نظرات الدهشة على وجوه من تحدثت معهم من السعوديين كررت نفسها. “أأنت مسلم؟” سألوا بدهشة.
في هذه المرحلة من الحديث وجدت نفسي أطلع السعوديين على واحد من التغييرات الأهم التي حلت ببلادهم مؤخرًا بينما تروي لهم عن زيارة المدينة، المدينة الثانية في أهميتها في الإسلام. المدينة التي أصبح فيها الإسلامي عملياً قوة دينية وسياسية.
“بخلاف مكة التي لا يزال الدخول إليها محظوراً بشكل مطلق على من ليس مسلماً، فإن المدينة – باستثناء المنطقة المحيطة بمسجد النبي، فتحت قبل نحو سنتين للزوار غير المسلمين”، أجبت المتسائلين عن انتمائي الديني. واحدة منهم، فايزة (الأسماء الحقيقية لمن التقيتهم محفوظة لدى أسرة التحرير)، معلمة إنجليزي اعترفت: “التغييرات هنا في المملكة تتم بسرعة، ويصعب علينا متابعتها”.
عشرة أيام بقيت في المملكة السعودية، قبل بدء شهر رمضان وفي أيامه الأولى، وشهدت إحدى الثورات الأهم التي وقعت في العقود الأخيرة في الشرق الأوسط: تحول السعودية من دولة محافظة متطرفة، كثيرة المحظورات، مغلقة وقامعة للحرية الشخصية، إلى دولة تنفتح بسرعة لسكانها ولم ألتقٍ قط في أي مكان ما بـ “شرطة الحشمة” التي اسمها الكامل هو “لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذه الشرطة توقفت تقريباً عن أداء مهامها منذ بدء الإصلاح الذي وضعه ولي العهد محمد بن سلمان. وقد تقلصت صلاحياتها الواسعة وانحصرت بسرعة في السنوات الأخيرة، بالتوازي مع إلغاء الكثير من المحظورات التي كانت متبعة في المملكة، مثل الحظر على سياقة النساء.
في المدينة، رأيت نساء أقل يقدن السيارات مما في جدة. كقاعدة، الأجواء هنا محافظة أكثر. “بخلاف المدن الأخرى في المملكة، فإن جدة، بسبب كونها مدينة ميناء، كانت دوماً كوزموبوليتية، منفتحة على العالم، بشوشة الوجه للأجانب”، تروي لي هند، مصورة محلية، في البلدة القديمة من جدة. “على مدى مئات السنين، وصل غير قليل من الحجاج إلى هنا مع مالهم الأخير، تبقوا بلا قدرة على العودة إلى بيوتهم وبقوا في المدينة. وخلق هذا هنا خليطاً مشوقاً من الثقافات وتسامحاً كبيراً للآخر، ليس مثل مناطق أخرى في السعودية. ولهذا فقد نشأت في جدة في السنوات الأخيرة ساحة ثقافة وفن. كنا نعقد الحفلات هنا قبل كورونا “.
ومع ذلك، فإن المشروع الأكثر طموحاً في السعودية المتجددة بلا شك هو نيئوم “مدينة المستقبل” التي على شاطئ البحر الأحمر. رغم حضور كبير للجرافات وباقي وسائل البناء – ما زال البناء قليلاً حتى الآن. خططها تبدو وكأنها مأخوذة من فيلم علم الخيال. مطار صغير يخدم بضع رحلات جوية داخلية ورحلات إلى دبي. تجمعان سكانيان مؤقتان يفترض أن يسكن فيهما جيش هائل من العمال هما أيضاً في مراحل بناء متقدمة. قد نلاحظ خلف الأسيجة استوديوهات إعلام وسينما وفق منشورات في الآونة الأخيرة صدر عنها 25 إنتاجاً لأفلام وبرامج تلفزيون. كما يوجد هنا مستشفى إلى جانبه مروحية. وثمة قطار حديث ينقل الحجاج بسرعة 300 كيلومتر.
متابعات