تُجمع كافة المصادر الإعلامية، التي تحظى بمصداقية لا بأس بها، على أن رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز، لن يقف مكتوف الأيدي بعد رحيل ثاني أعظم هداف في تاريخ الكيان كريم بنزيما، بعبارة أخرى سيوقع مع رأس حربة بالمواصفات المطلوبة في المتحدث الرسمي لخط هجوم النادي الميرينغي في فترة ما بعد العراّب الجزائري الأصل، لكن السؤال الذي يفرض نفسه ويطارد الملايين من عشاق الريال في أحلامهم..
ما هو الخيار الأفضل والمتاح على طاولة المهندس الملياردير؟ والأهم أن يكون الأنسب للفريق وللمدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي الموسم المقبل.
المفاضلة الصعبة
صحيح اللوس بلانكوس استعار القيدوم الثلاثيني جوسيليو، بعد رحلة طويلة منذ رحيله عن فريق الرديف عام 2012 خاض خلالها 9 تجارب، منها ديبورتيفو لا كرونيا، وديبورتيفو ألافيس وسيلتا فيغو، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن بيريز سيكتفي بهذا التوقيع على مستوى خط الهجوم، وإلا ستكون العواقب الوخيمة، في ظل النقص العددي الحاد في الهجوم، بعد التخلص من الكابوس الدومانيكي ماريانو دياز، والآخر إدين هازارد رفقة أسينسيو وبنزيما. وكما نتابع في الصحف والمحيط الإعلامي المقرب من الريال، هناك قائمة عريضة من الأسماء المطروحة على طاولة الرئيس ومجلسه المعاون، لكن المفاضلة أو التركيز ينحصر على الثنائي هاري كين وكيليان مبابي، لتمتع أمير توتنهام بالمعايير اللازمة لخلافة كريم في الثلث الأخير من الملعب، للتشابه الكبير بينهما في أسلوب اللعب، خاصة في نقاط جوهرية مثل المرونة واللمسة الإبداعية ومشاركة الأجنحة في صناعة وتسجيل الأهداف، بالصورة التي حفرها في الأذهان بثنائيته شبه المثالية مع الكوري الجنوبي هيونغ مين سون في «توتنهام هوتسبير» بينما الثاني، فهو الغالاكتيكوس المنتظر منذ مغادرة ملك اللعبة كريستيانو رونالدو عام 2018 وبدون مبالغة، أكثر لاعب في التاريخ شغل بال واهتمام الصحافة الإسبانية، دون أن يرتدي قميصا واحدا من الكبيرين الريال وبرشلونة. يكفي المرور على أرشيف أخباره في «ماركا» و «آس» سنجد مئات التقارير والشائعات والمقالات تتحدث عن تسلسل قصة «الحب الممنوع» بين اللاعب والعملاق المدريدي، باستثناء فترة ما بعد صدمة موافقته على تجديد عقده في «حديقة الأمراء» لغاية العام 2024 مع إمكانية التجديد لموسم ثالث بموافقة الطرفين، ما تسبب في انقلاب الإعلام الإسباني عليه لبضعة أشهر، لدرجة أن بعض المصادر، كانت تزعم أن النادي لن يتفاوض مرة أخرى، حتى لو كان متاحا بموجب قانون بوسمان، بأوامر من الرئيس بعد تراجع اللاعب عن اتفاقه مع الوسطاء، وذلك قبل تجسيد مقولة العالمي نجيب محفوظ «آفة حارتنا النسيان» بعودة الملف إلى ما كان عليه قبل صيف 2022 بهوس إعلامي إسباني بالمدمر الفرنسي، بمجرد أن كشف عن نيته في البحث عن تحد جديد خارج فرنسا بداية من حملة 2024-2025 بالأحرى بعد رسالته الواضحة للرئيس القطري ناصر الخليفي ومجلس الإدارة، بأنه لا يعتزم وضع القلم على الموسم الأخير في عقده مع أثرياء عاصمة الموضة.
معضلة كين
كما أشرنا أعلاه، يبدو من الوهلة الأولى أن هاري كين، هو الخيار الأنسب والأكثر منطقية للخروج من ورطة رحيل صاحب «البالون دور» حتى على المستوى الاقتصادي. يبقى الاختيار الإستراتيجي بالنسبة للخزينة وسياسة الإنفاق بما لا يتعارض مع قوانين اللعب المالي النظيف لرابطة الليغا، لا سيما بعد إنفاق أكثر من 100 مليون يورو، لإطلاق سراح الموهوب البريطاني غود بيلنغهام من بوروسيا دورتموند مع فتح النافذة الصيفية. وبالنسبة لمواطنه قائد الديوك اللندنية، فلن يزيد سعره عن نفس المبلغ، والأمر لا يتعلق باقتراب نهاية عقده وبدء العد التنازلي لموسمه الأخير في الجزء الأبيض في شمال العاصمة، بل أيضا لتقدمه في العمر واقترابه من كسر حاجز الـ30 عاما، في المقابل، يقولون في وسائل الإعلام الفرنسية، إن النادي الباريسي لن يفرط في جوهرته الثمينة بأقل من 200 مليون يورو، وهو مبلغ يفوق خطط النادي وميزانيته التعاقدية هذا الصيف، غير أنه سيجبر النادي على اتخاذ بعض الإجراءات الاقتصادية من أجل تمويل الصفقة، منها الإجبار على التخلص من لاعبين أو ثلاثة من الأسماء الثقيلة، لتفادي خرق قوانين اللعب المالي النظيف، وهذا يعني أن فكرة كين تبدو جميلة ومناسبة لعملاق أوروبا في نواحي كثيرة، لكن من ينظرون إلى المستقبل ومصلحة المؤسسة لنهاية العقد، يفضلون التوقيع مع المرشح المفضل للسيطرة على الجوائز الفردية المرموقة بعد خروج الثنائي الفضائي كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي من أوروبا، أو كما يقولون بعد انتهاء عصر صاروخ ماديرا والبرغوث، الذي أصبح واقعا في 2023 وذلك لعدة أسباب، منها على سبيل المثال، معضلة نجم السبيرز مع لعنة الانتكاسات على مستوى أربطة الركبة والكاحل، تلك الإصابة التي تبعده من حين لآخر عن توتنهام لفترات ليست بالقصيرة، وهذه الإشكالية في حد ذاتها، من شأنها أن تُثير المخاوف قبل الحصول على توقيعه، قلقا من تكرار سيناريو الصفقة الأسوأ في تاريخ النادي إدين هازارد، الذي كبد الخزينة الرقم المعتاد 100 مليون، وفي الأخير قضى 4 سنوات داخل «سانتياغو بيرنابيو» كزائر ومقيم شبه دائم في مستشفى المصابين وتحت إشراف الأطباء والطاقم البدني، إلى جانب تحذير الخبراء والمحللين، من عواقب التوقيع مع مهاجم إنكليزي، خوفا من تكرار تجربة مايكل أويل، الذي خيب الآمال في تجربته مع الريال، بسبب مشاكله المستمرة مع الإصابات، وما فعله في نهاية رحلته مع الفريق، بالاستجابة إلى عرض نيوكاسل يونايتد، بحثا عن دقائق لعب أكثر تساعده على دخول قائمة المنتخب الإنكليزي المشارك في مونديال 2006 بدلا من جلوسه على مقاعد البدلاء لرؤال غونزاليس ورونالدو الظاهرة.
الرهان الرابح
كل ما سبق لا يقلل من قيمة وجودة كين، كمهاجم قناص يعرف طريق الشباك ويتمتع بمهارة عالية، سواء في التمرير أو المراوغة والحلول الفردية في موقف لاعب ضد لاعب، وله سجل حافل مع الأجنحة السريعة، أشهرهم نجاحه المدوي مع سون، الذي يشغل نفس مركز السهم البرازيلي فينيسيوس جونيور، كجناح أيسر مهاجم، وهذا يعني أنه سيبدع في القيام بنفس أدوار بنزيما في ثنائيته المخيفة بجانب الفيني، ناهيك عن سجل أرقامه الفردية على مستوى البريميرليغ، كواحد من القلائل الذين تخطوا حاجز الـ200 هدفا قبل الوصول لعامه الـ30 في الدوري الأشهر والأكثر تنافسية على هذا الكوكب، بمعدل تسجيل بلغ 0.72 هدفا في 90 دقيقة، مقابل 0.67 هدفا لكريم في مشواره مع ناديه السابق، ما يعني أنه مع حفاظه على هذا المعدل لمدة موسمين أو ثلاثة، سيتخطى أسطورة آلان شيرار ويبتعد عنه بمسافة مريحة في قائمة الهدافين التاريخيين للبريميرليغ، وهذا يعكس مدى ارتباطه وتعلقه بالدوري في البلاد، واحتمال انشغاله وتمسكه بفكرة العودة على المدى المتوسط، ليضرب عصفورين بحجر، الأول كسر عقدة البطولات مع غول بحجم اللوس بلانكوس، ثانيا سيعود لمطاردة شيرار على رقمه الصامد منذ عقود، ومن يعرف قواعد اللعبة داخل المكاتب البيضاء في مدينة «فالديبيباس» يُدرك جيدا أن هذه الأمور تتعارض مع سياسة أصحاب القرار، الذين يأخذون عوامل مثل الولاء والانتماء للنادي الأكثر شهرة عالميا، في عين الاعتبار، قبل الدخول في مفاوضات مع اللاعب، بمعنى آخر، يبحثون عن صفقات تبحث عن المجد حتى النهاية تحت شعار «هلا مدريد» وليس أي شيء آخر. وهنا تميل كفة كيليان، المعروف عنه انتمائه الشديد للريال، دعك عزيزي القارئ من تلميحاته القديمة عن عشقه للقميص الأبيض وأساطيره، على رأسهم مواطنه وحبيبه زين الدين زيدان ومُلهمه الدون كريستيانو، لكن فتش عن الوثائق وصوره القديمة، وهو طفل بعمر أقل من 10 سنوات، مرتديا القميص المدريدي وتحيطه صور وأغلفة أساطير الريال على حوائط الغرفة، أكثر من ذلك، نتحدث عن اللاعب الأعلى جودة ومهارة في العالم في الوقت الراهن، وفي الأصل هو لاعب بمصطلح المدربين ولغة الكرة «تحويلي» تتفجر قدراته في لحظات التحول من الحالة الدفاعية إلى الهجومية، وهذا يعني، أنه لن يعوض بنزيما مثل هاري كين، بل سيتفوق على كريم نفسه في التحولات مع فينيسيوس ورودريغو غوس، سواء في إرهاب المدافعين في سباقات السرعة، أو في مواقف لاعب ضد لاعب، لفارق العمر بين مبابي ومواطنه وزميله السابق في المنتخب الفرنسي، وأيضا موهبته الفطرية في المراوغة، كأكثر نسخة قريبة الشبه بظاهرة القرن الماضي رونالدو البرازيلي، في أوج لحظاته مع آيندهوفن وبرشلونة وإنتر، قبل إصابته في الركبة، التي قضت على أكثر من 90 في المئة من نسخته الحقيقية.
كاريزما وخبرة لا تُقدر بثمن
لا شك أبدا، أن مبابي رسم لنفسه صورة المهاجم المرعب، القادر على مراوغة جيش من اللاعبين، كمهاجم لا يعرف في قاموسه كلمة «الرحمة أو الشفقة» أمام الشباك، لكن هناك جوانب أخرى تعطيه أفضلية كبيرة على هاري كين، منها على سبيل المثال لا الحصر، الشخصية القيادية الجريئة، التي اكتسبها بعد تتويجه المبكر بكأس العالم بعمر أقل من 20 عاما، وأيضا تمرسه على الفوز بالألقاب، كلاعب منذ ظهوره على الساحة كفتى مراهق مع موناكو عام 2017 ينافس دائما وأبدا على الألقاب الجماعية، عكس قائد المنتخب الإنكليزي، الذي لا تربطه أي صلة بثقافة البطولات، بحكم قدره باللعب مع ناد لا ينافس حتى على البطولات الودية، رغم أنه من حيث الجودة والقوة، لا يقل كثيرا عن الفئة المسيطرة على الألقاب المحلية في وطن كرة القدم. والآن مع اقتراب كين من عامه الـ30 قد يجد مشكلة في التأقلم مع الضغط الإعلامي والجماهيري المدريدي، المختلف تماما عن الرفاهية وعدم المساءلة في توتنهام، بينما مبابي، صحيح سيحتفل بعيد ميلاده الـ25 في منتصف الموسم الجديد، إلا أنه يصنف كلاعب من سلالة نادرة في عالم كرة القدم، لدرجة أن البعض يظن أنه ما زال بعمر 21 عاما، ربما لملامح وجهه التي تندرج تحت المصطلح الشهير «وجه طفولي» ربما لطاقته ومجهوده وسرعته داخل الملعب، التي لا تخرج إلا من لاعب في بداية عقد العشرينات، وليس على بعد أشهر قليلة من منتصف هذا العقد، وهذه مزايا كفيلة، بإلزام بيريز ومجلسه المعاون، ولو بإعادة النظر في ملف مبابي بعد غلقه، خاصة بعد الهدية أو المصالحة التي قدمها اللاعب، ببيانه المقتضب عن رغبته في الرحيل عن باريس سان جيرمان، كعربون محبة وصلح، بعد تخليه عن الريال في مثل هذه الأوقات العام الماضي، مع الوضع في الاعتبار، أنه في الأصل مشجع مدريدي، كطفل كتب في سيرته الذاتية يوما ما، أنه رأى «صبيا يدعى كيليان يلعب لريال مدريد» فقط تبقى العقبة الوحيدة أو حجر العثرة، في توفير السيولة اللازمة لإبرام هكذا صفقة، بعد إتمام صفقة بيلينغهام المكلفة. لكن بالعودة قليلا إلى الوراء، سنتذكر ما فعله فلورنتينو بيريز قبل جائحة كورونا، بتركيز أرباح ومكاسب النادي على أعمال الصيانة وإعادة ترميم ملعب «سانتياغو بيرنابيو» بدلا من هدر الملايين في الصفقات اللامعة، بأرقام لا تتحملها الخزينة في خضم الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالجميع تقريبا في أوروبا، باستثناء الملكي، الذي خرج منها بأقل الأضرار.
عصر الغالاكيتكوس الثالث
بعد تجربة عصر الغالاكيتكوس الأوائل في بداية الألفية بضم أساطير من نوعية لويس فيغو وزين الدين زيدان ورونالدو الكبير وديفيد بيكهام وباقي من يُعرفون بالأحجار الكريمة، ثم جيل الغالاكتيكوس الثاني أو أساطير العاشرة بقيادة كريستيانو رونالدو والرفقاء القدامى، سيكون انضمام مبابي إلى الريال، بمثابة مولد جيل الغالاكتيكوس الثالث، لكن بمواصفات مختلفة، بالهيمنة على ألمع وأفضل المواهب الشابة القابلة للانفجار، تماشيا مع الخطة أو السياسة المتبعة منذ وصول أرقام النجوم والميغا ستار إلى أرقام فلكية، التي ترتكز على استقطاب الجواهر الخام في البرازيل على وجه التحديد ثم أي مكان آخر على وجه الأرض، وهذا يبدو واضحا في الصفقات التي أبرمها النادي بأموال كبيرة بعد خيبة أمل إدين هازارد، مثل الفرنسي تشواميني، وقبله مواطنه كامافينغا والثلاثي البرازيلي فينيسيوس ورودريغو وإيدير ميليتاو والبقية، وهذا سيساعد مبابي على التطور أكثر في المرحلة المقبلة، خاصة وأنه سيتعين عليه أخذ وضعية الاستعداد للتحول من مركز المهاجم القادم من الجهة اليسرى، إلى مهاجم رقم 9 حتى يتأقلم مع الحياة في وجود فينيسيوس في مكانه المفضل جهة اليسار، ومع وجود عراّب بذكاء وخبرة الميستر كارليتو، لن يجد الوافد الجديد مشاكل في توظيفه بما يتناسب مع إمكاناته الهائلة، تماما كما نشاهد بصمته على فينسيسوس، مقارنة بالنسخة البائسة التي كان عليها في ولاية زيدان الثاني. الشاهد من هذه المقارنة، أن شخصية مبابي وطموحاته المستقبلية مع صغر سنه، تجعله الخيار الأول والأنسب للفريق على المدى البعيد، استنادا إلى التاريخ المعاصر، الذي يُخبرنا بأهمية وحساسية العلاقة بين ريال مدريد وأفضل لاعب في العالم، حتى أنه على مدى العقدين الماضيين، لم تخل قائمة الفريق من لاعب على الأقل سبق له التتويج بجائزة أفضل لاعب في العالم، وبعد رحيل كريم واقتراب لوكا مودريتش من ملاحقته خارج أسوار قلعة «السانتياغو» ستبدأ عملية البحث عن مشروع الغالاكتيكوس الجديد، وفي الوقت الراهن، بالكاد لا يوجد سوى إيرلينغ براوت هالاند، كمنافس مستقبلي لمبابي وبيلينغهام على «الكرة الذهبية» في عصر ما بعد كريستيانو وميسي، والآن حان دورك عزيزي القارئ لتخبرنا بوجهة نظر ورؤيتك للأفضل بالنسبة للريال.. مبابي أم كين؟
متابعات