قدم المنتخب المغربي أداءً لا مثيل له بين المنتخبات العربية خلال بطولة كأس العالم الماضية في قطر، وحصد المركز الرابع في البطولة، لكن أصداء الفرحة الجنونية شابتها مشكلة تتعلق ببيع التذاكر لجماهير أسود الأطلس بأسعار باهظة في السوق السوداء.
بدأت السلطات المغربية تحقيقات في الأزمة، قبل أشهر، قادت إلى استدعاء خلال الأيام الأخيرة لـ”مسيّر رياضي بمدينة آسفي وصحفي بإذاعة خاصة”، بحسب موقع هسبريس، ولكن لم توجه أجهزة التحقيق المغربية أي اتهامات رسمية إلى الآن لأي شخص.
وبحسب الموقع شملت التحقيقات التواصل مع أشخاص حصلوا على تذاكر حضور المباريات بمبالغ مالية باهظة، وتم تتبع تلك التذاكر في محاولة للوصول إلى المسؤول عن مصدرها، وسط اتهامات للجامعة الملكية لكرة القدم (أي الاتحاد المغربي لكرة القدم) بالتقصير وربما المساهمة في تلك الأزمة.
كيف بدأت الأزمة؟
قدم المنتخب المغربي خلال بطولة كأس العالم أداء مدهشا، والتقى بمنتخبات قوية مثل البرتغال وفرنسا وكرواتيا وبلجيكا، ومع تقدمه في البطولة، توافد المشجعون المغاربة بالآلاف لمتابعة المباريات وكان همهم الأول هو الحصول على تذكرة.
وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم فتح الباب لشراء التذاكر إلكترونيا قبل فترة طويلة من انطلاق البطولة، ما أتاح لأي شخص إمكانية شراء تذكرة لمباراة في أدوار متقدمة من البطولة حتى دون أن يعرف طرفي تلك المباراة.
ومع احتدام البطولة وتحديد أطراف المباريات والمنتخبات المتأهلة لكل مرحلة منها، بدأ بعض الجماهير في بيع التذاكر التي حصلوا عليها لمشجعي تلك المنتخبات بأسعار باهظة.
كما حصل كل اتحاد رياضي على تذاكر مجانية أو دعوات لحضور مباريات منتخبه، ولكن منُع بيع تلك التذاكر للجمهور، ولكن مع دخول المباريات الحاسمة للمغرب في البطولة، بدأت تتوافد شكاوى كبيرة جراء توفرها على السوق السوداء وسط مزاعم بضلوع مسؤولين رياضيين في الأمر وبيع تذاكر حصلوا عليها مجانا.
وكان من المفترض أن يتم توزيع تلك التذاكر على أسر اللاعبين والطاقم الفني للمنتخب ودبلوماسيين وما غير ذلك، بحسب تصريحات سابقة لنائب رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، محمد بودريقة.
وقال الصحفي والمحلل الرياضي المغربي، حمزة شتيوي، لموقع “الحرة”، إن “الجهات المعنية تتحمل المسؤولية بما فيها الجامعة الملكية أو الجهة المنظمة في قطر”.
وأضاف “لا يمكن منح الصحفي أو المسؤول التذاكر ليوزعهم بنفسه على الجمهور”، مشيرا إلى أن تلك التصرفات “تسيء للمغرب في خضم التطور الكبير الذي تشهده البلاد كرويا”.
وكانت قطر قد حذرت قبل انطلاق البطولة من أنها ستفرض غرامات قد تصل إلى 25 ألف ريال قطري (نحو 6500 دولار) على من يبيع التذاكر بعيدا عن إشراف الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهي الجهة المنوطة بطباعة التذاكر وبيعها وتوزيعها.
وخلال البطولة، أعلنت وزارة الداخلية القطرية، أنه في إطار مكافحة السوق السوداء لبيع التذاكر خلال المونديال، ألقت القبض على ثلاثة أشخاص من جنسيات مختلفة لإعادة بيعهم تذاكر مباريات المونديال خارج المنافذ الرسمية.
ولم ترد وزارة الداخلية القطرية على طلب موقع “الحرة” التعليق حتى نشر التقرير.
جمهور المغرب خلال المباراة أمام فرنسا في نصف نهائي كأس العالم
وفي ظل الأزمة، ظهر تسريب صوتي لرئيس نادي “أولمبيك آسفي”، محمد الحيداوي، زُعم أنه يشير إلى إلى قيامه ببيع تذاكر مباريات المنتخب المغربي في قطر.
وقال الحيداوي في تصريحات لموقع “الحرة”، إنه تعرض لاستجواب واحد في يناير الماضي، بالتزامن مع ظهور التسريب الصوتي، مضيفا “كان استدعاء روتينيا، وأمارس حياتي بشكل طبيعي حاليا”.
وأثير جدل حول المقطع الصوتي عبر وسائل التواصل بأن الحيداوي بدا وكأنه يتحدث عن بيع تذكرتين قبل لقاء فرنسا في الدور نصف النهائي من بطولة كأس العالم، مقابل نحو 6 آلاف درهم مغربي للواحدة (أكثر من 600 دولار)، بدلا من سعرها الطبيعي 20 دولار.
وخلال التسجيل المزعوم ظهر الحيداوي وكأنه يصف موقعه للطرف الآخر في المكالمة، ليتمكن من الوصول إليه.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، أشار الحيداوي إلى أن مُسرّب الفيديو هدف إلى تشويه سمعته، حيث كان يتحدث عن سعر التذكرة المعروض حاليا في السوق السوداء، ولم يكن بنفسه يحاول بيع تذكرة لهذا الشخص.
وأوضح “كان شخص يسألني بالتليفون عن التذاكر وقلت له إنها تكلف حاليا 6 آلاف درهم، لم أكن أقصد البيع، كان يسألني وأجبته… أنا رجل أعمال ودعمتُ نادي ‘أولمبيك آسفي’ بمليون دولار من مالي الخاص هذا العام، لماذا أبيع تذكرة لأربح بعض الدولارات؟”.
وأضاف “هناك تربص بالنادي لتقديمه عروضا جيدة في البطولة المغربية. يحاولون الإطاحة بالنادي ورئيسه”، لكنه لم يشر في حديثه إلى من يسعى لذلك.
وتعترف الجامعة الملكية لكرة القدم في المغرب بتلك الأزمة، وفي تصريحات للإعلام المحلي عقب اجتماع حكومي، في شهر مارس الماضي، قال رئيس الجامعة، فوزي لقجع، إن التحقيقات القضائية في القضية “مستمرة ومتشعبة”.
وأكد أن كل من تورط في تلك العمليات “سيتم وضع حد لمساره الرياضي”.
السوق السوداء
وتواصل النيابة التحقيقات في الأزمة الحالية، والتي بحسب المحلل، شتيوي، يمكن أن تمثل حلها في الاعتماد الكامل على نظام بيع التذاكر إلكترونيا.
وظهرت أزمة التذاكر قبل المباريات الهامة في العديد من دول العالم، وارتفع سعر التذكرة إلى أضعاف بسبب حرص الجماهير على الحضور بأعداد كبيرة مقارنة بالسعة الرسمية المتاحة في الملاعب.
وقال شتيوي، إن أزمة السوق السوداء متواجدة بالفعل في المغرب، وتظهر قبل المباريات المهمة مثل التي تجمع أكبر ناديين في البلاد، الرجاء والوداد، إلى جانب مباريات أخرى للمنتخب مثل الودية الأخيرة التي جمعته ضد البرازيل على الملعب الكبير بمدينة طنجة، في مارس الماضي.
الآلاف من الجماهير المغربية سافرت إلى الدوحة لمتابعة مباريات منتخب بلادها
وأشار إلى أن هناك مطالب جماهيرية منذ سنوات بمحاربة تلك الظاهرة، وبالفعل بدأت الجامعة الملكية لكرة القدم في التوجه لشركات خاصة لبحث مسألة بيع التذاكر إلكترونيا بحيث يُسمح بدخول من اشتراها فقط بعد التأكد من هويته.
ولفت شتيوي، إلى أن الأزمة في تطبيق النظام الإلكتروني بالكامل تكمن في “عدم انتشار البطاقات البنكية بين الشباب الذين يمثلون العدد الأكبر ممن يحضرون المباريات”.
وقبل مباراة المغرب وفرنسا في كأس العالم، وفرت الجامعة الملكية لكرة القدم نحو 10 آلاف تذكرة للجمهور المغربي، في حين أن نحو 70 ألفا كانوا في قطر ويرغبون في الحضور.
وقال رئيس “أولمبيك آسفي”، الحيداوي، إن الأزمة كانت في قطر وبالتالي المغرب والمشرفون على الجامعة ليسوا مسؤولين عن الأمر، مضيفا “لا توجد سوق سوداء في المغرب، والعام المقبل، ستصل نسبة بيع التذاكر إلكترونيا نحو 90 في المئة بالبلاد”.