في طفولتها، كانت عاشقة لحصص الإنشاء، التي تتفوق فيها بالمدرسة، سواء كانت باللغة العربية أو الإنجليزية.. تتحمس للمواضيع المطروحة، وتعيد التعليق عليها بمقالات خاصة فتشعر بقوة وتمكّن لا مثيل لهما، عندما تشارك معلمة الفصل قصصها للطالبات، ولا تنسى يوم قررت إحدى المعلمات معاقبة الطالبات في الفصل الدراسي، وقالت إنها ستكلفهن بموضوع لم يسبق أن تخيلن صعوبته، كان الموضوع بطول 1500 كلمة، يحكي عن «الرمل»، بمهارتها أبدعت مريم في الموضوع، تمكنت من الوصول إلى عدد كلماته، تكلمت فيه عن أهمية «الرمل» وعن الأماكن الجغرافية التي يتواجد فيها، واستخداماته، كان الوصف مليئاً بحب صحراء الخليج وكثبانها الرملية، التي تعطي الأمل بوجود الماء.
في الصفحات الثقافية لهذا العدد المميز، كان لنا لقاء مع الشيخة مريم بنت صقر القاسمي، كاتبة الأطفال وصاحبة دار «آرام للنشر»، هي زيارة أقل ما يمكن وصف الكاتبة الشابة خلال ساعاته القليلة، بالرقي والتواضع وحسن الضيافة والكرم.
الشيخة مريم بنت صقر القاسمي
لم يطل انتظارنا أكثر من دقائق، حتى كانت الكاتبة مريم بيننا تملأ المكان بعبارات الترحاب، ملامحها التي تعبر عن بساطة وبشاشة، تفوقان الوصف، فقد استقبلت «كاميرا سيدتي» في مكتبها الخاص المليء بشغف القراءة والكتابة، بدءاً بـ «آدم الفضولي» ومروراً بـ «متكاملان معاً»، وليس انتهاء بـ «أين اختفت الحروف؟»، وهي قصة رواها الحكواتي وتحولت إلى مسرحية غنائية، شارك فيها 22 ممثلاً.. توقفت إلى جانب كتبها التي عرضت في مكتبة ضخمة احتوت على أمهّات الكتب العربية، وتذكرت موقفاً من طفولتها في صيف جميل، عندما عادت من الولايات المتحدة الأميركية، وهي تحمل العديد من الكتب التي لم تتوفر آنذاك في الإمارات، وقامت بعمل حلقة قرائية مع زميلاتها في المدرسة، أعطت فيها كل واحدة قصة لتقرأها على الفتيات، إلى أن تنهي لتبدأ الصديقة الأخرى بالقراءة، ومن ثم تدور حلقة النقاش التي تأخذ الفتيات إلى عالم مليء بالغرابة والخيال الذي تفردت فيه كتب مريم، التي تقول: «هناك أوقات أعود فيها طفلة، ترغب في اقتناء الألعاب لتشعر معها بالمرح، لكن ما ميزني، وعبرت عنه معلماتي بفضول، هو ملاحظتهن لتوقف اللعب، والعودة إلى الحلقات القرائية، لهذا كنّ يسمحن لنا أنا وزميلاتي بالبقاء في الفصل للقراءة، كن يحاولن التعرف إلى ما تحتويه صفحات الكتب التي جذبتنا للدخول في عالمها».
الرسالة في قصصي
ساهمت قصص الأطفال، كما تقول مريم، في بلورة أفكارها وشخصيتها، فخيالها المجنّح كان محفزاً لجعلها تدرك الأمور، وتحل المشكلات التي تواجهها بسرعة، تتابع قائلة: «من منّا لا تنطبع بذاكرته أجمل القيم والمواعظ التي تعلمها من القصص، من يومها رسمت خطة عكفت فيها على تأليف قصص تربوية من جهة، وتجنّح في عالم الخيال في آن واحد، فعندما وجدت في نفسي ملكة الكتابة وللأطفال تحديداً، على الرغم من دراستي للصحافة في الجامعة الأميركية في الشارقة، اتجهت لإكمال الماجستير في اللغويات؛ أي الترجمة بين اللغتين العربية والإنجليزية؛ لأنني أردت ترجمة القصص التي أكتبها بنفسي، والتي تتوفر في صفحاتها القراءة باللغتين، كنت أتابع الكتب المترجمة في المكتبات، ولاحظت أن ترجمتها الحرفية تضيّع الإحساس وروح الكلمات، أذكر مرة إحداهن لفتها، أن تفاصيل قصصي العربية تختلف عن الإنجليزية، فقلت لها لكن المعنى واحد والفكرة واحدة، فمن السهل الترجمة الحرفية بينما إيصال الفكرة هو الذي يؤدي دوراً في هذه الدائرة القصصية، وبما أن الترجمة جسر بين الثقافات، كان عليّ أولاً فهم الثقافة الأخرى، لتوفير المعنى بطريقة حسية لا تضيع معها الرسالة».
«أين اختفت الحروف»؟
أحبت مريم الحديث عن مصادر شخصيات قصصها، فغالباً، بحسب قولها، ما تكون من وحي الخيال، وبسبب حبها للتاريخ الإسلامي تحب الكتابة عن المهن، التي اندثرت عبر العصور، التي تناساها الناس، واحتلت التكنولوجيا مكانها، تستدرك قائلة: «الشخصية الرئيسية في قصة «أين اختفت الحروف»؟ مثلاً كانت الحكواتي التي عرفت في بلاد الشام، برواية القصص للناس ليلاً في المقاهي، وقد نلت في هذه القصة جائزة الشارقة لكتّاب الطفل 2018 عن هذه القصة، وبعدها لاحظت انتشار قصص تجسد هذه الشخصية، سواء في المعارض أو المؤسسات التربوية، يسعدني أنني أحييت هذه الشخصية التي كانت شبه منسية، وكتبت أيضاً عن ساقي الماء الموجود في الثقافة المغربية، الذي كان يدخل بيت الفقير والغني ليوزع المياه الباردة، وقد وصلت للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد لهذا الكتاب، أي «ساقي الماء».
قصصي تربوية وتجنّح بعالم الخيال في آن واحد
آرام
كتبت مريم قصة عن الشيخ زايد، رحمه الله، وحالياً تكتب قصة عن التراث الإماراتي الذي يحمل في طياته الكثير من معاني الصبر والإصرار، وخاصة في مناخ الإمارات الصعب، ولهذا يمتلئ قلبها بالكثير من الحب والاحترام للأجداد الذين عانوا وصبروا عبر البحار، ليعودا بثروات تؤمن عيشاً كريماً لأهاليهم، تتابع قائلة: «حتى دار النشر التي أسستها أطلق عليها اسم «آرام للنشر»، والآرام هو الغزال الصغير، الذي يعبر أيضاً عن حبي لبيئة الإمارات، وأنا ألتزم في الدار بشروط عالمية، تبدأ بالتعرف إلى شخصية الكاتب، قبل قرار نشر قصته، ولكن للأسف دائماً ما ترسل لي قصصاً من دون نبذة تفصيلية عن الكاتب».
بدت الدهشة على وجه مريم التي تستقبل أيضاً قصصاً لكتاب، أول ما يستفسرون عنه هو الربح، بينما يقل عدد الكتاب الذين يبحثون عن طريقة لتقديم القصة، وهذا ما تراه مهمَ أكثر من المحتوى، الذي تقرر لجنة آرام للنشر مدى ملاءمته.
أنامل الأطفال والورق
تجد مريم أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، وسواء أحبته أم لا فهو موجود، ويستخدم في المدارس؛ حيث لم يعد هناك بيت يخلو من التكنولوجيا، تتابع: «لا أرى أي ضرر لو استخدم الطفل الذكاء الاصطناعي، للبحث عن المعلومات، بشرط عدم الالتهاء بدعايات الألعاب، التي تظهر بين الحين والآخر، لكنني ربما أكون تقليدية بعض الشيء، وإذا أحببت تشجيع الطفل على القراءة، فأفضل أن تلامس أنامله الصفحات الورقية، وأن يمسك بكتاب يغنيه عن رؤية هذا الألعاب الإلكترونية، التي تلهي الأطفال على الأغلب».
دمية الحكواتي
في عام 2016، ابتكرت مريم دمى صغيرة تمثل شخصية الحكواتي، في قصة «أين اختفت الحروف»، كما أطلقت دمية كبيرة يمكن ارتداؤها، body doll وكانت من أوائل الكاتبات التي استخدمن الدمى، في معرض الكتاب بالشارقة، للترويج لشخصيات القصة، وجذب الأطفال من خلال التصوير معهم؛ ما يزيد حماستهم في قراءة القصص.
كبرت كاتبة قصص الأطفال على روائع مؤلفات روالد دال، الذي ولد لأبوين نرويجيين. تتابع قائلة: «مع أنه كان طياراً بطلاً. لكنه في الأربعينيات بدأ بكتابة الروايات، ولاحقاً أصبحت رواياته من أكثر الروايات مبيعاً في العالم؛ لأنه يختمها بنهايات غير متوقعة، إضافة إلى قصص الأطفال الساخرة، وكذلك أنا مولعة بقصص الكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن، الذي يُعد واحداً من الكتاب البارزين في مجال كتابة الحكاية الخرافية. وقد اختير ميلاده ليكون يوماً عالمياً لكتب الأطفال. فحكاياته تأخذ منحى القصص الشعبية، لكنها تنطلق لتصبح خرافية سمعها عندما كان صغيراً، وهو الذي كتب قصص ديزني بقيمها الإنسانية التي استهوتني، كنت أقرأ لهذين الكاتبين، وعيني تدمعان من الضحك، وربما أعيد قراءة الكتاب أكثر من مرة، هي لم تكن من الكتب التي تنسى على الرفوف، لهذا السبب، أحب إطلاق الكتب ليس لمجرد كتابتها، وقد أصدر قصة واحدة في السنة، مع أن باستطاعتي إصدار أكثر من ذلك، لكنني أحب أن أعطي قصة تحمل نسخها بأيادي الأطفال الغضة والكثير، وأن يشكل لهم الكتاب منحى ترفيهياً وتثقيفياً، يعود إليه أكثر مرة، وأنا بصراحة أحب الاقتداء بالكاتب روالد، الذي ينصح بالعودة إلى القصة الكثير من المرات وتعديل كلماته حتى لو أخذ الأمر من الكاتب أكثر من سنة».
لم تجد مريم حرجاً في أن تذكر القصص التي قرأتها لكتّاب آخرين، وتمنت أن تكون هي من كتبتها، وهي قصص «صندوق الأحلام» و«ياسمين وزهرة دوار الشمس»، تتابع: «القصتان للكاتب السوري مهند العاقوص، الذي ألّف أكثر من 150 كتاباً، وحصل على العديد من الجوائز، كما تم ترشيحه لجائزة زايد للكتاب، فئة أدب الأطفال في دورة 2017-2018. وقد تواصلت معه، وأبديت له إعجابي بقصتيه، لمفاهيمها التي تعبر عنها كلماتها مثل الاجتهاد والصبر وبر الوالدين، هو من الكتّاب الذين أرفع لهم القبعة، وأتمنى التعامل معهم في المستقبل القريب».
التراث الإماراتي
لا تجد الكاتبة الإماراتية أنه ينقص الكاتب العربي صقل أي ملكة في الكتابة، فهناك حركة ثقافية بارزة تزداد مع الوعي، وهناك تشجيع للكتاب العربي، من خلال معارض الكتب السنوية، تتابع: «خاصة عندنا في الإمارات؛ حيث تقاد الورش الثقافية الممتعة، التي تتيح للكتاب، أن يكونوا مع قرائهم ومعجبيهم وجهاً لوجه؛ حيث يستفيد منهم كل من له شغف في الكتابة، وتتعرف إليهم المؤسسة الثقافية والتربوية ومعارض الكتب».
تحضّر الكاتبة مريم لمشروع قصة، هي عبارة عن مسرحية مستوحاة من التراث الإماراتي، تعزز المبادئ والقيم العربية، لدى الطفل العربي، وهي الآن بصدد تنفيذ الرسومات، وتأمل أن تنتهي من التحضير لعرضها المسرحي السنة المقبلة، بالتعاون مع المؤسسات التراثية في الإمارات.