يعتبر معدن النحاس مادة رئيسية تدخل في العديد من المكونات والمنتجات الصناعية بمختلف المجالات، وأسعاره تتقلب نتيجة لعوامل متعددة، منها العرض والطلب، إلا أن اللافت في الأمر وفقا لصحيفة “إيكونومست” هو أن سعره بات أرخص مؤخرا بشكل غير متوقع.
وتقول الصحيفة إنه في أواخر شهر يونيو الماضي، حذر، روبرت فريدلاند، رئيس شركة Ivanhoe الكندية للمناجم، من أن العالم قد يواجه أزمة في إمدادات النحاس، مما قد يؤدي إلى عرقلة التحول نحو الطاقة النظيفة، لأنه يتم استخدام النحاس في الكثير من الأشياء مثل الأسلاك وتوربينات الرياح.
وتوقع فريدلاند أن يرتفع الطلب على النحاس في الدول التي تتبنى مشاريع الطاقة المتجددة في أميركا وآسيا وأوروبا، وقال إن سعر هذا المعدن يمكن أن يقفز عشرة أضعاف بسبب ذلك.
ولكن الواقع مغاير الآن، وفقا للصحيفة، فبعد أن بلغ السعر ذروته عند 10700 دولار للطن في مارس من العام الماضي، انخفضت أسعار النحاس في بورصة لندن للمعادن بنحو 10٪ منذ يناير الماضي، لتصل إلى 8300 دولار للطن. وتظل الأسعار متقاربة في غضون ثلاثة أشهر، وبعض المستثمرين لا يتوقعون تغيرها قريبا.
صحة الاقتصاد
وبسبب استخداماته المتنوعة، التي تشمل قطاعات البناء والإلكترونيات والأسلحة، فإن أسعار النحاس تشير إلى صحة الاقتصاد العالمي، وبالتالي قد تكون المخاوف بشأن الاقتصاد وراء تشاؤم بعض المستثمرين بشأن آفاق النحاس. وانتعاش ما بعد جائحة كورونا في الصين، التي تستهلك ما يصل إلى 55% من الإمدادات العالمية، بدأ يتلاشى بالفعل. كما أن النمو يتراجع أيضا في الغرب مع ارتفاع أسعار الفائدة.
ومع ذلك، فإن نقص الطلب لا يفسر انخفاض السعر. ورغم ركود البناء في البلاد، إلا أن الصين تستخدم 5% من النحاس هذا العام أكثر من العام الماضي، ربما لأن المعدن، يستخدم أيضا في الكسوة والأنابيب والأسقف. ويعتقد أيضا أن الارتفاع بنسبة 7% في صناعة وحدات التبريد خلال الصيف قد يدعم الطلب.
وقد تكون أسعار النحاس منخفضة بسبب ارتفاع العرض. وخلال فصل الشتاء الماضي، أدت سلسلة من الاضطرابات، مثل الاحتجاجات في بيرو والفيضانات في إندونيسيا، إلى إضعاف الإنتاج العالمي، لكن هذه المشكلات تلاشت الآن. ونتيجة لذلك، تظهر مؤشرات على عدم وجود نقص في المواد الخام.
وتعتبر تشيلي الدولة الأولى عالميا من حيث إنتاج معدن النحاس، تليها بيرو والصين والولايات المتحدة وأستراليا والكونغو الديمقراطية وزامبيا وكندا وروسيا والمكسيك، وفقا لموسوعة “بريتانيكا”.
توقعات مستقبلية
وتشير الصحيفة إلى أنه مع تسريع الانتقال نحو الطاقة النظيفة والمتجددة، قد يرتفع الطلب على النحاس، إذ من المتوقع أن تزداد مبيعات السيارات الكهربائية بشكل كبير في السنوات المقبلة، وتحتوي كل سيارة كهربائية على ثلاثة إلى أربعة أضعاف كمية النحاس، مقارنة بالسيارة التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي.
وحتى في ظل هذا السيناريو الذي يحدث فيه الانتقال ببطء، تقدر وكالة الطاقة الدولية (iea)، أن الطلب على النحاس لاستخدامات الطاقة المتجددة والنظيفة، مثل مشاريع الكابلات البحرية لطاقة الرياح، سيتضاعف تقريبا بحلول عام 2040.
وتتوقع شركة ماكينزي الاستشارية أن يصل العرض إلى 30 مليون طن بحلول عام 2031، أي أقل بمقدار 7 ملايين طن من الطلب المقدر.
خسائر سابقة
وفي تقرير نشرته وكالة فرانس برس في ديسمبر عام 2014، سجلت أسعار المعادن الأساسية في سوق لندن حصيلة قاتمة باستثناء النيكل، بسبب ضعف النمو الاقتصادي العالمي وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني بشكل خاص.
والنحاس لم يسجل سنة جيدة وخسر 13% في 2014. وسجل هذا المعدن أدنى مستوياته في خلال أربع سنوات ونصف السنة مطلع ديسمبر من ذلك العام، متأثرا بتدهور أسعار النفط التي بلغت بدورها أدنى مستوياتها منذ أكثر من خمس سنوات حينها.
لكن في العام 2014 جنب الطلب الصيني سوق النحاس من فائض كان سيكون له وقع أكبر على المعدن. ويرى محللون في مؤسسة “ناتيكسيس” أن الطلب العالمي على النحاس يعود جزئيا إلى تخزين الدولة الصينية 700 ألف إلى مليون طن من المعدن.
لكن مهمات المعالجة وتنقية معدن النحاس المرتفعة الكلفة نسبيا والمهمة للمصاهر التي تتلقاه تشجع على فتح مصاهر جديدة في الصين وأيضا في أماكن أخرى من العالم بحسب خبراء ناتيكسيس.
واعتبرت المجموعة الدولية لدراسات النحاس حينها أن السوق ستنتقل من عجز يقدر بـ300 ألف طن في 2014 إلى فائض مقداره 390 ألف طن في 2015.
لكن انقطاعات إنتاجية غير متوقعة بسبب إضرابات في تشيلي والبيرو أو في إندونيسيا قد تدعم الأسعار بحسب محللي “كومرتسبنك” الذين توقعوا حينها أن تبلغ أسعار النحاس 7200 دولار للطن أواخر العام 2015.