سلّط تحليل نشرته مؤسسة “كارنيجي” للأبحاث الأمريكية، الضوء على ضرورة معالجة المسائل المتعلّقة بالرهانات البحرية السعودية والإماراتية من أجل التوصّل إلى اتفاق سلام دائم فيما يتعلق للنزاع اليمني المتواصل منذ مارس/ آذار 2015.
واستعرض التحليل كيف تضاربت الأولويات البحرية الإماراتية والسعودية؛ ما أسفر عن توتر العلاقات بين الجانبين، لكنهما بالرغم من ذلك تجنبتا القطيعة؛ لتَشاركهما في هدف إلحاق الهزيمة بالحوثيين المدعومين من إيران.
وأشار التحليل إلى أن المخاوف الأولية لكل من الإمارات والسعودية تمثلت في أن تشنّ طهران هجمات على ممرات الشحن الأساسية لمصالحهما الاستراتيجية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إضافةً إلى هجمات على دول الخليج المجاورة، ولهذا أسسا تحالفهما ضد الحوثيين.
تغليب المصالح الفردية
وذكر التحليل أنه بداية من العام 2018 وصاعدا، باشرت الإمارات إعادة توجيه استراتيجيتها، من خلال تغليب مصالحها على مصالح حلفائها في التحالف.
وتمثّلت أهداف الإمارات الرئيسة في السيطرة على سواحل اليمن وممرات الشحن، وتطبيق استراتيجية سلسلة الموانئ، وكبح انتشار الإسلام السياسي.
لكن هذه الخطوات أوقدت جذوة الخصومة بين الرياض وأبوظبي؛ لأنها أماطت اللثام عن تباين مصالحهما في اليمن.
فقد أحكمت الإمارات قبضتها على موانئ جنوبية أساسية والمناطق المحيطة بها، ما حدا بها إلى رعاية المشروع الانفصالي في جنوب اليمن.
في المقابل، اعتبرت السعودية أن هذه الاستراتيجية تضعف حليفها الأساسي المتمثّل في الحكومة اليمنية التي تحظى باعتراف دولي؛ لذا تفكّك التحالف المناهض للحوثيين وباتت المملكة تواجه منفردةً الحوثيين على حدودها.
حسابات بحرية
وبحسب التحليل، فكما كانت الأهداف البحرية في صُلب تفكير الإماراتيين والسعوديين عندما انخرطوا في الحرب اليمنية، سيحكم الجانبان على النتائج المحتملة للصراع على أساس تأثيراتها البحرية إلى حدٍّ كبير.
وفيما ترغب السعودية في أن تعيد الحكومة اليمنية بسط سيطرتها على كامل التراب اليمني، أي أيضًا على موانئها، يُشار إلى أن الإمارات تستفيد من حالة التشرذم المستمر في البلاد، إذ يسمح لها ذلك بمواصلة سيطرتها على الموانئ اليمنية وعزل أعدائها الإسلاميين في اليمن.
لكن، على الرغم من الخلافات بين السعودية والإمارات، تجمع بينهما الرغبة في منع الحوثيين من تحقيق الانتصار، والحرص على تفادي حدوث قطيعة دائمة بينهما.
من وجهة نظر الإمارات، يتمثّل السيناريو الأسوأ في يمنٍ خاضعٍ لسيطرة الحوثيين؛ لأن ذلك سيحرمها من النفوذ في بحر العرب والبحر الأحمر، ومن الاستفادة من العقود المربحة لعملية إعادة إعمار اليمن بعد الحرب.
وفيما أضرّت بعض الفصائل في القوات المدعومة من الإمارات بشرعية الحكومة اليمنية، مُزعزعةً الاستقرار في الجنوب، أدّت فصائل أخرى دورًا مهمًا في الدفاع عن المحافظات الجنوبية من توغّلات الحوثيين.
أفضلية إماراتية
في غضون ذلك، تُعتبر الإمارات في وضع أفضل لحماية مصالحها مما هو حال السعودية؛ فقد تمكّنت أبوظبي، من خلال تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي وتحقيق الاعتراف السياسي به، وتدريب الميليشيات المحلية وتسليحها، من سحب قواتها وتفادي التورّط في مستنقع الحرب اليمنية، إنما من دون التخلّي عن نفوذها في البلاد.
يُضاف إلى ذلك أن سيطرة الإمارات على الموانئ ومنشآت الطاقة من خلال وكلائها المحليين ستعزّز بشكل كبير موقفها التفاوضي في سيناريو مرحلة ما بعد النزاع. كذلك، أفادت تقارير عن بناء الإمارات قواعد عسكرية في سقطرى وجزيرة ميون، ستزيد قدرتها على تأمين ممرات الشحن الدولية، وتوطيد استراتيجية “سلسلة الموانئ”.
وقد تؤدي حالة اللا استقرار في جنوب اليمن والمخاوف بشأن أمن الموانئ اليمنية إلى تكثيف حركة المرور في ميناء جبل علي؛ ما يعزّز مكانة الإمارات كمركز لوجستي عالمي.
أما السعودية، فمشكلتها أكبر من مجرّد المسائل البحرية. في الواقع، قد تسمح الحكومة المتحالفة مع الرياض للمملكة ببناء خط أنابيب يمتدّ إلى بحر العرب، متجاوزًا مضيق هرمز؛ ما يحرم إيران من القدرة على عرقلة صادرات النفط السعودية.
لكن هذا ليس كافيًا، لأن الوجود الحوثي المستمر عبر الحدود الجنوبية للسعودية يعني أن إيران يمكن أن تستهدف المملكة، ولا سيما منشآت الطاقة لديها، بشكل غير مباشر.
لهذا السبب؛ تتمثّل أولوية الرياض في إرساء دولة يمنية موحّدة في ظل حكومة موالية لها، أكثر من المزايا البحرية ذات الصلة.
سيناريوهات
وذكر التحليل أن إعادة توحيد اليمن ستوفّر جملةً من الفرص والتحديات للمصالح الإماراتية، وذلك بطرق أخرى.
تتمثّل إحدى الفوائد المهمة التي قد تجنيها الإمارات من هزيمة الحوثيين في الاستيلاء على ميناء الحديدة على البحر الأحمر، وهو الميناء اليمني الأساسي الوحيد الذي يقع خارج نطاق النفوذ الإماراتي، والذي يكتسي موقعه أهمية حيوية لأمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
لكن في ظلّ حكومة يمنية تحظى باعتراف دولي، سيكون أصعب بكثير على الإمارات إحكام سيطرتها على الحديدة، إن لم يكن مستحيلًا.
وعلى الرغم من أن الإمارات قد لا تدعم بالضرورة استقلال جنوب اليمن، إذ من شأن ذلك أن يمنعها من الوصول إلى مرافق أساسية في الشمال مثل الحديدة، فإن دعمها للفصائل الانفصالية سيعزّز نفوذها على الموانئ الأخرى، ويسمح لها بالتعامل مع حزب الإصلاح.
ويمنح اليمن المنقسم الإمارات هامشًا أكبر لإضعاف حزب الإصلاح ميدانيًا، ويقلّل من شرعية الحكومة المعترف بها دوليًا، والتي يشكّل الحزب جزءًا منها.
علاوةً على ذلك، وفي ظل التشرذم الذي يعيشه اليمن، لن تواجه سيطرة الإمارات على الموانئ الجنوبية ومنشآت الطاقة تحديات كبيرة؛ ما يمنحها ميزة قوية في رسم معالم التجارة البحرية في المنطقة.
لكن، غالب الظن أن يفضي اليمن المنقسم إلى تصعيد وتائر الخلافات السياسية في الجنوب وتعقيد العلاقة بين السعودية والإمارات، ولا سيما إذا كثّفت أبوظبي دعمها للحراك الانفصالي.
واقع الحال أن استقلال جنوب اليمن قد يلحق الضرر بالحكومة اليمنية، الحليف الأساسي للسعودية، ويقوّض طموحات الرياض البحرية.
وعلى الرغم من أن للمملكة اليد العليا في المهرة راهنًا، فإن النزاع على السلطة في جنوب اليمن قد يضعف نفوذها في المحافظة الحدودية، ما يهدّد سيطرتها على نشطون.
يُشار إلى أن الإمارات امتحنت علاقتها مع السعودية في مناسبات عدة في اليمن. مع ذلك، قد يشكّل الدعم الإماراتي لاستقلال جنوب البلاد تجاوزًا كبيرًا؛ لأن هذه الخطوة قد تلحق أضرارًا بالغة بعلاقتهما الثنائية لا يمكن إصلاحها.
وخلص التحليل إلى أن المحادثات الجارية بين السعودية والحوثيين لإنهاء النزاع خطوة تعتبر واعدة على مسار إرساء السلام في اليمن، إلا أن الجهود التي تبذلها المملكة والإمارات لتوسيع نطاق نفوذهما في المناطق الساحلية من خلال دعم الميليشيات المحلية قد تنبئ بنزاع مديد على السلطة في جنوب اليمن.
متابعات