“البترودولار” الجديد.. أين ذهبت أموال الخليج بعد طفرة النفط الهائلة؟

خلصت نتائج تحقيق أجرته مجلة إيكونوميست البريطانية إلى أن دول الخليج، التي استفادت من طفرة أرباح النفط الأخيرة باتت تعيد تدوير أرباحها بـ”طرق جديدة”، بينما تريد “تعزيز الأهداف السياسية في الداخل، وكسب النفوذ في الخارج”.

وقال التقرير إن الحرب الأوكرانية والعقوبات أدت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، مما يعني أن مصدري النفط يغرقون في المال، فقد وصل فائض دول بمجلس التعاون الخليجي: الكويت وقطر والإمارات والسعودية، من جراء ارتفاع الأسعار إلى 350 مليار دولار في 2022، وحتى مع تراجع الأسعار مقارنة بالعام الماضي، من المتوقع أن تحقق 300 مليار دولار.

ويشر التقرير إلى أنه بدلا من وضع أرباح النفط المهولة التي اصطلح سابقا على تسميتها بـ”البترودولار” في خزائن بنوكها المركزية، باتت هذه الدول تستخدم طرقا جديدة لاستخدام الأموال، وذلك إما لتسديد الديون الخارجية أو إقراض الأصدقاء والاستحواذ على الأصول الأجنبية.

وبالنسبة للديون، تشير المجلة إلى أنه بسبب انخفاض أسعار النفط بين 2014 و2016 ثم أثناء جائحة كورونا، باعت دول الخليج بعض الأصول الأجنبية، وباعت بنوكها المركزية جزءا من مخزونها من العملات الأجنبية. لكن هذا لم يكن كافيا، لذلك اقترضت أيضا الكثير من العملات الصعبة من أسواق رأس المال الغربية.

والآن، تستفيد بعض الدول البترولية من ارتفاع الأسعار لدعم ميزانياتها العمومية.

وسددت أبوظبي، أغنى إمارة في الإمارات، 3 مليارات دولار منذ نهاية عام 2021، أي حوالي 7 في المئة من إجمالي المبلغ المستحق.

وخفضت قطر 4 مليارات دولار من ديونها، وهو ما يمثل حوالي 4 في المئة من الديون.

وانخفض حجم المديونية في الكويت إلى النصف منذ عام 2020.

وتساعد دول الخليج أصدقاءها “المحتاجين” مثل مصر، التي تلقت ودائع بقيمة 13 مليار دولار من قطر والسعودية والإمارات.

وسمحت السعودية لباكستان بتأجيل دفع مليارات الدولارات في مشتريات النفط.

شروط

لكن هذه الأموال مشروطة أكثر مما كانت عليه في الماضي، حرصا من تلك الدول على استعادة بعض أموالها على الأقل. وقد طلبت السعودية مؤخرا من مصر وباكستان بتنفيذ إصلاحات اقتصادية قبل منحهما المزيد من المساعدات.

والجديد في هذا الصدد هو تركيا، التي كانت تعتمد في الماضي على المؤسسات الدولية لمساعدتها، ثم باتت بحاجة إلى دول الخليج. وكانت المملكة أعلنت أنها ستودع 5 مليارات دولار في البنك المركزي للبلاد، وأقامت قطر والإمارات عملية مقايضة عملات بقيمة 19 مليار دولار مع بنكها المركزي.

وتشير المجلة إلى أن السعودية والإمارات، اللتين كانتا لهما علاقة فاترة مع تركيا حتى وقت قريب، تتنافسان الآن على فرض نفوذهما على رئيسها، رجب طيب إردوغان، الذي يواجه انتخابات صعبة في مايو.

والمصدر الآخر هو الاستثمارت الأجنبية عن طريق الصناديق السيادية.

وفي فترات الازدهار السابقة، كانت دول الخليج تعيد استثمار العائدات في أسواق رأس المال الغربية، من أجل الحصول على عوائد مستقرة، غالبا من خلال سندات حكومية فائقة الأمان.

وفي الثاني من أبريل، أغضبت السعودية وحلفاؤها الغرب بإعلان زيادة خفض إنتاج النفط الخام إلى ما يقرب من 4 ملايين برميل يوميا.

وتشير البيانات التي حصلت عيلها المجلة إلى أن هذه الدول باتت تعتمد على إدارة ثرواتها في صناديق الاستثمار بطريقة مختلفة “وباتت أكثر ميلا إلى المغامرة وأقل تركيزا على الغرب”.

وتشير البيانات إلى أنها تبحث عن أصول أقل تقليدية، التي تستغرق وقتا لتحديدها، كما أن هناك تراجعا في عمليات شراء السندات في مقابل زيادة كبيرة في شراء الأسهم والأصول عالية المخاطر.

وتتجه الدول أيضا إلى “الأصول البديلة”، وهي استثمارات غير تقليدية عالية الخطورة مقارنة بالأصول العادية، وتمثل هذه الاستثمارات، التي تشمل الأسهم الخاصة والبنية التحتية وصناديق التحوط 23 إلى 37 في المئة من إجمالي الأصول لأكبر ثلاثة صناديق في الخليج، وفقا لشركة “غلوبال أس دابليو أف”.

كما تنمو  الاستثمارات “المباشرة” وعمليات الاستحواذ على حصص في الشركات المدرجة بسرعة كبيرة.

ويقول مدير أصول أوروبي: “ما لم يكن لدينا شيء غير عادي، فإننا ممنوعون من عرض أي شيء عليهم”.

وتتجه أيضا إلى الاستثمار شرقا، فقد أنشأت الصناديق الخليجية فرقا متخصصة لدراسة الأسواق في الصين والهند وجنوب شرق آسيا.

يقول مدير بنك كبير: “هذا هو المكان الذي سيبيعون فيه المزيد من النفط، لذا فهم يريدون الاستثمار في الصناعات التي ستستخدم هذا النفط”.

وفي الوقت الذي ينسحب فيه الآخرون من الصين، خشية الصدام مع الولايات المتحدة، فإن دول الخليج تعزز مكانتها هناك بقوة، وفق مستثمر كبير قال: “يرى عملاؤنا الخليجيون فرصة هائلة لأخذ مساحة من المستثمرين الغربيين”.

وتقول المجلة إن كل هذا يشير إلى النهج الجديد لصناديق الثروة السيادية، وهو النهوض بالأهداف الاستراتيجية لدول الخليج.

وأحد هذه الأهداف إظهار القوة الناعمة، بإغراق المساعدات على جيرانها، مما يعزز نفوذها الإقليمي.

وعلى سبيل المثال، أنشأ صندوق الاستثمارات العامة السعودي شركات تابعة له في مصر والعراق والأردن والبحرين وعمان والسودان لتوزيع 24 مليار دولار في الدول العربية.

وتكتسب هذه الدول أيضا أرضا جديدة في الصناعات “الاستراتيجية”، مثل الطاقة المتجددة.

وفي أكتوبر الماضي، أنفق صندوق الثروة السيادية الإماراتي 2.5 مليار دولار على شركة ألمانية لتطوير طاقة الرياح البحرية.

وقالت شركة “لوسيد” الأميركية لصناعة السيارات الكهربائية، العام الماضي، التي يمتلك الصندوق السعودي حوالي 61 في المئة منها، إنها ستبني أول مصنع خارجي لها في الرياض.

ويخطط الصندوق السعودي لإنفاق 38 مليار دولار على المسابقات الرياضية.

ويتم أيضا الاعتماد على بعض صناديق الثروة السيادية للاستثمار في الداخل، وذلك لمساعدة الاقتصادات المحلية على خفض اعتمادها على النفط.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى