باتت جنوب شرق أسيا ساحة منافسة جديدة بين السعودية والإمارات، في ظل لقاءات اقتصادية وسياسية مكثفة يعقدها مسؤولي البلدين مؤخرا، لتعزيز التعاون الثنائي، مدفوعة بالمنافسة الحادة لجذب الاستثمار الأجنبي.
هكذا يخلص تحليل لموقع “دبلومات” ترجمه “الخليج الجديد”، الذي يلفت إلى أن الدولتين أطلقتا وابلا من الحوافز الضريبية والإعفاءات الجمركية للشركات الأجنبية في محاولة لجعل أنفسهم أكثر جاذبية للشركات الإقليمية ومتعددة الجنسيات.
والشهر الماضي، استقبل رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، نائب رئيس فيتنام فو تي آنه شوان، في أعقاب اتفاق ثنائي تم توقيعه حديثًا بين البلدين، يطلق مفاوضات ثنائية نحو اتفاقية شراكة اقتصادية متكاملة.
وفي حالة التوقيع على الاتفاقية، ستصبح الاتفاقية الرابعة من هذا القبيل تبرمها الإمارات في جنوب وجنوب شرق آسيا على مدى السنوات القليلة الماضية، بعد اتفاقيات مماثلة مع إندونيسيا والهند وكمبوديا.
وبالتزامن، عقد مسؤولون من السعودية اجتماعات ثنائية منفصلة مع نظرائهم التايلانديين والفلبينيين والإندونيسيين خلال الشهر الماضي، بهدف تعزيز العلاقات وتوسيع الفرص للمشاركة الاقتصادية على نطاق أوسع.
ويعلق التحليل على هذه الاجتماعات بالقول: “تشير هذه التطورات إلى أن المنافسة الاستراتيجية السعودية الإماراتية المتزايدة التي بدأت تنتشر في جنوب شرق آسيا، مدفوعة بالمنافسة الحادة لجذب الاستثمار الأجنبي”.
وتشهد كل من السعودية والإمارات تحولات اقتصادية واجتماعية ضخمة كجزء من برامج الإصلاح المحلي لعام 2030 الخاصة بكل منهما.
وفي حين أن هذه المبادرات والإصلاحات هي في الغالب ذات توجه داخلي، فإن الآثار المترتبة على هذه التغييرات الهائلة لها عواقب إقليمية بطبيعتها، مما يضع السعودية والإمارات ضد بعضهما البعض من أجل المكانة الاقتصادية في الشرق الأوسط المستقبلي.
ويشير التحليل إلى ما كتبته صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية مؤخرًا، حين قالت إن “المنافسة الشديدة” بين السعودية والإمارات لجذب الاستثمارات الأجنبية “وصلت إلى نقطة حيث بدأت الدولتين الخليجيتين، في سن قوانين تتعارض مع توجهاتهما المشتركة”.
وبعد جائجة “كورونا”، أطلق المسؤولون السعوديون والإماراتيون حملات سريعة الخطى لزيادة تواجدهم الدبلوماسي في جميع أنحاء المنطقة.
وبينما اعتبر النفط تقليديا عنصرا هاما في التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول “الآسيان”، فهناك شعور الآن، بأن قطاعات التعاون الثنائي يجب أن تكون أكثر مرونة وتنوعًا.
ومن أبرز الأمثلة تطبيع السعودية للعلاقات مع تايلاند بعد تجميد دام 30 عامًا، وجهودها لتأسيس روابط اقتصادية أعمق مع الاقتصادات النامية في المنطقة، كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كلا من تايلاند وكوريا الجنوبية في نوفمبر/تشرين الثاني.
وسبق ذلك، عقد المسؤولون السعوديون ما لا يقل عن 9 ارتباطات رفيعة المستوى مع نظرائهم في جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى قمة مجموعة العشرين في الرياض، التي عقدت تقريبًا في عام 2020، وقمة مجموعة العشرين في بالي عام 2022، وأبيك في عام 2022.
ومن منتصف عام 2022 إلى أوائل عام 2023، شارك المسؤولون السعوديون أيضًا في الاجتماع الثاني للجنة السعودية السنغافورية المشتركة، واستضافت وزير الخارجية الماليزي زامبري عبدالقادر لإجراء محادثات حول تشكيل مجلس تنسيق سعودي-ماليزي، كما عقدوا محادثات مع سلطان بروناي سلطان حاجي.
وإذا كان بن سلمان، مصممًا على النجاح في كسر مملكته بعيدًا عن لعنة النفط، فهو لا يحتاج فقط إلى تعظيم إمكاناتها الاقتصادية في الداخل، ولكن أيضًا في مشاركة السعودية مع الأسواق في الخارج.
في المقابل، اتفقت الإمارات مع ماليزيا وتايلاند وفيتنام على بدء محادثات لإطلاق شراكة اقتصادية، خلال جولة في المنطقة قام بها وزير التجارة الإماراتي ثاني بن أحمد الزيودي، الذي قال الشهر الماضي إن الغمارة الخليجية “تبني ممرًا للفرص” بين دول الخليج وجنوب شرق آسيا.
كما أطلقت سلسلة شراكات في أغسطس/آب الماضي، بتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون مع دول “الآسيان” خلال اجتماع وزراء خارجية الكتلة، وهي الخطوة الأخيرة في طلب الإمارات للانضمام إلى الكتلة كشريك في الحوار القطاعي.
ولدى كل من الإمارات ودول جنوب شرق آسيا، رؤية مشتركة عندما يتعلق الأمر بالرقمنة والخدمات اللوجستية كمحركين للنمو الاقتصادي، وكنتيجة للتحول الرقمي، سيكون هناك أيضًا خيط مشترك سيتطلع كلا الجانبين إلى صياغته وتعزيزه.
وفي حين أن بعض المحللين قد يجادلون بأن الحملات المتسارعة لتوسيع البصمة الاستراتيجية لدولة ما في جنوب شرق آسيا ليست تنافسية بطبيعتها، فإن التحليل الأكثر صرامة للأدوات والأساليب التي تستخدمها الرياض وأبوظبي يُظهر الخطوط العريضة للمنافسة الاستراتيجية الناشئة، وفق “دبلومات”.
يقول جوناثان فولتون، الأكاديمي بجامعة زايد في أبوظبي والزميل غير مقيم في معهد “ذا أتلنتيك”، إن المنافسة كانت “وصفًا صالحًا” للديناميكية الحالية.
ويضيف: “تتمتع الإمارات بسمعة طيبة في جذب الكثير من الاستثمار الأجنبي المباشر، وحتى وقت قريب لم تكن المملكة منخرطة بجدية في هذه المجالات، ولكن مع رؤية السعودية 2030 تغير الحال، وهم يصعدون الآن من المنافسة”.
ويتابع: “يمكنك أن ترى ديناميكية رد الفعل بين الاثنين”، لافتا إلى أن هذا التنافس “إيجابي” بالنسبة للشركات الدولية والمواطنين المغتربين والمستثمرين.
ووفق التحليل، فإن الإمارات والسعودية لم تسع لتوسيع تعاونها الدفاعي مع دول “الآسيان”، إلا في حالة الصناعات الدفاعية الإندونيسية والماليزية، لكن كلا البلدين استفادا من مستويات متزايدة من الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات الاقتصادية المستهدفة التي تعتبر “مربحة للجانبين”، مثل الطاقة والرقمنة والرعاية الصحية والسياحة والذكاء الاصطناعي.
ويلفت إلى أن هذه المنافسة تمثل “أخبارا إيجابية” لقادة جنوب شرق آسيا، خاصة أنها “ليست مدمرة ولا صفرية”، ومن المرجح أن تظل على هذا النحو طالما أن العلاقة السعودية الإماراتية الأوسع نطاقا لا تزال ودية.
ويختتم بالقول: “يجب على المسؤولين عبر آسيان اغتنام هذه الفرصة لاستغلال اهتمام دول الخليج في المشاركة الاقتصادية الموسعة، واستخدام هذه النفوذ لتشكيل التواصل المستقبلي بما يتماشى مع مصالحهم الخاصة”.
متابعات