حميدتي يضع قواعد للمصالحة بين المكونات الاجتماعية في دارفور

في الوقت الذي تنخرط فيه قوى سودانية لفك شفرات الأزمة السياسية وتمهيد الطريق للتوقيع على الاتفاق النهائي، الخميس، تقوم قوات الدعم السريع من خلال لجنة السلم والمصالحات بدور مهم لعودة النازحين إلى مناطقهم التي هجروها قبل سنوات في إقليم دارفور.

والتقى رئيس لجنة السلم والمصالحات بالدعم السريع العقيد موسى حامد أمبيلو، الاثنين، بوفد من النازحين بعث من خلاله برسائل إيجابية تتعلق بتحسن الأوضاع الأمنية في الكثير من المناطق التي شهدت اشتباكات الأشهر الماضية، لافتا إلى أن المصالحات التي عقدتها اللجنة خلقت أرضية للتعايش السلمي.

وشكلت مبادرة “غرب دارفور للتعايش السلمي وبناء السلام” التي قادتها قوات الدعم السريع بالتعاون مع الروابط الشبابية في شرق الوادي بمحلية الجنينة ومشاركة الإدارات الأهلية في غرب دارفور، نقطة انطلاق للبناء عليها مع الاستقرار النسبي الذي تشهده ولايات غرب دارفور، بعد أحداث دامية راح ضحيتها المئات من المواطنين ونزوح مئات الآلاف منهم.

ولا توجد أرقام رسمية بأعداد النازحين الذين عادوا إلى مناطقهم، لكن نجاح الموسم الزراعي، وتأمين موسم الحصاد في نوفمبر الماضي، أكد أن الدور الأمني والاجتماعي لقوات الدعم السريع بمشاركة جهات أمنية نظامية والحركات المسلحة التي وقعت على اتفاقية سلام جوبا، أسهم في تأمين العودة الطوعية وتوفير الحماية اللازمة للمزارعين والتقليل من آثار الصراع الدائم مع الرعاة.

وعبر توالي الزيارات التي قام بها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو إلى إقليم دارفور عقب اشتباكات وقعت على نطاق واسع في الإقليم في أغسطس الماضي، وما تلاها من مصالحات عديدة بين أبناء القبائل، وبين الرعاة والمزارعين، تسعى قوات الدعم السريع لإعادة رسم صورتها في الإقليم الذي شهد حربا شرسة بين الحركات المسلحة ونظام الرئيس السابق عمر البشير.

واستفادت قيادة الدعم السريع من علاقاتها القبلية الواسعة وقوتها العسكرية التي لعبت دورا في مواجهة الانفلات الأمني المتكرر في الإقليم السنوات الماضية، مع توسع الانتشار العسكري في دارفور وتولي قوات الجيش مهمة تأمين العاصمة الخرطوم.

وساعد انخراط حميدتي في المفاوضات الطويلة التي جرت مع الحركات المسلحة في أثناء اتفاق جوبا، على دعم العلاقة أيضا مع الحركات المسلحة التي تعد ضلعا ثالثا في معادلة الإقليم، إلى جانب الإدارات الأهلية والقوة الأمنية النظامية.

ويواجه السودان صعوبات جمة لإعادة ما يقرب من ثلاثة ملايين نازح إلى قراهم الأصلية، وفقا لإحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة مؤخرا.

ورغم توقف الحروب بعد الإطاحة بنظام البشير، إلا أن الجزء الأكبر من النازحين لم يعد إلى مناطقه بعد أن حل الصراع القبلي بديلا لحالة الحرب التي سادت بين النظام السابق والحركات المسلحة، وبدأ الصراع يتغذى على انسحاب قوات “يوناميد” الذي حدث منذ حوالي عامين، وضعف التعامل الأمني مع الاشتباكات.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم أبوالقاسم إبراهيم آدم إن قوات الدعم السريع ساهمت بقدر مهم في تأمين قرى العودة الطوعية ومنع التعديات والاحتكاكات المتكررة التي تحدث بين الرعاة والمزارعين، وبذلت جهودا باتجاه توقيع المصالحات القبلية، لكن هذا الدور بحاجة إلى تكامل أكبر بما لا يسمح بالانقضاض عليه.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مكوث نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو في دارفور فترة امتدت أكثر من شهر ساعد على وضع لبنات المصالحات بين المكونات الاجتماعية، وانعكس ذلك على حالة الهدوء النسبي في غرب دارفور، غير أن كل ذلك يبقى مؤقتا إلى حين تمتين جذوره.

وعقد حميدتي في أغسطس الماضي لقاءات مع مكونات متباينة في غرب دارفور، ناقش خلالها العديد من القضايا الحيوية، وتم التوصل فيها إلى تفاهمات أسفرت عن وقف الحرب ومنع نزيف الدم وتوسيع رقعة الاتفاق والتصالح.

وأشار آدم في تصريح لـ”العرب” إلى أن بعض الإدارات الأهلية التي تسلمت الأموال والمساعدات العديدة التي قدمتها قوات الدعم السريع لم توظفها في الاتجاه السليم، وبات الوضع بحاجة إلى آليات أكثر فاعلية تستكمل ما تقوم به لجان المصالحات، مع ضرورة إقناع المجتمع المحلي بأن جهود الدعم السريع تستهدف إرساء الأمن دون مآرب سياسية خفية مزعجة.

ويوجه العديد من أصحاب المصلحة في دارفور انتقادات للسلطة الانتقالية في السودان، والحركات المسلحة، بعد أن ذهبت باتجاه توزيع الغنائم السياسية لاتفاق جوبا عبر إدماج الحركات في هياكل السلطة، دون أن تمضي في طريق تحسين الأوضاع في الإقليم الذي شهد توترات موسعة، وجعل تجميد ملف الترتيبات الأمنية باتفاق جوبا للسلام وتعثر تشكيل القوة العسكرية المشتركة مساعي قوات الدعم السريع تدور في فلك الجهود الفردية، والتي تريد توفير شبكة أمان متينة للاستقرار في الإقليم.

وأصدر والي شمال دارفور نمر محمد عبدالرحمن قبل أيام قرارا قضى بتشكيل لجنة للسلم والمصالحات للمكونات الاجتماعية، استنادا على أحكام الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لتستكمل ما بدأته لجنة السلم والمصالحات التابعة للدعم السريع في الولاية، وهو ما يعد مؤشرا على أن دوائر حكومية قد تتجه للسير على الوتيرة ذاتها عبر تنسيق سياسي وأمني مع قوات الدعم المتمركز جزء مهم منها في دارفور.

ورعت حكومة شمال دارفور في نوفمبر الماضي مبادرة من لجنة السلم والمصالحات بقوات الدعم السريع، نجم عنها التوقيع على وثيقتين لوقف العدائيات بين قبيلتي الفور والزغاوة من جهة، والقبائل العربية من جهة أخرى لتغطي محليات: ريفي الفاشر وطويلة وكتم والواحة ودار السلام وكلميندو، حظيتا بتأييد واسع من القطاعات الشعبية وأسهمتا بصورة مباشرة في قدر من الاستقرار الأمني والمجتمعي في مثلت الفاشر.

وتصطدم جهود المصالحات الاجتماعية بمسألة التمويل المطلوبة لعودة النازحين وإعادة تهيئة أوضاعهم في مناطقهم الأصلية، والتي كانت من المفترض أن تؤول إلى صندوق التعويضات وجبر الضرر في دارفور والذي نص اتفاق جوبا للسلام على تشكيله خلال 90 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق، لكنه لم ير النور بعد.

وتحتاج تحركات قوات الدعم السريع إلى مساعدة المجتمع الدولي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والوطنية الأخرى ذات الصلة، وهي جهات كان من المفترض أن تشارك في إنشاء مفوضية النازحين واللاجئين التي نص اتفاق جوبا على تأسيسها خلال 60 يوما من تاريخ التوقيع الفعلي على الاتفاق، لتشرف على عمليات العودة الطوعية وإعادة التوطين وإدارتها وتسييرها، وهو أمر لم يحدث حتى الآن.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى