المضي في مسار الانفتاح بالسعودية يصطدم بمدونة فقهية متشددة

خطط السعودية في إحداث انفتاح شامل تصطدم بأفكار رجال الدين الذي يقومون بتكفير الآخر لمجرد أنه مختلف عنهم.

كشف الجدل الحاد بشأن دعوة أحد رجال الدين السعوديين إلى إنشاء مذهب فقهي جديد عن أن مسار الانفتاح في المملكة لم يعد يتحمل الفتاوى الجاهزة التي يعلن عنها رجال دين يظهرون دعمهم لإصلاحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ظاهريا لكنهم يجدون أنفسهم في صف خصومها لأنها تتعارض مع رؤيتهم الدينية التقليدية.

وتعكس دعوة رجل الدين السعودي البارز صالح المغامسي إلى إنشاء مذهب إسلامي فقهي جديد استحالة الجمع بين مسار التحديث وأفكار المتشددين الذين يمثلون جيوبا لمجموعات سياسية محظورة مثل الإخوان المسلمين والقاعدة، وهؤلاء مازالوا يسيطرون على أهم مفاصل الدولة ويرفضون التوافق مع توجهات ولي العهد، خاصة ما تعلق منها بالسياحة والترفيه والانفتاح على الثقافات والفنون الآتية من الغرب.

وتدفع السعودية نحو إحداث انفتاح شامل لا يقتصر على الجانب المادي كما يريد الإسلاميون المتشددون، وإنما يهدف أيضا إلى تعويد المجتمع السعودي على الانفتاح والقبول بالآخر وثقافته واحترام الحريات الشخصية حتى وإن كانت تتعارض مع الفقه الذي يتبناه رجال الدين الرسميون في البلاد.

◙ إثارة موضوع حساس في التلفزيون الرسمي تُظهر وجود مناخ من الحيرة تجاه قدرة المدونة الفقهية على الاستجابة للتطور

ولا ينظر ولي العهد السعودي إلى هذا الانفتاح على أنه قيمة اعتبارية فقط، بل هو ضرورة، خاصة أن السعودية مقبلة على مرحلة مختلفة تقوم على جذب الكفاءات الغربية في التكنولوجيات المتطورة، وتسعى لإقناع الشركات الغربية بنقل مقارها الإقليمية إلى المملكة، وكذلك بناء مدن ومنتجعات للترفيه لجذب نوعية مختلفة من السياح.

ولا يمكن لهذه الخطط أن تنجح إذا استمر رجال الدين في تكفير الآخر لمجرد أنه مختلف عنهم دينيا أو أن سلوكه يتنافى مع فتاواهم التي تم سنها ضمن منظومة قديمة تنظر إلى السعودية على أنها مجتمع منغلق على نفسه وليس أمامه سوى رؤية واحدة لا محيد عنها تعهدت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بفرضها على الناس بالقوة.

وقال المغامسي في مقابلة على التلفزيون السعودي “أرجو من الله أن ينشئ على يدي مذهبا إسلاميا جديدا”، مضيفا أن “المراجعة لما قد سلف أمر لا بد منه، ولا مناص منه”.

وأشار الداعية إلى أن السند طغى على الأحاديث المنتشرة مما أضر بالناس “فدخلت أحاديث آحاد، من الصعب نسبتها إلى النبي”.

وبعد حديثه عن أن القرآن فقط هو الكتاب غير القابل للمراجعة، قال المغامسي “هم يستكثرون عليك مراجعة الفقه الإسلامي، فيما النبي عليه السلام كان يراجع، وتراجعه زوجاته”.

وإثارة مثل هذا الموضوع الحساس في التلفزيون الرسمي ليست أمرا سهلا، ما يظهر وجود مناخ من الحيرة تجاه قدرة مدونة الفقه الحالية، التي يتحكم فيها المتشددون لصالحهم، على الاستجابة للتطور الذي تعيشه المملكة وتريد بواسطته أن تقوّي نفوذها.

وجاء الرد هادئا من هيئة كبار العلماء السعودية على مقترح المغامسي الذي يريد ترك المذاهب السنية الأربعة وتوليد مذهب جديد يستجيب لحاجيات التطوير والتحديث، واكتفت بالقول إن دعوته تفتقد الموضوعية والواقعية.

وأشارت إلى تيسر الاجتهاد الجماعي عبر الهيئات والمجامع الموجودة، التي تتفاعل إيجابًا مع حاجات المجتمع وتطوراته المعرفية والاجتماعية والاقتصادية، في بيان هدفه تبرئة الهيئة من الجمود أكثر من كونه هجوما على دعوة المغامسي إلى مذهب جديد.

وشهدت المملكة منذ تولي الأمير محمد بن سلمان منصبه وليا للعهد سلسلة من الأنشطة الموسيقية والترفيهية غير المسبوقة، ومن بينها إقامة حفلات لفرق ومغنين غربيين، وإعادة فتح دور السينما. وتزامنت هذه الأنشطة مع خطوات تعبر عن انفتاح اجتماعي متسارع، من بينها السماح للمرأة بقيادة السيارة ووضع حد للفصل بين الجنسين في الأماكن العامة.

ويتنزل تنويع التظاهرات والسماح بإقامة الحفلات الموسيقية ومختلف العروض الفنية وتعويد السعوديين على حياة جديدة تجمع بين العمل والدين والترفيه ضمن صياغة ثقافة جديدة تقبل على الحياة، وذلك يناقض تماما الصورة التي عكسها المتشددون.

وكان تحجيم دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعروفة بالمطاوعة الخطوة الأولى في طريق كف يد التشدد الاجتماعي بحجة الدين، وهي الخطوة التي اتخذها الأمير محمد بن سلمان بدعم ملموس من أبيه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.

وقال الأمير محمد بن سلمان “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب”، مضيفا “نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة وهذا أمر أعتقد أنه اتخذت (في إطاره) خطوات واضحة في الفترة الماضية، وأننا سوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل”.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى