ماذا تريد السعوديه من الحوثيين و ماذا يريد الحوثيون من السعوديه ؟

أصبحت المفاوضات المتعثرة بين السعودية وجماعة  الحوثيين المحور الأساسي في الأزمة والحرب في اليمن، وازدادت أهمية تلك المفاوضات بعد المصالحة السعودية الإيرانية، ثم الزيارات العلنية المتبادلة بين وفود الطرفين إلى صنعاء والرياض، بعد أن كانت اللقاءات بينهما سرية، وستؤثر تلك المفاوضات على مستقبل الملف اليمني بحسب ما ستؤول إليه من نتائج، باعتبار السعودية الطرف الرئيسي المهيمن على السلطة اليمنية الشرعية التي انقلبت عليها مليشيا الحوثيين.

أما تعثر المفاوضات بين السعودية والحوثيين فيعني أن القضايا محور النقاش بينهما كبيرة ومعقدة، وربما أن التوافق بشأنها يحتاج إلى مدة زمنية طويلة إن لم تطرأ مستجدات تعود معها الأوضاع إلى مربع الصفر، ولو أن القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات بين الطرفين سهلة ويسيرة لكانت قد حسمت منذ وقت مبكر، كونها لن تحتاج لمفاوضات بدأت سريا منذ سنوات قبل أن تظهر إلى العلن. وبصرف النظر عن النتيجة التي سيتوصل إليها الطرفان في تلك المفاوضات، فمن المؤكد أنها ستكون كارثية بحق الشعب اليمني، وستفخخ الوضع أكثر من ذي قبل.

ومع التقدم الذي أحرز مؤخرا في تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، وكون الملف اليمني يمثل الاختبار الصعب للمصالحة السعودية الإيرانية، فمن المتوقع أن تستأنف السعودية مفاوضاتها مع الحوثيين بشكل أكثر زخما وتقدم لهم المزيد من التنازلات، حتى يقوى اتفاقها مع إيران ويقطع شوطا كبيرا إلى الأمام، لا سيما بعد ظهور مستجدات تهدد المصالحة بين البلدين، مثل الخلافات حول حقل الدرة النفطي بين إيران من جهة والكويت والسعودية من جهة ثانية، وإرسال الولايات المتحدة قوات جديدة إلى المنطقة بذريعة حماية ناقلات النفط من التهديدات الإيرانية.

– ماذا تريد السعودية من الحوثيين؟

لا يمكن فهم ما الذي تريده السعودية من مليشيا الحوثيين إلا بالعودة إلى تاريخ العلاقات بين اليمن والسعودية ومعرفة مسببات الخلافات بين البلدين والسياسة السعودية إزاء اليمن منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة وحتى اليوم، وسنجد أن ما تريده السعودية من اليمن هو منفذ أو ميناء على بحر العرب، والتهام المزيد من الأراضي اليمنية، لا سيما تلك التي تحتوي على ثروات نفطية ومعدنية نفيسة لم تستخرج بعد.

وبنفس الوقت فالسعودية منزعجة من الوحدة اليمنية، ومن النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي، ومن وجود أحزاب سياسية وحرية رأي وتعبير، ومنزعجة أيضا من الموقع الإستراتيجي لليمن الذي عزل خاصرتها الجنوبية عن الممرات الحيوية للتجارة العالمية وأعاقها عن أداء دور مؤثر في أمن البحار والمحيطات الذي تزايدت أهميته في السنوات الأخيرة ويمثل بوابة لنسج علاقات تعاون أمني وعسكري بين القوى الإقليمية والدولية.

وبالتالي فإن السعودية تدير الوضع في اليمن وفقا لأطماعها وبواعث انزعاجها ومخاوفها الأمنية، وما تريده من مفاوضاتها مع الحوثيين لن يخرج عن سياق الأهداف العامة لسياستها إزاء اليمن، لكنها تسعى لأن تضرب عصفورين بحجر: العمل على تحقيق أطماعها القديمة في اليمن، والتخلص من بواعث القلق والانزعاج، بالإضافة إلى تحويل اليمن إلى ورقة للاستثمار السياسي في إدارة علاقتها مع إيران سواء كانت علاقة صدام وحروب بالوكالة أو مصالحة وعودة العلاقات الدبلوماسية، ليس رغبة منها في السلام ولكن هروبا من أعباء المواجهة وفاتورتها الباهظة في حال استمرارها، لا سيما بعد أن أصبحت السعودية مكشوفة أمنيا، وتراجع الحماية الأمريكية لها.

وهناك عامل آخر بشأن الملامح العامة للسياسة السعودية في اليمن، وهو أن السعودية هي دولة وظيفية لدى الغرب فيما يتعلق بدورها السياسي والعسكري في المنطقة وإن لم تشعر بذلك، وهناك اختراق غربي واضح لما يمكن وصفه بالعقل الإستراتيجي السعودي، بدأ منذ ثورات التحرر العربية وتنامي المد القومي العربي ودور المملكة في إنهاء الوحدة المصرية السورية، ثم وقوفها العنيف والوحشي ضد ثورات الربيع العربي والحركات والأحزاب الإسلامية، ودعم الأنظمة العربية القمعية المعروفة بتبعيتها للغرب.

وإذا كانت السعودية دولة وظيفية تعمل لتحقيق الأهداف الغربية في المنطقة، فإن الجماعات والمليشيات الشيعية تنظر لها الدول الغربية كجماعات تستحق البقاء كفواعل سياسية وعسكرية لاستخدامها في مهام آنية أو مؤجلة، والأهداف الآنية أن الغرب يستخدمها هي وإيران كبعبع لتخويف السعودية وغيرها من الممالك والإمارات الخليجية النفطية، لجعلها في حاجة دائمة للمظلة الأمنية الغربية.

أما الهدف الرئيسي فهو استمرار السيطرة على أهم منابع النفط والغاز من خلال إقامة القواعد العسكرية، والتي ستدفع فاتورتها الممالك النفطية، بالرغم من أن تلك القواعد لها أهداف كبرى متعددة تتجاوز مسألة حماية الدول الخليجية، مثل حماية أمن إسرائيل، وتعزيز الخطوط الخلفية للقوات الأمريكية المرابطة في بحر الصين والمحيط الهندي في سياق السيطرة الأمريكية على البحار والمحيطات، لكن القواعد الأمريكية المنتشرة في أنحاء العالم لا أحد يدفع فاتورتها باستثناء تلك المرابطة في منطقة الخليج العربي والتي تدفع فاتورتها المالية دول الخليج.

خلاصة ما سبق أن السعودية تريد من الحوثيين عدم الاعتراض على رغباتها في اليمن، مثل عدم الاعتراض على مشروع انفصال جنوب اليمن مقابل تركهم يحكمون شمال اليمن، وتقاسم مناطق الثروات النفطية والغازية، والتعهد بعدم إشعال الحرب مستقبلا بذريعة استعادة الوحدة اليمنية، وبالانفصال ستقضي السعودية على الديمقراطية والحزبية في اليمن وستتخلص من الكيان القانوني للجمهورية اليمنية واتفاقيات ترسيم الحدود من اليمن.

وبالتالي فإن ذلك سيمكنها من احتلال محافظتي حضرموت والمهرة، لتضمن الوصول المريح إلى بحر العرب والمحيط الهندي، وتأمين صادراتها النفطية بعد التهديدات الإيرانية المتزايدة بإغلاق مضيق هرمز كلما اشتدت أزمتها مع الغرب، وبنفس الوقت فمشروع تقسيم اليمن هو هدف غربي أيضا، سيتبعه تقسيم السعودية والإمارات وغيرهما من الدول العربية، كما كشفت عن ذلك صحيفة نيويورك تايمز التي نشرت قبل سنوات خريطة جديدة لمستقبل المنطقة العربية بعد إعادة تقسيمها مستقبلا وإدخالها في دوامة جديدة من الصراعات.

– ماذا يريد الحوثيون من السعودية؟

مشروع مليشيا الحوثيين هو السيطرة على جميع الأراضي اليمنية وإعادة الحكم الإمامي البائد وترسيخ ما يسمى الحق المقدس في السلطة والثروة، وبالتالي فإن ما يريده الحوثيون من السعودية هو الانسحاب تماما من اليمن وعدم التدخل العسكري ضدهم مجددا، وانسحاب الإمارات أيضا، وقد أفصحوا عن ذلك مرارا وتكرارا، لاعتقادهم بأنه لولا التدخل العسكري الأجنبي فإنهم سيسيطرون على اليمن كاملا بسهولة، لا سيما إذا تمكنوا من شراء السلاح النوعي واستمر الدعم الإيراني بالأسلحة واستقدام مليشيات شيعية من لبنان والعراق وسوريا وأفغانستان وغيرها.

وبالنسبة للسعودية فإن قيام نظام حكم ملكي إمامي في اليمن يمثل خيارا مغريا أفضل من حكم جمهوري ديمقراطي تعددي، خشية من عدوى الديمقراطية، لكن هناك عقبات وتحديات كثيرة ستحبط جميع أهداف السعودية في اليمن، وستحبط أهداف الحوثيين أيضا، فالسعودية تخشى من أن يقضي اليمنيون على الحوثيين ويبنون دولة حديثة مزدهرة أكثر من خشيتها من أن يسيطر الحوثيون على اليمن الذي سيعيدونه إلى عهد الفقر والجوع والتخلف والجهل والظلام، بمعنى أن السعودية مغرمة بالحوثيين الذين سينفذون أهدافها في اليمن أكثر من اللازم، لكن خلافها الجوهري معهم هو لمن ستكون تبعيتهم المطلقة، لها أم لإيران؟

ختاما، يدرك الحوثيون ما تريده السعودية منهم، وتدرك السعودية ما يريده الحوثيون منها، ويدرك الطرفان ما هي التحديات والعقبات التي ستحول دون تنفيذ الأهداف التي سيتفقان عليها، وكل طرف سيراعي بعض الحساسيات، وتأجيل الخوض في الملفات الحساسة، ولذا فالمفاوضات بين الطرفين ليست حول المكاسب والأهداف فقط، وإنما تشمل الآليات والأساليب الاحتيالية لخداع الأطراف الأخرى، وستكون تدريجية، ليبدو كل شيء في نهاية المطاف وكأنه أمر واقع، لكن الكلمة الفصل ستكون في نهاية المطاف للشعب الذي سيربك كل الحسابات ويحبط جميع المؤامرات.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى