«هارلي».. نسخة معدّلة من «جعفر العمدة»

كأنك لم تخرج من أجواء دراما رمضان، بل وكأنك ذهبت إلى السينما لتشاهد نسخة معدّلة عن «جعفر العمدة» وحكاية افتراضية مختصرة عنه إذا ما غادر حي السيدة زينب ليصبح شاباً «مودرن» يجاري العصر شكلاً، مهندساً ميكانيكياً، ملك «الموتوسيكل» وبالتأكيد بطل الأبطال الذي لا يُقهر! لا أعرف إذا تعمد صناع فيلم «هارلي» إعداده ليكون جاهزاً ويعرض في الصالات في العيد، أي مباشرة بعد انتهاء عرض مسلسلات رمضان، ليحصدوا نجاح مسلسل «جعفر العمدة» وليضمنوا إقبال الجمهور بقوة على مشاهدة محمد رمضان في الصالات، لكن المؤكد أن هذا الرهان انعكس سلباً على الفيلم، لناحية التشبع الذي شعر به الجمهور من تكرار نفس صفات و«مميزات» البطل، وتكرار الكثير من الوجوه المشاركة معه وحتى بعض الجمل في الحوار، وطبيعي أن تتوقع ما سيحصل وإلى أين تقودك الأحداث.

الفيلم مثل بطله «نمبر وان» في سباق أفلام العيد، ومازال محافظاً على إيراداته العالية في شباك التذاكر، أمر متوقع خصوصاً أن الأفلام الأخرى المنافسة لا تجد فيها نجوماً يستطيعون سحب البساط من تحت محمد رمضان ولا يوازونه في الجماهيرية، كما لم تشهد الصالات أي صدمة إيجابية تدفع الجمهور نحو عمل مختلف وقوي، بل مالت الدفة نحو الكوميديا الخفيفة والهزيلة؛ لذا من الطبيعي أن تجد محمد رمضان و«هارلي» والأكشن في الصدارة، أيّاً كان المضمون ومستوى العمل.

الصورة

هي ليست حملة ضد رمضان ولا ضد الأكشن، ولا حتى ضد مي عمر أو زوجها المخرج محمد سامي الذي اكتفى في هذا الفيلم بالكتابة بجانب المؤلف محمد سمير مبروك، ليتولى مهمة الإخراج محمد سمير. فلا أحد يمكنه إنكار شعبية هذا النجم وذكائه في اختيار ما يناسب ملامحه وإطلالته والعمل مع من يجيدون فهم الجمهور الذي يتوجهون إليه ويعتمدون عليه لتحقيق نسبة نجاح جيدة؛ محمد سامي مؤلف ومخرج «جعفر العمدة» تعاون مع محمد سمير مبروك الذي سبق أن كتب أحد أشهر أفلام رمضان «عبده موته» (عام 2012)، فكان من الطبيعي أن يفصلا قصة «هارلي» بكل ما فيها وبتفاصيل شخصية بطلها الذي يحمل الفيلم اسمه، على مقاس محمد رمضان وصورته التي أصبح يراه فيها الجمهور، الشاب أو الرجل الشهم القوي المقاتل الشرس الذي يصوب خطأه بنفسه، صاحب الإرادة الفولاذية، المتحمل لأصعب الآلام والمنتصر دائماً، الفاهم في كل شيء والذكي الذي لا تفوته هفوة، والأهم أنه حين يدخل معركة لا بد أن يكون وحيداً في مواجهة مجموعة من الرجال الأشداء المفتولي العضلات والمسلحين ورجال العصابات.. هكذا كان جعفر العمدة الذي ينتظره الجميع ليدافع عنهم وينتصر طبعاً، وهكذا هو محمد هاشم الملقب ب «هارلي»، مع فارق أننا نراه هنا متعلماً، مهندساً ميكانيكياً يعمل في ورشته الخاصة على تجهيز الدراجات النارية، وقد ابتكر دراجتين يقودهما بنفسه.

الصورة

ضيف شرف

أحمد داش، الذي لعب دور ابن «جعفر العمدة» هو ضيف شرف في «هارلي» مؤدياً دور شقيق البطل، ليذكرنا بنفس الدور الذي لعبه بجانب محمد رمضان أيضاً عام 2020 في مسلسل «البرنس» تأليف وإخراج محمد سامي، الشقيق الأصغر، المدمن، المتهور، لكنه هذه المرة يقلد شقيقه هارلي في عشقه لقيادة الدراجات النارية وفي الإدمان، وتكون نهايته سريعة إثر تعرضه لحادث أثناء قيادته للموتوسيكل وقيامه باستعراضات بهلوانية في الشارع؛ عبور سريع لداش ونهاية تقلب كيان هارلي الذي حمله والده هاشم (إسماعيل فرغلي) مسؤولية ما حصل لأخيه، وعاش هو نفسه بهذا الذنب، مقرراً عزل نفسه في بيته الخاص إلى أن يتعافى من الإدمان، وهنا ينتقل المؤلف سريعاً إلى «الدرس» المباشر؛ حيث يقول هارلي لأخيه بعد وفاته: «كنت أحسب أنني أؤذي نفسي، ولم أعلم أنني كنت أؤذيك معي»؛ انتقال سريع للبطل وصحوة ضمير مبكرة تجعله بطلاً بكل المقاييس في عيون المشاهدين، شعر بالذنب وندم وصحح خطأه وتحمل أعراض التعافي من الإدمان وحيداً، وأصلح علاقته بأبيه وأخيه الصغير مصطفى وزوجة أبيه الطيبة دنيا، والتي تؤديها ميّ كساب (الزوجة الأولى لجعفر العمدة) كضيفة شرف أيضاً.

أول لقاء

بعد مرور عام يستعيد حياته الاجتماعية ويلبي دعوة صديقه رامي (حازم إيهاب) لحضور حفلة صاخبة، تقيمها أسيل (مي عمر) احتفالاً بفسخ خطوبتها من أكرم (باسل الزارو)؛ أول لقاء بين هارلي وأسيل طبيعي أن يكون «مميزاً» يستعرض فيه البطل كل قدراته وعضلاته.. عراك سريع بينه وبين خطيبها السابق لا شك ينتهي بشكل مؤقت ليتبعه تداعيات ومعارك أخرى.

ولأن أسيل تتعاطى المخدرات، لا بد أن يكون للبطل دور في إنقاذها من هذه السموم، ليوجه للجمهور رسالته الثانية المباشرة: من يتعاطى المخدرات شخص جبان، يعيش في الوهم، في عالم يشعر أنه البطل فيه.. مقبول أن تكون هذه الدروس مباشرة إذا اعتبر الكاتب والمخرج والبطل أيضاً – إذ لا بد أن يكون لمحمد رمضان رأي فيما يقدم- أن من يشاهدونهم لن يفهموا الدرس إلا بالحوار المباشر ولن يتأثروا إلا إذا خاطبهم البطل باللسان والكلام لا بالعقل والأفعال، علماً أنه يتناول هذه المرة شخصية من الطبقة المتعلمة لا الأمية، وتعيش ميسورة الحال، ويحب بطلة متخرجة من الجامعة الأمريكية.

بدون عمق

المباشرة في هذا الفيلم تأتي ضمن نص لا عمق فيه، مجمله يرتكز على تلميع صورة النجم الأول، المنقذ ذي الخصال الحميدة، ويشبه أفلام الأكشن الأمريكية إلى حد التطابق، وكأنك أمام نسخة معرّبة من «فاست أند فوريوس» مثلاً، وفيه أيضاً فكرة من فيلم «ذا ترانسبورتر» 2002 للنجم جايسون ستاثام.

من المنتقلين من «جعفر العمدة» إلى «هارلي» أيضاً الفنان حسني شتا المؤدي دور مرتضى الذراع الأيمن لزعيم العصابة ياسين حداد (محمود حميدة)، وفي العملين هو عدو لمحمد رمضان، أما حميدة فتسأل نفسك طوال الفيلم لماذا قبل بهذا الدور الهزيل؟، لا يتطلب منه أي جهد، وواضح أنه يؤدّيه بلا أي جهد، وكأنه يتمشى منذ المشهد الأول وحتى اللقطة الأخيرة.

نفهم أن يتحمس النجوم الشباب لأفلام الأكشن، وأن يشاركهم كبار النجوم بحضور مميز، لكن على الأقل أن يكون لهذا الحضور وزن وثقل، بينما وجود حميدة بدور ياسين لا يختلف عن وجود أي ممثل آخر في هذا الدور، كما تعتبر شخصية ياسين نمطية مكررة في السينما آلاف المرات بنفس الشكل والصفات، وتعرف مسبقاً ما هو مسارها، وكيف سيكون مصيرها.

من عيوب الفيلم أنه ضعيف من ناحية إخراج الأكشن والمونتاج، وكأنه صنع على عجل، ناهيك عن النص المكرر الذي لا يجعلك تندم أنك لم تشاهده.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى