطوة غير مسبوقة للانفتاح على السعودية.

“الانقلاب رأسا على عقب”

لطالما كان نجوم كرة القدم المتقدمون في السن يميلون إلى إنهاء مسيرتهم  بكسب أموال كبيرة في بطولات أقل أهمية من حيث اللعب والتنافس، خارج أوروبا أو أميركا الجنوبية.

وانتقل بيليه إلى دوري كرة القدم لأميركا الشمالية الناشئ في أواخر السبعينيات.

في أوائل التسعينيات، انتقلت أساطير مثل الإنكليزي غاري لينيكر والبرازيلي زيكو إلى اليابان في مواسمهم الأخيرة.

ومنذ ذلك الحين اختار العديد من اللاعبين الآخرين الصين أو أستراليا أو الولايات المتحدة، بما في ذلك ديفيد بيكهام ومؤخرا ميسي البالغ من العمر 36 عاما، الذي وقع مع نادي إنتر ميامي في فلوريدا في وقت سابق من هذا الصيف وساعده بالفعل على الفوز بأول لقب له.

وأكثر من أوروبا، يعتقد كثيرون أن تلك البلدان (الصين واليابان والولايات المتحدة) هي التي يجب أن تقلق بشأن خطر الحملة السعودية لجلب المواهب.

وقال كيران ماغواير، خبير تمويل كرة القدم في جامعة ليفربول “كان البعض ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها وجهة تقاعد اللاعبين، لكن وكلاء اللاعبين الذين قد يفكرون في الذهاب إلى الولايات المتحدة، سيقولون إن خيارهم الأول يجب أن يكون الدوري السعودي، حيث لا توجد تدابير للتحكم في التكاليف هناك (تسقيف قيمة العقود)، وقد رأينا مستوى الأجور المتاحة.

لكن ما يثير القلق بالنسبة لأوروبا هو أن شهية السعودية لا تتوقف عند اللاعبين في سنوات تقاعدهم، ففي يوليو الماضي، تم نقل المهاجم الفرنسي، آلان إيريني سان ماكسيمان،  البالغ 26 عاما من نيوكاسل إلى النادي الأهلي السعودي.

ويخضع كلا الفريقين لسيطرة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وقد أثارت هذه الخطوة غضب الأندية الإنكليزية الأخرى، التي تشعر بالقلق من أن رسوم النقل قد تم تضخيمها وتصل إلى ضخ غير منتظم لرأس المال إلى نيوكاسل.

ومع انقلاب الدوريات الوطنية رأسا على عقب، وارتفاع أسعار الانتقالات إلى أعلى المستويات، و”اختطاف” كبار اللاعبين من القارة، فإن السؤال هو ما إذا كانت كرة القدم الأوروبية قادرة على فعل أي شيء حيال ذلك.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى