رغم مساعي دول الخليج العربية إلى تنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط إلا أن الإنفاق الحكومي من العائدات النفطية لا يزال متغلغلا في تلك الاقتصادات، وفقا للصحفي المتخصص في شؤون الخليج سيباستيان كاستيلير في تقرير بموقع “المونيتور” الأمريكي (Al Monitor).
كاستيلير تابع أن “صندوق النقد الدولي يتوقع نمو القطاع غير النفطي بدول الخليج العربية بنسبة 45٪ أسرع من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، بعد وضع فريد في 2022 عندما توسع الناتج المحلي الإجمالي للخليج بنسبة 57٪ أسرع من القطاع غير النفطي، إثر ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ 2008، حين هددت العقوبات الغربية ضد روسيا (جراء غزوها لأوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022) بعرقلة إمدادات النفط العالمية”.
واستدرك: “مع ذلك، أشار الصندوق في تقرير صدر في مايو (أيار) الماضي إلى أن “النمو الممتاز” لاقتصادات الخليج في العام الماضي لم يكن مجرد نتيجة لارتفاع أسعار الهيدروكربونات (النفط والغاز الطبيعي)، ولكن أيضا بفضل النمو المستمر للاقتصادات غير النفطية”.
وفي إشارة إلى سعي دول خليجية، في مقدمتها السعودية، إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط لاسيما لتفادي تداعيات تقلبات الأسعار، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان لشبكة “سي إن إن” (CNN) الإخبارية الأمريكية في 2017: “آمل أن لا أهتم بحلول عام 2030، إذا كان سعر النفط صفرا”.
لكن بحسب كاستيلير فإن “احتمال فصل الاقتصاد الخليجي الإجمالي عن سلعة التصدير الرئيسية (النفط والغاز الطبيعي) في المستقبل القريب تمت المبالغة فيه”.
واعتبر جاستن ألكسندر، مدير “خليجي إيكونوميكس” (Khalij Economics) وهي شركة استشارية أن “الصورة مختلطة، فالنظر إلى أرقام إجمالي الناتج المحلي غير النفطي فقط أمر مضلل”.
وأضاف ألكسندر أن “أجزاء من الاقتصاد هي في الأساس نتيجة لإعادة تدوير عائدات النفط من خلال الإنفاق الحكومي وليس خلق قيمة مستقلة، وبما أن عائدات النفط لا تزال تشكل نحو ثلثي عائدات السعودية، فإن المملكة لا تزال دولة نفطية”.
الإنفاق الحكومي
ووفقا لجلال قناص، الأستاذ المساعد في الاقتصاد بجامعة قطر، فإن “معظم التطورات الاقتصادية في دول الخليج مدفوعة بشكل مباشر أو غير مباشر بالإنفاق الحكومي”.
وقال كاستيلير إن حصة الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج من الإنفاق الحكومي تتجه إلى الارتفاع منذ الأزمة المالية العالمية 2007-2009، وفي 2021، أظهرت بيانات صندوق النقد الدولي أنها تراوحت بين 29٪ في الإمارات و52٪ في الكويت.
وتابع أن “البصمة غير المرئية لعائدات الوقود الأحفوري متغلغلة إلى عمق الاقتصاد غير النفطي في الخليج: من تسوق البقالة والأنشطة الترفيهية وركوب سيارات الأجرة إلى الشقق المشتراة بقروض الإسكان المدعومة وحفلات الزفاف الممولة من منح الزواج”.
ووصف كاستيلير الأمر بأنه “روابط معقدة بين اقتصادات دول الخليج وحكوماتها، ومع ذلك، فإن الاقتصادات غير النفطية هي حجر الزاوية في الحياة اليومية في الخليج، وهي مصدر رئيسي للتوظيف والتفاعلات الاجتماعية”.
وأردف أنه “في قطر، تخلصت الحكومة من جنون الإنفاق العام الذي يقدر بنحو 300 مليار دولار قبل نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022”.
وتساءل قناص: “بمجرد إغلاق الصنبور، هل سينجو القطاع الخاص؟.. نحتاج إلى الانتظار لمدة عام إلى عامين لمعرفة كيف سيتصرف القطاع الخاص في البلاد بإنفاق حكومي أقل”.
ولفت كاستيلير إلى أنه في 2021 أطلقت السعودية “برنامج شريك” بقيمة 1.3 تريليون دولار لدفع الشركات إلى الاستثمار محليا، لاسيما في الاقتصاد غير النفطي، لكن توجد مشكلة، وهي أن اثنين من أكبر المساهمين في المبادرة هما أكبر عمالقة الوقود الأحفوري في المملكة: شركة النفط الوطنية أرامكو وشركة البتروكيماويات سابك”.
وتابع: “كذلك كان أداء القطاع الخاص ضعيفا حتى الآن في تحويل عائدات الوقود الأحفوري في الخليج إلى قطاعات اقتصادية يمكنها الاعتماد على نفسها، فأداء الشركات في اقتصادات الخليج، على الرغم من اختلافه بين البلدان والصناعات، آخذ في التدهور. ووجد صندوق النقد الدولي أن ربحية الشركة المتوسطة في المنطقة تراجعت من 15.2٪ في 2007 إلى 4.1٪ في 2021”.
دبي الاستثناء
و”الاستثناء الملحوظ هو دبي، حيث بلغ إنتاج النفط ذروته في 1991، وتراجع قطاع النفط في الإمارة من حوالي نصف الاقتصاد المحلي قبل 50 عاما إلى 1٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي قبل الوباء (كورونا)”، بحسب كاستيلير.
وأضاف أن “دبي، وهي واحدة من الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات، بنت أول اقتصاد في الخليج بعد النفط، وفي الربع الثالث من 2022، شكلت تجارة الجملة والتجزئة والعقارات والتشييد والتصنيع والأنشطة المالية والتأمينية 60٪ من إجمالي الناتج المحلي، وسعي الإمارة لتصبح مركزا عالميا يفصل اقتصادها بشكل أكبر عن دورات الازدهار النفطي والكساد في المنطقة”.
وتابع كاستيلير أن “السياحة والعقارات تعزل اقتصاد دبي عن الخليج الأوسع. سبعة من كل عشرة سياح زاروا دبي في الربع الأول من 2023 لم يأتوا من الشرق الأوسط، وكبار المشترين غير المقيمين للعقارات في دبي في 2022 كانوا مواطنين روس وبريطانيين وهنود وألمان وفرنسيين”.
وزاد بأنه “قد تكون دبي الأولى، لكنها لن تكون آخر اقتصاد في الخليج بعد النفط، فماركة العطور العمانية الفاخرة “أمواج” تبيع عطورها في أكثر من 80 دولة، والبحرين مركز للتكنولوجيا المالية بالشرق الأوسط، وقطر تضع بصمتها في الأحداث الرياضية العالمية، والحجاج المسلمون يتدفقون من جميع أنحاء العالم إلى مكة المكرمة في السعودية”.
و”قد أعطت دبي مثالا للمنطقة، والآن تحاول جميع دول الخليج، لا أقول أن تقلد، بل أن تتعلم مما فعلته دبي”، بحسب قناص.
متابعات