تكريم الموتى ..!
بقلم / سمية الفقيه
بلد يقدس الموت على الحياة، لا مناص من الشتات.
وطن يمجد الفناء على النماء، لا مناص من العتمة.
وفي بلد تمتلئ ساحاته ولوحاته بصور القتلى والمفقودين، ويهمش مَنْ هم على قيد الحياة، يجدر بنا أن نسميه مجازًا سجنًا مفتوحًا، ووطنًا طاردًا لأبنائه.
هكذا اليمن منذ القدم، فيما يخص مجالات الإبداع والمبدعين، وكيف يتعامل مسؤلو البلاد معهم، الحياة منسية والموت حاضر، يكرمون الأموات ويتغاضون عن الأحياء.
والعجيب في الأمر أن هذا المفهوم لم يتغير، ويتبعونه دائماً، رغم خطئه، وخطأ من يسيرون على نهجه ويتوارثونه كأنه صراط مستقيم يجب السير عليه.
لا ندري متى سيفهم المتسلطون على رقابنا أن الحي أبقى من الميت، وأن تكريم الأحياء في حياتهم أولى من تكريمهم وهم تحت التراب، الذي سيُعزه الله فقط ويكرمه في هذه الحالة وليس البشر.
مبدعون كثر: كُتّاب، شعراء، أدباء، دكاترة، مخترعون… الخ، قدموا الكثير والكثير من نفائس الأعمال في حياتهم ولم يلتفت إليهم أحد وكأنهم كانوا ينحتون صخر العقول الصلدة، إلا ما ندر من تسليط الضوء عليهم من قبل الدولة.
تسليط باهت وشحيح وكأنهم يتصدقون عليهم صدقة ويستكثرون عليهم الاعتراف بابداعهم، لكن حين يموت المبدع يلهث المسؤولون وراء تكريمه من باب ذر الرماد على العيون فقط.
مات الكثير من المبدعين اليمنيين وهم يتمنون تكريمهم في حياتهم لكن لا حياة لمن تنادي.
وصدق الشاعر اليمني أحمد عبدالرحمن المعلمي -رحمه الله- (وهو أديب ودبلوماسي يمني) حين قال:
امـنحـونــي شـيـئـاً مــن الـتـقـديرِ في حياتي، وليس بعد مصيــري
ومن السخط، السخف أن تحطّوا زهوراً.
فوق قبري، الآن هاتوا زهوري
كــيـــف أشمّـهـــا؟ وكــيـــف أراهـــــا؟
وأنا فـي التراب تحـت الصخورِ.
فيا مسؤول، يا محترم، مَنْ مات لا يحتاج لتكريمك له وهو ميت بل في حياته، وبالتالي لا بد أن يراجع مسؤولو الدولة مفاهيمهم ويغيروا انتهاجهم لمبدأ تكريم المبدع بعد موته، لأن هذا المنطق صار منطقا عقيما ونقطة سوداء على جبينهم دائما وأبدا.
ويلحقوا يكرموا ما تبقى من مبدعينا وهم أحياء يرزقون.
متابعات