بين نهب الثروات وتغذية الانقسامات ..سياسة السعودية والإمارات في جنوب اليمن

بالرغم من أن دعم التحالف السعودي الإماراتي لمشروع انفصال جنوب اليمن خيار إستراتيجي كرس له التحالف كل جهوده منذ ثماني سنوات، لكن الخلافات والانقسامات التي يرعاها ويؤججها التحالف بين الجنوبيين تعني أن الطريق أمام مشروع الانفصال لن تكون مفروشة بالورود وإنما سيتم الانفصال على أنهار من دماء الجنوبيين، ذلك أن التحالف يدعم الانفصال وبنفس الوقت يزرع العقبات في طريقه، والهدف من ذلك جر الفرقاء الجنوبيين إلى حروب بينية لإضعافهم جميعا، كي تولد الدولة الانفصالية منقسمة وضعيفة من البداية، ليسهل اقتطاع أجزاء مهمة من أراضيها وتقاسمها بين الرياض وأبوظبي.

عندما تدخلت السعودية والإمارات عسكريا في اليمن كانت هناك كثير من العقبات أمام مشروع انفصال جنوب البلاد، أهمها أنه ليس لدى الانفصاليين قوات مسلحة تمكنهم من فرض الانفصال بالقوة، مقابل وجود جيش وقوى وحدوية لن تسمح بتمرير الانفصال بسهولة، فبدأ التحالف بإضعاف الدولة والقوى الوحدوية، مقابل تقديم الدعم السخي للانفصاليين، لكنه أيضا يؤجج الخلافات بين المكونات الجنوبية لجرها إلى الحروب البينية، في سياق سياسة إضعاف الجميع شمالا وجنوبا.

تبدو عملية تفكيك وإضعاف جنوب اليمن وكأنها صراع بين السعودية والإمارات على المكاسب والنفوذ، وهذا افتراض فيه شيء من الحقيقة ولكنه ليس كلها، فالخلافات على الغنائم بين الحلفاء أمر وارد، وهي خلافات لن تهدم الهدف الرئيسي الذي يسعون لتحقيقه، ولو كانت هناك خلافات فعلية فإن السعودية قادرة على حسم المسألة لمصلحتها من خلال دفع الحكومة اليمنية إلى إعلان الاستغناء عن دور الإمارات في اليمن، وستدعم السعودية الجيش الوطني وبقية حلفائها لاستعادة السيطرة على المدن التي تسيطر عليها مليشيا المجلس الانتقالي، لكنها لعبة الدولتين الخطيرة لإضعاف اليمن شمالا وجنوبا بشكل عام.

– مظاهر الصراع المفتعل

تتعدد مظاهر الصراع المفتعل بين السعودية والإمارات في جنوب اليمن عبر وكلائهما بشكل لا يخلو من المهازل والعبث، حتى أصبح ذلك الصراع أخيرا بأسلوب خطوة مقابل خطوة، لتأجيج الخلافات وتعميق الانقسامات، مثل:

• يهدد المجلس الانتقالي بالسيطرة على محافظة حضرموت فتشكل السعودية كيانا حليفا لها في المحافظة وتلمح إلى تشكيل كيانات مماثلة في عدن وغيرها، ثم ترد الإمارات بتوسيع قيادة المجلس الانتقالي من داخل أعضاء المجلس الرئاسي المحسوبين على السعودية، لإحداث خلل في التوازن بين حلفاء الدولتين في المجلس الرئاسي.

• يزور رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، محافظة حضرموت، فترد السعودية بترتيب زيارة لرشاد العليمي إلى المحافظة ذاتها وإعلان منحها حكما ذاتيا لسلخها عن بقية المحافظات.

• ترتب السعودية زيارة لرشاد العليمي إلى محافظة المهرة والتلميح بمنحها حكما ذاتيا على غرار حضرموت، فترد الإمارات بتوجيه مليشيا تتبع المجلس الانتقالي لمحاصرة رئيس الحكومة معين عبد الملك في قصر معاشيق الرئاسي بالعاصمة المؤقتة عدن، وهو أحد الموالين للسعودية، ثم يهدد المجلس الانتقالي مجددا بالسيطرة على محافظة حضرموت، وهكذا.

– التحالف.. توزيع الوعود والأماني

تدخل التحالف السعودي الإماراتي في اليمن بذريعة أنه سيقضي على مليشيا الحوثيين وإعادة السلطة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، لكن ذلك الهدف لم يتحقق منذ ثماني سنوات، وبنفس الوقت شكل التحالف مليشيات انفصالية جنوبية بنفس مناطقي قروي بحت، ووعد الانفصاليين بمساعدتهم على تحقيق الانفصال، لكن مشروع الانفصال لم يتحقق رغم مضي ثماني سنوات تقريبا منذ بداية دعمه بالمال والسلاح، فما الذي يعنيه كل ذلك؟

إن الهدف الرئيسي للتحالف هو إضعاف اليمن بشكل عام من خلال النفخ في مختلف خطوط الانقسام، فالشمال منقسم بين مليشيا الحوثيين والمكونات الرافضة لها، كما زرع التحالف خلافات بين المكونات الرافضة للحوثيين. وفي جنوب اليمن تدعم الإمارات كيانا انفصاليا وتدعم السعودية مكونات رافضة لذلك الكيان، دون أن تفصح عن أن دعمها للمكونات الرافضة للمجلس الانتقالي الانفصالي هل هو دعم للوحدة اليمنية أم دعم للانفصال.

– نهب الثروات على وقع الصراعات

وبالتوازي مع الخلافات التي يغذيها التحالف بين الجنوبيين، نجد أنه في نفس الوقت يعمل على نهب ثروات الجنوب واليمن بشكل عام، ومن تلك الثروات المنهوبة يمول التحالف الحروب البينية في اليمن، ويخص المليشيات التابعة له بالنصيب الأوفر منها، ومن تلك الأموال المنهوبة يقدم التحالف مبالغ بسيطة منها على هيئة ودائع مالية للحكومة اليمنية مطلوب تسديدها لاحقا مع الأرباح المطلوبة.

والسؤال هنا: كيف ينهب التحالف ثروات اليمن؟ في فبراير الماضي، كشف تحقيق لمنصة “إيكاد” عن مسار السفن الإماراتية التي تنهب النفط من موانئ اليمن وتهربه إلى دول أخرى، عبر ميناء الزبير في العراق، وأوضح التحقيق أن السفن الإماراتية تجري عمليات معقدة لنقل النفط، من خلال استخدام عدة ناقلات مختلفة تخفي جميعها بياناتها وإشاراتها عن برامج الملاحة.

وأكد تحقيق “إيكاد” أن تلك السفن تنقل النفط من ميناء رضوم في شبوة إلى عدن، ثم تخلطه بنفط مجهول المصدر وتنقله من موانئها إلى ميناء خور الزبير العراقي، الذي يعد بؤرة تهريب النفط من وإلى دول عدة.

وكان التحالف السعودي الإماراتي قد وضع ثروات اليمن نصب أعينه منذ الأشهر الأولى من عملية “عاصفة الحزم”، وكأنها ثروات خاصة به، فمنع تصدير النفط والغاز، وسمح بتصدير كميات قليلة، لكن عائداتها تورد إلى أحد البنوك السعودية، ولم يكن للحكومة اليمنية الحق في التصرف الكامل بتلك العائدات.

وعندما أرادت الحكومة اليمنية استئناف تصدير النفط، منعتها مليشيا الحوثيين من ذلك، دون أن تتخذ الحكومة أو التحالف أي إجراءات رادعة واستسلم الجميع لتهديدات الحوثيين، وليس مستبعدا أن التحالف هو من أوعز للحوثيين بذلك.

في المحصلة، الحكومة اليمنية غير قادرة على تصدير النفط الذي ينهبه التحالف بأساليب احتيالية ويصدره للخارج، كما كشف تحقيق منصة “إيكاد”، كما أن التحالف يسيطر على جميع مناطق الثروات النفطية في اليمن، ولم يسمح للحوثيين بالاقتراب منها، ولم يسمح للحكومة اليمنية بالتصرف الكامل فيها، وهكذا يسيطر التحالف على ثروات اليمن وينهبها ويغذي الحروب والانقسامات بين جميع المكونات اليمنية من أموال اليمنيين.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى