روسيا وعمليات فاغنر “خارج الحدود”.. ماذا سيحدث بعد التمرد؟

أنهى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، التكهنات بشأن مستقبل عمليات مجموعة “فاغنر” العسكرية بالخارج، في أعقاب تمرد قائدها يفغيني بريغوجين، مؤكدا أنها ستواصل عملياتها بدول أفريقية.

وأبرز لافروف، في مقابلة أجرتها معه قناة “آر تي” الروسية، الاثنين، أن المجموعة ستواصل عملياتها في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، مشيرا إلى أن عناصرها “يعملون هناك بصفة مدربين.. وبالطبع سيتواصل هذا العمل”.

وشدد المسؤول الروسي على أن التمرد، الذي قاده زعيم المجموعة ضد القيادة العسكرية الروسية، السبت، “لن يؤثر على علاقات روسيا مع شركائها وأصدقائها”.

وكانت فاغنر، على مدى السنوات الأخيرة، أشبه بالذراع العسكري لموسكو بالخارج، وقد أثار تمرد بريغوجين، تساؤلات عدة بشأن مستقبل العمليات التي تقودها المجموعة، التي ساهمت في تقوية نفوذ روسيا السياسي والعسكري والاقتصادي بالقارة الأفريقية وسوريا.

أنشطة فاغنر الخارجية

وظهرت فاغنر لأول مرة في 2014، أثناء الهجوم الروسي على شرق أوكرانيا، قبل أن تبدأ أنشطتها الخارجية، في العام التالي، بعدما تم تكليفها بدعم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والاستيلاء على حقول النفط والغاز، بحسب مسؤولين أميركيين.

وفي عام 2017، بدأت المجموعة تنتشر في أفريقيا بقيادة بريغوجين، ساعية إلى اكتساب موطئ قدم لها بالقارة، وعملت فاغنر أساسا على تقديم الحماية والمشورة لبعض الأنظمة المترنحة، في مقابل حصولها على عقود وامتيازات استغلال مناجم بعض المعادن الثمينة مثل الذهب والماس واليورانيوم، وفقا لمسؤولين غربيين وخبراء ومحققين تابعين للأمم المتحدة.

ووصل مرتزقة فاغنر إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، عام 2018، لمساعدة الحكومة في محاربة حركات متمردة، ويدير اليوم مسؤول تنفيذي كبير في المجموعة أمن الرئيس فوستين أرشانج توادير،ا الذي وقع اتفاقيات تعاون عسكري مع موسكو.

وفي ليبيا، دعم مقاتلو فاغنر هجوما فاشلا على العاصمة طرابلس في 2019 شنه قائد “قوات الجيش الوطني” في الشرق، خليفة حفتر. ويقول مسؤولون غربيون ومحللون إنه إلى حدود العام الماضي، لا يزال الآلاف من المقاتلين التابعين لفاغنر، متمركزين في أربع قواعد في أنحاء ليبيا، معظمها بالقرب من حقول النفط في البلاد.

وفي السودان، حاولت المجموعة التي حصلت على امتيازات تعدين الذهب، إنقاذ الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، الذي أطيح به في أبريل 2019 بعد ثورة شعبية.

وفي شهر أبريل الماضي، أعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، عن قلق واشنطن العميق من انخراط مجموعة فاغنر العسكرية الروسية في الصراع الدائر في السودان.

وفي سوريا، يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن مرتزقة فاغنر، تصرفوا مثل “قوات خاصة” في الميدان إلى جانب الجيش الروسي ابتداء من العام 2015. كما أنّهم موجودون اليوم بأعداد أقل قرب آبار النفط، وكذلك في محافظتي حماة واللاذقية.

وفي مالي، حيث استولى عسكريون على السلطة في انقلابين في 2020 و2021، أبرمت المجموعة صفقة أمنية مع المجلس العسكري الجديد، لحمايته وتوفير الدعم له خاصة بعد انسحاب الجيش الفرنسي، الذي كان يحارب داعش في هذه المنطقة.

وخلال السنوات الأخيرة تزايد ارتباط جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي بروسيا مع سعي الكرملين لكسب نفوذ أكبر في دول أفريقيا الناطقة بالفرنسية، في أعقاب توتر علاقاتها مع فرنسا، مستعمرها السابق، وفقا لرويترز.

“تغييرات وتأثيرات”

المحلل السياسي الروسي، ديميتري بريجيه، يقول إنه على الرغم من التطورات الأخيرة المرتبطة بالتمرد القصير، إلا أن فاغنر ستواصل عملياتها بالقارة الأفريقية والشرق الأوسط، “لكن مع تغييرات ستشمل هيكلها القيادي، وطبيعة تدبيرها”.

ويشير المحلل الروسي، في تصريح لموقع “الحرة”، إلى أن الشركة ترتبط باسم بريغوجين لكن هناك أعضاء آخرين قادرين على قيادتها، مثل ديميتري أوتكين العسكري المحنك، الذي يعرف تفاصيل الشركة وأُسسها، وكان أحد أبرز أعضائها إلى جانب بريغوجين صاحب النفوذ القوي بالخارج.

وبخصوص السيناريوهات المطروحة أمام موسكو لتدبير خلافاتها الداخلية في مناطق نفوذها الخارجية، يشير بريجيه إلى أن “الوارد هو الإبقاء على بريغوجين كشخصية مهمة بالشركة، مع منح صلاحيات أوسع لأوتكين ولغيره من العناصر الأخرى، ولكن ليس فيما يرتبط بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، بل فقط في أنشطتها الخارجية”.

بالمقابل، يرى أستاذ العلاقات الدولية، خالد العزي، أنه بالرغم من “تطمينات لافروف”، إلا أن الضربة التي تلقاها الكرملين “زعزعت مصداقية موسكو، بشكل ستكون له انعكاسات كبيرة، ليس فقط على مصير الحرب الأوكرانية، بل أيضا على النفوذ الروسي بالخارج عامة.

ويضيف العزي في تصريح لموقع “الحرة”، أن الدول الشريكة لفاغنر في أفريقيا والمناطق الأخرى “ستتجه عاجلا أو آجلا نحو إنهاء علاقاتها مع المجموعة، أو على الأقل تحديد دورها أو تقليص حجمها، الذي عرف أصلا تراجعا كبيرا خلال الأشهر الأخيرة، بعد أن تم سحب قوات كبيرة منها إلى الحرب في أوكرانيا”.

ويضيف الجامعي المختص في الشؤون الروسية أن الصين ستكون المستفيد الأكبر من هذه التطورات، إذ ستعمل على تعزيز وحداتها العسكرية الرسمية التي تعمل كمؤسسات خاصة، لحماية مصالح بكين بالخارج، من خلال تعويض أدوار فاغنر، خاصة في الدول الأفريقية التي تشهد تنافس القوى الدولية.

“مستقبل المجموعة”

وأنهى بريغوجين، الملياردير الذي كان حليفا لبوتين، تمرده السبت، مقابل حصانة له ورجاله بعد وساطة من الرئيس البيلاروسي.

وفيما لا تزال الخطوط العريضة للاتفاق غير واضحة في هذه المرحلة، انقطعت أخبار بريغوجين، بينما قال الكرملين إنه سيذهب إلى المنفى في بيلاروس، وهو ما لم يؤكده الأخير، كما لا يعرف مصير رجاله الـ25 ألف.

الباحث المتخصص في الشأن الروسي، بهاء محمود، يرى أن مستقبل مجموعة فاغنر، يرتبط أساسا بمستقبل زعيمها بريغوجين، لافتا إلى أن الأيام المقبلة ستكشف تفاصيل اتفاقه مع موسكو، وبالتالي ما إن كان سيتم إلغاء المجموعة نهائيا، أو استبداله بزعيم آخر، أو عودة المجموعة لاستئناف نشاطاتها بتنظيم وشروط جديدة.

ويبرز محمود في تصريح لموقع “الحرة”، أن الملفات الخارجية تمثل “معضلة لموسكو” بعد الأزمة الأخيرة، كونها “قضايا حيوية للبلد ترتبط بنفوذه السياسي والعسكري والاقتصادي، غير أنها كانت محمية بالكامل تقريبا من المجموعة”.

ويتوقع الباحث أن تسعى موسكو إلى الحفاظ على نفوذها في الدول الأفريقية بـ”أي ثمن” ولو استدعى الأمر، بحسب ما يرى، حل المجموعة وتعويضها، مشيرا إلى أن ما يربط روسيا وهذه الدول، خاصة أفريقيا الوسطى ومالي: “اتفاقات حكومية رسمية لتحل فاغنر محل الوجود الفرنسي والغربي الذي كان قائما في السابق، بالتالي كانت المجموعة جزءا من التمثيل الروسي، وليست تيارا مستقلا”.

من هذا المنطلق، يستبعد المتحدث ذاته أن تكون هناك تداعيات خطيرة على النفوذ الروسي، خاصة إذا ما قامت موسكو بتغيير نوعية تواجدها داخل هذه الدول، لافتا إلى أن حضور موسكو يرتبط بتنفيذ سياسات واتفاقيات ورؤى سياسية خارجية لروسيا في ظل تراجع الحضور الغربي بهذه المناطق.

وفي حين لم يتأكد بعد ما إذا كان سيتم تفكيك المجموعة أو دمجها في الجيش أم سيبقى وضعها على ما هو عليه، أعلن مقر قيادة فاغنر في روسيا الواقع في سان بطرسبرغ (شمال غرب) أن “العمل جار كالمعتاد” بما يتوافق مع تشريعات روسيا الاتحادية”.

وفي وقت سابق، الاثنين، قالت مصادر داخل فاغنر إنها تواصل التجنيد في عدة مناطق.

وأمام المبنى الذي ترابض فيه المجموعة في نوفوسيبيرسك، علقت مجددا ملصقات دعائية لفاغنر، الاثنين، وفقا لوكالة تاس، بعد إزالتها السبت.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى