قالت إليونورا أرديماجني، باحثة أولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، إن جماعة الحوثي في اليمن تشن حربا اقتصادية على الحكومة اليمنيه ، بما يهدد أي اتفاق سلام محتمل مع السعودية الطامحة إلى فك الارتباط العسكري عن جارها الجنوبي.
ومنذ أشهر يشهد اليمن تهدئة من حرب بدأت قبل نحو تسع سنوات بين القوات الموالية للحكومة، مدعومة بتحالف عسكري تقوده الجارة السعودية، وقوات الحوثيين، المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات ومدن بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
وتابعت إليونورا، وهي خبيرة في شؤون اليمن عبر تحليل بـ”معهد دول الخليج العربية في واشنطن” (AGSIW) ترجمه “الخليج الجديد”، أن “حملة الحوثيين لحرمان الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة من الإيرادات والموارد تهدد استقرار اليمن على المدى الطويل وتهدد بانهيار أي اتفاق سعودي مع الحوثيين”.
وتصاعدت آمال بين اليمنيين بإحلال السلام منذ أن وقَّعت السعودية وإيران، بوساطة الصين في 10 مارس/ آذار الماضي، اتفاقا استعادتا بموجبه علاقتهما الدبلوماسية، ما أنهى قطيعة استمرت سبع سنوات بين بلدين يقول مراقبون إن تنافسهما على النفوذ أجج العديد من الصراعات في المنطقة.
وأضافت إليونورا أنه “وسط جهود دبلوماسية للأمم المتحدة والسعودية لإنهاء الحرب، يحد الحوثيون من وصول الحكومة إلى موارد الطاقة وعائداتها، بهدف إضعاف نفوذ الحكومة على طاولة المفاوضات وتعزيز مواردهم المالية”.
واعتبرت أن هذا الوضع “يشير إلى أن مصلحة الحوثيين الأساسية في المفاوضات لا تتمثل في التوصل إلى تسوية، بل تعزيز الأساس الاقتصادي لدولتهم الفعلية”.
واستطردت إليونورا: “نفذ الحوثيون هذه الاستراتيجية بالتوازي مع المفاوضات مع الرياض، وفي حين أن المفاوضات قد تكون قادرة على تهدئة الصراع على الحدود الجنوبية للمملكة، فإنها لن تكون كافية لبناء وقف دائم لإطلاق النار وإعادة بناء دولة يمنية موحدة”.
عائدات الطاقة
“بعد وقت قصير من دخول الحوثيين محادثات، بوساطة عمانية، مع السعودية في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بعد انتهاء هدنة ترعاها الأمم المتحدة، شنوا هجمات بطائرات بدون طيار على ميناءين نفطيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة”، بحسب إليونورا.
وأضافت أن “الهجمات لم تتسبب في ضرر للبنية التحتية، لكنها منعت ناقلات النفط الأجنبية من دخول الموانئ، مما أعاق صادرات النفط في وقت كانت فيه عائدات النفط للحكومة ترتفع بفضل الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة”.
وأفادت إليونورا بأنه “منذ الهجمات، التي تقول الحكومة إنها تسببت بخسارة مليار دولار في الإيرادات، تجد الحكومة صعوبة متزايدة في دفع رواتب موظفي القطاع العام، مما أضر بمعنويات الجيش والشرطة”.
وتابعت: “كما يضغط الحوثيون على المستوردين لإعادة توجيه شحنات الطاقة من ميناء عدن (جنوب) إلى ميناء الحديدة (غرب)، المدينة الساحلية الرئيسية المطلة على البحر الأحمر والتي لا تزال تحت سيطرة الجماعة، وبالتالي تحويل عائدات الجمارك من الحكومة”.
ووفقا لتقارير من مسؤولين حكوميين، حظر الحوثيون مؤخرا استيراد الغاز من مأرب (وسط)، التي تسيطر عليها الحكومة، واستعانوا بغاز طهي أغلى ثمنا يتم استيراده عبر الحديدة، مما زاد من إجهاد مالية الحكومة. ويسيطر الحوثيون على نحو ثلث أراضي البلاد، والتي تضم 70٪ إلى 80٪ من السكان”، كما أضافت إليونورا.
دولة الأمر الواقع
إليونورا قالت إن “الحوثيين يستخدمون مصادر دخل قانونية وغير قانونية لضمان بقاء دولة الأمر الواقع وإثراء قيادة الجماعة. وخلص تقرير صادر عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن في فبراير/ شباط الماضي إلى أن الحوثيين يدرون عائدات عبر تحصيل الضرائب والرسوم الجمركية والمطالبة بشكل تعسفي بالمال عند نقاط التفتيش”.
وكذلك عبر “مصادرة الأراضي والممتلكات والودائع المصرفية، ومن المرجح أنهم يتاجرون بالمخدرات. ويتم تحصيل حوالي 70٪ من إجمالي الإيرادات الضريبية في اليمن، بما في ذلك الرسوم الجمركية، في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون”.
وأردفت إليونورا أن “أحد مصادر الدخل الرئيسية للحوثيين هو بيع المنتجات النفطية المهربة في السوق السوداء باليمن، كما زادت واردات النفط عبر ميناء الحديدة بشكل كبير بعد التوصل إلى هدنة في أبريل/ نيسان 2022، مما أدى إلى تحقيق إيرادات جمركية ثابتة للحوثيين بحسب الأمم المتحدة”.
فك ارتباط عسكري
“كما ضمت لجنة الأمم المتحدة “مصادر أجنبية” ضمن قنوات إيرادات الحوثيين. وفي حين أن إيران بالتأكيد من بين تلك المصادر، فإن الحوثيين لديهم محفظة متنوعة من مصادر الإيرادات ولا يعتمدون على طهران وحدها، مما يساعدهم على الاحتفاظ بالاستقلالية في صنع القرار”، بحسب إليونورا.
وأضافت أنه “نظرا لأن الحوثيين حليف استراتيجي وليس وكيلا لإيران، فإن التقارب السعودي الإيراني الأخير لن يكون كافيا لتحقيق وقف دائم للتصعيد في اليمن، على الرغم من أنه يقلل بالتأكيد من البعد الإقليمي للصراع”.
وتابعت: “لم يقتصر الأمر على أن اعتراف السعودية الضمني بالحوثيين كمحاورين قد شجعهم على المطالبة بالمزيد في المفاوضات فحسب، بل إن حرب الإيرادات التي يشنها الحوثيون ضد الحكومة تهدد أهداف السعودية في اليمن”.
وأردفت إليونورا أنه “إذا نجحت الرياض في إبرام صفقة تركز بشكل ضيق على الأمن على حدودها الجنوبية، فقد يتعرض الاتفاق للتهديد إذا مُنعت الحكومة اليمنية من الوصول الكامل إلى مواردها وعائداتها من الطاقة”.
واستطردت: “من المرجح أن تجدد القوات الموالية للحكومة والجماعات المسلحة الجنوبية الاشتباكات إذا حاول الحوثيون حرمانهم من عائدات الطاقة، حيث سيؤدي ذلك إلى تآكل قدرة الدولة المتبقية للحكومة ويهدد تطلعات الجنوب إلى دولة مستقلة”.
ومضت قائلة إنه “إذا تجدد القتال، فمن المرجح أن تزيد الإمارات دعمها للقوات (الجنوبية) المناهضة للحوثيين.. ومثل هذا التوتر اللولبي من شأنه أن يقلل من احتمالية وقف إطلاق النار الدائم ويمكن أن يهدد أمن السعودية”.
وزادت إليونورا بأنه “مع استمرار السعودية في الدفع نحو خروج تفاوضي من اليمن، فكلما زادت التنازلات التي تقدمها في المفاوضات، قد يكون هناك مجال أقل للمناورة تجاه الحوثيين، وهذا الاحتمال يمكن أن يعرض للخطر استراتيجية الرياض الخاصة بفك الارتباط العسكري عن اليمن”.
متابعات