في ظل حرب مستمرة منذ ثمانية أعوام، وتردي في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يلجأ اليمنيون للبحث عن خيارات وبدائل أخرى تساعدهم على تخطى أزمة الغاز المنزلي الذي لا يكاد يستقر حتى تشهد البلاد أزمة جديدة.
الأزمة الجديدة طالت حتى مدينة مارب، التي ظلت طوال الأعوام الماضية تشهد استقراراً تموينياً نسبياً فيما يتعلق بالغاز المنزلي، في حين تتضاعف الأزمة في مدينة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين، حيث يواجه المواطنون تحديات كبيرة في توفير احتياجاتهم من هذه المادة الأساسية على مشارف شهر رمضان الكريم.
هذا الواقع فرض على المواطنين اللجوء للحطب، في محاولة لتجنب الكلفة الباهظة لأسعار الغاز في المحطات الخاصة، وفي السوق السوداء، حيث يزيد سعر الاسطوانة الواحدة بحوالي الضعفين.
خيار مرهق
انعدام مادة الغاز وأسعارها الباهظة في المحطات الخاصة، إضافة للأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها اليمنيون نتيجة للحرب الدائرة في البلاد، أجبرتهم على الاحتطاب أو التوجه لشراء الحطب، ومخلفات ورش النجارة وأعمال الديكورات، بحثًا عن حل بديل لأزمة الغاز المنزلي.
وفي محاولة منه لتأمين خيار بديل، يلجأ المواطن سليمان محمود لشراء الحطب الذي يتسبب لأهل بيته بمشاكل صحية كبيرة نتيجة الأدخنة المتصاعدة، غير أنه مضطر للاعتماد عليه تجنبًا لأسعار الغاز الذي تبيعه المحطات في مدينة عدن بأسعار مبالغ فيها.
ويقول سليمان: “ثمن إسطوانة الغاز بلغ 22 الف ريال، فيما لا يتعدى دخلي الشهري 50 ألف ريال، فاذا كنت سأشتري بنصف دخلي الشهري اسطوانة غاز، فهذا يعني أنني لن أتمكن من تأمين بقية الأساسيات”.
وأضاف سليمان في حديثه لـ”المهرية نت”: “لم نعش استقراراً ملموسًا في سعر اسطوانة الغاز منذ بداية الأزمة عام 2014م، وعلى الرغم من ثمنها الباهظ الا أنها في الوقت الحالي تكاد تكون شبه معدومة”.
ويشتري المواطن سليمان شوال من بقايا الخشب من ورش النجارة في العاصمة المؤقتة عدن بمبلغ 10 الالف ريال، فيما يدفع 7 الالف ريال إضافية تكاليف شحنه إلى إحدى مديريات جنوبي محافظة تعز.
ويتابع سليمان شاكياً: “على الرغم من أننا نستخدم الحطب وبكثرة، إلا أنه لا يمكن أن يحل محل الغاز بشكل نهائي، ولكننا نستخدمه للتخفيف من استهلاكنا لمادة الغاز المنزلي، حتى نتمكن من توفير الاسطوانة لأطول مدة ممكنة”.
استخدامات أخرى
ليست الاستخدامات المنزلية وحدها من تجبر الأسر إلى اللجوء للحطب هربًا من كلفة الغاز، إذ تحولت المخابز والأفران التقليدية في مدينة تعز إلى الخيار ذاته نظرًا لارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وانعدامها من وقت لآخر.
ومن جهته يقول بائع الحطب عادل الرعوي إن: “الأفران التقليدية في مدينة تعز تعتمد هي الأخرى على الحطب الطبيعي نتيجة لانعدام مادة الديزل وارتفاع أسعارها”.
وأشار الرعوي في حديثه لـ”المهرية نت” إلى أن: “أسعار الحطب تختلف باختلاف نوعية الأشجار، إذ يبلغ سعر حمولة سيارة النقل الصغيرة من حطب أشجار السدر نحو 150 الف ريال”.
فيما ذكر أن: “الحمولة نفسها من حطب أشجار المنجا تبلغ من 90 إلى 100 ألف ريال، ويتم شحنها من وادي الضباب، والوديان القريبة في مديرية جبل حبشي غربي مدينة تعز ومحيطها”.
مخاطر بيئية
وبالإضافة لما يعانيه المواطن اليمني من جراء تحوله إلى استخدام الحطب عوضًا عن مادة الغاز المنزلي، يحذر خبراء بيئيون من حدوث كوارث بيئية نتيجة الاحتطاب الجائر، والاستمرار في إحراق كميات كبيرة من الأخشاب.
وفي السياق أشار مدير إدارة صحة البيئة في مكتب الأشغال العامة والطرق في محافظة تعز، جميل الشجاع، إلى أن: “إزالة المسطحات الخضراء الواسعة، تؤدي في المستقبل الى تصحر مواقعها، بسبب انجراف التربة الناتجة عن إزالة الاشجار والاحتطاب الجائر، لاسيما بعد هطول الامطار”.
وقال الشجاع في حديثه لـ”المهرية نت” إن: “إزالة الأشجار من أماكنها في المناطق الخضراء في اليمن، يؤدي إلى اختلال في التوازن البيئي، وهو ما يسبب ارتفاع في درجة الحرارة في تلك المناطق”.
ويضيف أن: “استخدام الحطب في الحرق والاستخدامات المنزلية بنسبة كبيرة وبشكل مستمر، تؤدي إلى إطلاق أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون، وهما العنصران اللذان يعملان على رفع درجة الحرارة بالإضافة الى تلوث الجو”.
وأشار إلى أن: “التلوث الناتج عن الأدخنة المتصاعدة من احتراق الاخشاب والحطب، تتسبب بهطول أمطار حمضية نتيجة تفاعل هذه الغازات مع بخار الماء في الجو، ويتكون بخار الكربونيك الذي يؤثر على التربة على المدى الطويل الأمر الذي ينعسك سلباً على الكائنات الحية الموجودة في التربة”.
فيما يعتقد أن حرق الاخشاب، يعمل على انتاج الكربون الأسود والذي يتكون من ذرات صغيرة جدًا تنتشر في الجو، وإذا كانت كثيفة تتسبب بارتفاع درجة الحرارة، وهو الأمر ذاته الذي يتسبب في احتباس حراري.
“يجب على الدولة معالجة هذه الظاهرة وفرض تشريعات تمنع الاحتطاب الجائر، وتعمل على توفير الغاز المنزلي للمواطن بأسعار مناسبة قبل أن ينتج عن هذه المشكلة كارثة بيئية كبيرة”.