هناك حركة بدأت تتسارع في ملف الاستثمار الأجنبي في السعودية، وتتجسد في زيادة عدد الشركات العالمية التي تستجيب للفرمان السعودي بنقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة، في حال أرادت الانتفاع بعقود العمل الحكومية المغرية، وهناك صفقات كبيرة تبرم، لكن الرياض بحاجة إلى مزيد من الإصلاحات في التعليم وصقل مهارات المواطنين، وتقليل المراقبة الأمنية للمطالبين بالإصلاحات.
ما سبق كان خلاصة تقرير نشره موقع “أتلانتك كاونسل (المجلس الأطلسي)”، وترجمه “الخليج الجديد” حول مستجدات خطة السعودية للتحول إلى مركز إقليمي للشركات العالمية، لمنافسة الإمارات التي سبقتها بأشواط كبيرة في هذا المجال.
وتهدف السعودية، من وراء “إنذارها” للشركات بوجوب نقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة مقابل تسهيلات وحوافز، إلى جعل شركة تفتح مقرات رئيسية إقليمية بحلول عام 2030، إيمانًا منها بأن هذا سيضمن وجودها المستدام والاحتفاظ بمزيد من استثماراتها في البلاد، تحقيقا لأهداف رؤية 2030 التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وقد تم بالفعل منح 80 شركة تراخيص لإنشاء مقرات رئيسية في السعودية، مع وجود شركات مثل PepsiCo في الصدارة.
وهناك شركات أخرى تستسلم لحقيقة أنه يجب عليها فتح مقر لها في السعودية ولكنها تقيم الثغرات، مثل عدد المديرين التنفيذيين والموظفين الذين يجب أن يعملوا من المقر الرئيسي في السعودية، ونسبة المواطنين السعوديين الذين يجب توظيفهم، والآثار الضريبية.
المنافسة مع الإمارات
في عام 2021، استضافت السعودية أقل من 5% من مقار الشركات الإقليمية، في تناقض صارخ مع الإمارات، التي تستضيف حاليًا المقر الإقليمي لـ76% من الشركات المدرجة في قائمة “فوربس” الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي للإمارات هو نصف حجم السعودية، فقد تلقت أبوظبي المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر منذ عام 2013.
ويرى التقرير أن هذا التفضيل التجاري غير المتوازن لصالح الإمارات يرجع في المقام الأول إلى سهولة ممارسة الأعمال التجارية في الدولة وسياساتها الاجتماعية الليبرالية، التي ناشدت المغتربين، وهو ما فطنت إليه السعودية، وبدأت في تغييرات ديناميكية لتوليد منافسة مع الدولة الخليجية الأخرى، وهي منافسة في مجملها جيدة للمنطقة ومستقبل الأعمال فيها.
لقد قام كلا البلدين بإصلاحات كبيرة، حيث أعلنت الإمارات عن أسبوع عمل من الإثنين إلى الجمعة، وقدمت “تأشيرة ذهبية” مدتها 10 سنوات للأجانب، وتنفذ ضريبة شركات جديدة هذا الشهر – هي الأدنى في المنطقة إلى جانب البحرين – والتي ستلغي هيكل الرسوم الحالي.
من جانبها، أطلقت السعودية برنامج “جودة الحياة” في عام 2018 الذي يطور بشكل سريع المزيد من “الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية والعمرانية” لجعل المدن السعودية تحتل مرتبة “بين أفضل المدن الصالحة للعيش في العالم”.
كما بسطت المملكة إجراءات التأشيرات السياحية، وعززت مشاركة المرأة في القوى العاملة من 18% في عام 2009 إلى 30% في عام 2020، وقلصت من نفوذ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نقل الخبرات
إحدى أبرز أهداف سياسة المملكة لنقل المقرات الإقليمية للشركات الكبرى إلى أراضيها هو دفع تلك الشركات إلى إعادة استثمار بعض أرباحها في المجتمع، وكذلك تدريب ونقل المعرفة إلى السكان المحليين، وتقدم الرياض لتلك الشركات حوافز خاصة مقابل توظيف السعوديين، فالمملكة لا تريد أن تكون مثل الإمارات، التي بات عدد المغتربين فيها يمثل 90% من السكان.
ما سبق، كما يقول التقرير، يخلق تحديا أمام السعودية لإجراء مزيد من الإصلاحات والاستثمار في التعليم وزيادة مهارات المواطنين لتأهيلهم للتوظيف في تلك الشركات العالمية التي تريد الرياض أن تأتي وتفتح مقراتها الإقليمية على أراضي المملكة.
تكلفة المعيشة في السعودية
تحد آخر يسير إليه التقرير، وهو ارتفاع تكلفة المعيشة في السعودية، ارتفعت أسعار الإسكان والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى بأكثر من 6% في عام 2022، مع ارتفاع تكاليف الإسكان في بعض المناطق المرغوبة في الرياض بنسبة تصل إلى 40%.
ومع أن هذا يمثل تحديا للشركات التي تريد المجئ إلى المملكة، حيث سيكون مطلوبا منها سلم رواتب يكافئ هذه الزيادات في تكلفة المعيشة، إلا أن الأمر لا يخلو من كونه فرصة أيضا، حيث يعكس ارتفاع تكلفة المعيشة مقدار الفرص المتاحة لرجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، حيث يمكنهم معالجة ارتفاع الطلب على المشاريع التي تعمل على تحسين نوعية الحياة.
قمع المطالبين بالتغيير
ويقول التقرير إن أحد أبرز المخاطر التي تقلق الشركات العالمية هو أنه بينما تقود السلطات السعودية جهود الإصلاح من الأعلى، يتم التعامل مع الناشطين المطالبين بالتغيير من أسفل بقسوة، ويتم تكثيف المراقبة المجتمعية، وهو ما يخلق مناخا غير ملائم للاستثمار، كما يقول زميل “مجلس العلاقات الخارجية”، ستيفن كوك.
ويتحدث التقرير، في الختام، عن حراك جيد من قبل الشركات العالمية للاستثمار في السعودية، مثل HSBC الذي بدأ فورة توظيف ويخطط لزيادة عدد العاملين في البنوك والأسواق العالمية في المملكة بنسبة 10 إلى 15%، و”سيجنا” الأمريكية للتأمين الصحي، التي تمتلك خططا للتوسع في المملكة، وكذلك “أوراكل” التي تخطط لاستثمار 1.5 مليار دولار في البلاد، ويقال إن الصين تفكر بنقل المقر الرئيسي لشركة “هواوي” بالشرق الأوسط إلى السعودية.
ويضيف: “يمكن توقع المزيد من الصفقات الكبيرة إذا استمرت المملكة في تسريع تنميتها، لكن يجب عليها أيضا مواصلة الإصلاحات المؤيدة للأعمال لجذب الشركات الكبرى والاحتفاظ بها، ومطلوب من الحكومة السعودية أيضًا أن تواصل الاستثمار في إصلاح التعليم وجهود إعادة تشكيل المهارات لضمان أن يكون الجيل القادم من السعوديين جاهزين للوظائف المستقبلية”.
متابعات