كيف تحالف كلوب مع ريال مدريد لإسقاط ليفربول من دوري الأبطال؟

لا جديد يُذكر ولا قديم يُعاد، للمرة الـ11 في المواسم الـ13 الأخيرة، يتمكن ريال مدريد من حجز مقعده في قرعة الدور ربع النهائي لبطولته المفضلة في كل العصور دوري أبطال أوروبا، مكتفيا بانتصار اقتصادي على ضحيته الإنكليزية المفضلة في السنوات القليلة الماضية ليفربول، بهدف نظيف من إمضاء القائد كريم بنزيمة، في القمة الختامية لدور الـ16، التي استضافها ملعب «سانتياغو بيرنابيو» مساء الأربعاء الماضي، مؤكدا جديته في ملامسة الكأس الخامسة عشرة وأحقيته في الترشح لدور الثمانية، بما يُمكن وصفه بـ«استعراض قوة» على أحمر الميرسيسايد، بسداسية نكراء كانت قابلة للزيادة مقابل هدفين في مجموع مباراتي الذهاب والعودة.

ما قبل أحلام العصاري

كان الاعتقاد السائد قبل قمة الريال والريدز، أن المدرب يورغن كلوب، يملك في تشكيلته من المقاومات والجودة والخبرة ما يكفي، لتصحيح صورته المأساوية في ليلة السقوط بالخمسة بين الأنصار هناك في قلب «الآنفيلد»، ولعلنا لاحظنا الانتشار الهائل للمصطلح الشهير «الريمونتادا»، سواء في وسائل الإعلام العالمية أو مواقع التواصل الاجتماعي، والأمر لا يتعلق بالسمعة المخيفة التي رسمها آينشتاين المدربين الألمان لمشروعه في عملاق البريميرليغ، كفريق يحظى باحترام الكبير قبل الصغير في كل أرجاء المملكة المتحدة والقارة العجوز بأكملها، بعبارة أخرى فانه فريق «صعب المراس» ويصعب التكهن برد فعل لاعبيه في الليالي الكبيرة على وجه التحديد، على غرار ما حدث في الأسبوع قبل الماضي، بافتراس العدو الشمالي مانشستر يونايتد بسباعية غير مسبوقة في تاريخ مواجهات الكبيرين على مستوى الدوري الإنكليزي بمختلف مسمياته، لكن الجديد هذه المرة، كان الرهان على ما تُعرف بفصول الملكي الباردة «النادرة» في المسابقات الأوروبية، وتجلى ذلك في «النوستالجيا» الإعلامية لأشهر هزائم ملوك القارة في عقر دارهم «سانتياغو بيرنابيو»، بداية من الصدمة العالقة في الأذهان منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، حين فاز خارج قواعده على أودينسه الدنماركي بنتيجة 3-2 في ذهاب ثمن نهائي بطولة كأس الاتحاد الأوروبي (اليوربا ليغ حاليا)، وخسر بسيناريو كارثي بفارق هدفين في موقعة إياب «البيرنابيو» في آخر لحظات الوقت الأصلي، مرورا بكابوس العقد الماضي أمام شالكه الألماني في ثمن نهائي الأبطال في نسخة 2014-2015، عندما حسم كريستيانو رونالدو ورفاقه ذهاب «فيلتينس أرينا» بهدفين من دون رد، ثم في الإياب خطفوا بطاقة العبور إلى ربع النهائي بمعجزة كروية، في ليلة درامية كان بطلها ليروي ساني، الذي قاد الفريق لهزيمة نادي القرن برباعية مقابل ثلاثة، وربما لو امتدت المباراة لدقيقة أو اثنتين في الوقت المحتسب بدل من الضائع، لانتهت بكارثة مماثلة للهزيمة الأشهر في العصر الحديث أمام أياكس أمستردام بنتيجة 4-1 في إياب دور الـ16 نسخة 2018-2019.

وشملت أحلام وأمنيات جماهير ليفربول، أن يكرر فريقها نفس النتيجة التي حققها يوفنتوس في «البيرنابيو»، بالتقدم بثلاثية نظيفة حتى اللحظات الأخيرة من عمر الوقت المحتسب بدلا من الضائع، التي شهدت ركلة الجزاء التي سرق بها الدون بطاقة مواجهة ليفربول في نهائي 2018، أو على أقل تقدير محاكاة تشلسي ومانشستر سيتي، اللذين تذوقا طعم الفوز في أشهر ملعب كرة قدم في العالم، والسبب الجوهري وراء كل هذه الأحلام، أن فريق المدرب كارلو أنشيلوتي، يسير بخطى ثابتة إلى الوراء، مقارنة بالصورة التي كان عليها في نفس هذه الفترة من العام الماضي. وفي المقابل، من المفترض أنها ستكون فرصة العمر لمحمد صلاح وزملائه، لرد الصاع صاعين للميرينغي، بعد سلسلة الهزائم والعروض المحطمة لآمال المشجعين أمام النادي الأبيض على وجه التحديد، بما في ذلك التجرع من مرارة الهزيمة مرتين في المباراة النهائية، وبينهما هزيمة بنفس نتيجة نهائي كييف وإقصاء من ربع نهائي الموسم قبل الماضي، والأكثر قسوة وألما ما حدث في ذهاب «الآنفيلد»، لكن في النهاية لم تفلح محاولات العودة وتبييض ماء الوجه أمام الأوفياء الذين رافقوا البعثة في العاصمة الإسبانية، بهزيمة تقليدية للمرة الرابعة في آخر ستة مواسم، تحت حكم كلوب، بجانب الأداء الجماعي الباهت، الذي لا يعكس سوى التحضير المتواضع والقراءة غير الموفقة من قبل المدرب الباحث عن أعظم «ريمونتادا» في تاريخ اللعبة، كأنه شكل تحالفا مع نظيره الإيطالي كارلو أنشيلوتي، لقتل بصيص الأمل المتبقي لليفربول ولو بالعودة من مدريد بنتيجة تشفي صدور الغاضبين في الجزء الأحمر لمدينة نهر الميرسيسايد.

صيد سهل

كما أشرنا أعلاه، جُل الظروف كانت مهيأة لرؤية ليفربول بصورة مختلفة عما كان في «الآنفيلد»، حتى المشجع المدريدي البسيط، توقع أن تكون مباراة متكافئة على أقل تقدير، لكن ما حدث على أرض الواقع فاق توقعات عالم كرة القدم، بمشاهدة مباراة أقل ما يُقال عنها «من طرف واحد»، أو واحدة من سهرات الليغا السهلة، بطغيان للكاريزما والشخصية العدائية المعروفة عن الملكي في ليالي الثلاثاء والأربعاء الأوروبية، متفاديا هفوات أول 20 دقيقة عشية عيد الحب، بسيطرة وهيمنة على أم المعارك، بهدية لا تقدر بثمن من كلوب، الذي قرر فجأة المقامرة بخط الوسط، بالاعتماد على الثنائي جيمس ميلنر وفابينيو في الرسم التكتيكي 4-2-3-1، ظنا منه أن التطرف الهجومي، بالاعتماد على 4 لاعبين دفعة واحدة من أصحاب النزعة الهجومية محمد صلاح، وداروين نونييز، وديوغو جوتا وكودي خاكبو، أمام ثنائي الارتكاز، سيربك حسابات حامل اللقب، ويجعله تحت الضغط منذ الدقيقة الأولى، متناسيا أنه أمام منافس يعشق اللعب أمام الفرق التي تضغط من الثلث الأخير، في ظل وجود أسماء بجودة لوكا مودريتش وتوني كروس وثالثهما المتوهج كامافينغا، الذين تفننوا في ضرب مخطط كلوب، من وهم اللعب بالدارجة التونسية «الكل في الكل»، ومشاهد الحصار الأحمر للمارد الأبيض في مناطقه الدفاعية في أول ربع ساعة، أملا في أخذ الأسبقية واللعب على تسجيل هدفين فيما تبقى من المباراة، إلى كابوس استيقظ منه على أصوات القنابل والقذائف التي كان يتبارى كروس ومودريتش وكامافينغا في توجيهها نحو حامي عرين الضيوف أليسون بيكر، أبرزهم تلك التي سددها الصغير الفرنسي من على حدود منطقة الجزاء، وكادت تكسر عارضة الحارس البرازيلي. وكل ما سبق في كفة، والمباراة الساخرة بين فينيسيوس جونيور وترينت ألكسندر أرنولد في الجانب الأيمن لليفربول في كفة، بسلسلة من الغارات والإرهاب الكروي، تجلت في تنوع الحيل والمراوغات التي تعرض لها الدولي الإنكليزي أمام راقص السامبا، منها 4 مراوغات سهلة في أول 45 دقيقة، نفس عدد المراوغات التي سُجلت لباقي لاعبي الريال في نفس الشوط.

شاهد ما شافش حاجة

صحيح كانت هناك ومضات لصلاح ونونييز من حين الى آخر، أخطرها على الإطلاق التي تصدى لها الاخطبوط تيبو كورتوا في بداية المباراة، لكن بوجه عام، كانت مواجهة نسخة بالكربون من موقعة الذهاب، الفارق الوحيد، أن ريال مدريد تعامل معها على أنها مجرد 90 دقيقة تحصيل حاصل، بمعنى آخر، بدأ المباراة من حيث انتهى هناك في «الآنفيلد»، حيث تحكم في إيقاع ونسق المباراة، مع إيحاءات بالقدرة على التسجيل وهز الشباك في أي لحظة، خاصة من جهة أرنولد المستباحة، التي جاء منها هدف المباراة الوحيد، بهفوة دفاعية مشتركة بين المدافع الأيمن، وقلبي الدفاع فيرجيل فان دايك وكوناتي، بوقوفهما على مسافة بعيدة قبل لحظة الارتباك الدفاعي، التي انتهت بوصول الكرة على طبق من فضة أمام الجزائري الأصل بنزيمة، ليقتل المباراة إكلينيكيا في آخر 10 دقائق، وحدث ذلك، بعد خروج ليفربول من المباراة، بسبب التغييرات غير الموفقة للمدرب، بالدفع بالبرازيلي فيرمينو واليافع هارفي إيليوت والعائد من الإصابة أليكس أوكسليد تشامبرلين في أول ربع ساعة من الشوط الثاني. معها اختفت ملامح الفريق الإنكليزي الهجومية، بتحركات وأدوار غير مفهومة لصلاح وفيرمينو وخاكبو قبل استبداله في الدقيقة 90، تارة برؤية الفرعون في الجهة اليمنى، وأخرى في المهاجم الوهمي، وبالمثل خاكبو، لم يكن له دور واضح، أحيانا يتقمص دور صانع الألعاب، وأحيانا يظهر في مواقف هجومية في مركز الجناح الأيسر أو ينوب عن صلاح في الجهة اليمنى، حتى فيرمينو لم نشعر بوجوده أو تأثيره، وهذا يفسر حالة التفكك التي كان عليها هجوم ليفربول، خاصة في الشوط الثاني. والأسوأ على الإطلاق، اكتفاء المدرب بمشاهدة معاناة أرنولد أمام فينيسيوس، رغم أن كل من تابع المباراة في البث المباشر، لاحظ جيدا أن هدف الريال كان يُطبخ على نار هادئة من طريق أرنولد الصحراوي، حتى صديقي عوض المصري، الذي تعلق بالكرة العالمية من أجل صلاح، سألني أكثر من مرة «ايه حكاية الواد البرازيلي ده؟ وازاي كلوب ساكت كل الوقت ده؟»، أخبرته أنها جملة تكتيكية متفق عليها بين هذا الفيني وبنزيمة، لم تخب ظن الميستر كارليتو في هز شباك الخصوم منذ أول مباراة في إقصائيات الموسم الماضي أمام باريس سان جيرمان وحتى ليلة الخماسية، الاستثناء الوحيد كان في نهائي 2022، ورغم ذلك انتهى بهدف فينيسيوس الشهير، ولم تمض سوى دقائق تعد على أصابع اليد الواحدة، وإذ بالهدف الذي سجله كريم بالجملة المدريدية الكربونية، نزل كالماء البارد فوق رأس صديقي، ضاربا أخماسا بأسداس، مثل عشاق ليفربول وباقي خصوم الريال القاريين، الذين يعجزون عن فهم ما يحدث لفرقهم أمام ملك القارة، وما يفعله تشافي هيرنانديز من سحر، لترويض هذه القوة الغاشمة.

كلمة السر والتوابع

تبقى كلمة السر الأكثر وضوحا، التي يعول عليها مدرب برشلونة، لإحكام سيطرته على العدو الأزلي، في الاعتماد على رباعي خط دفاع بمواصفات متنوعة، أهمها الحدة والشراسة في افتكاك الكرة قبل أن يصل بها فينيسيوس جونيور إلى مناطقه المفضلة بالقرب من مربع العمليات، حيث تتفجر موهبته في المراوغة ولحظاته الإبداعية في مواقف لاعب ضد لاعب بالقرب من منطقة الجزاء، ونفس الأمر بالنسبة لفيدريكو فالفيردي أو رودريغو غوس في الجانب الأيسر، ما يؤثر بشكل سلبي على بنزيمة ويجعله يبدو شبه منعزل، خاصة في الأشهر الأخيرة الماضية، التي يكافح خلالها صاحب «البالون دور»، لاستعادة النسخة البراقة التي كان عليها الموسم الماضي، إلى جانب ذلك، استغلال أنصاف الفرص قبل الفرص المؤكدة، وتجنب إظهار أي نوع من أنواع التراخي أمام هذا الجيل المدريدي، كما قال بنفسه بعد الرباعية الشهيرة: «لا نعطيهم فرصة للعودة في النتيجة»، متبعا نفس السلاح المدريدي، بانتظار هدايا الخصم، وليس بممارسة الضغط على أول لاعب حامل للكرة في منتصف الملعب، لتفادي المساحات الشاغرة، التي يُحسن فيني استغلالها، بدعم سخي من صناع لعب بحجم مودريتش وكروس، وبالنسبة لكلوب، فيمكن القول إنه فعل نقيض روشتة المايسترو، باختيار تشكيلة أساسية وطريقة لعب تخدم مصالح المنافس وتبرز نقاط قوة مصادر قوته، كما شاهدنا الانتحار الكروي، بالبدء بأربعة مهاجمين في التشكيل الأساسي، وهذا في حد ذاته، يتناقض مع وصية تشافي، بعدم الاستهانة أو إظهار أي نوع من أنواع التراخي أو قلة الاحترام للملوك، ناهيك عن المساحات الشاغرة التي تسابق فالفيردي وفينيسيوس والقادمون من الخلف في استغلالها، لتصدير كل معاني الذعر الكروي للحارس أليسون المغلوب على أمره، كأفضل خدمة قدمها المدرب الألماني للعراّب الإيطالي، على طريقة المقولة المأثورة في المسلسل العربي «دموع في عيون وقحة»: «نشكركم على حُسن تعاونكم معنا»، لتتضاعف الضغوط والهموم على كلوب في المرحلة القادمة، بمواجهة شبح كارثة الموسم قبل الماضي، الذي خرج منه الفريق خالي الوفاض، وكان أفضل إنجازاته، انتزاع البطاقة المؤهلة لدوري أبطال أوروبا في الأمتار الأخيرة.

ومن مفارقات القدر، أن كلوب الآن لم يعد مطالبا سوى بإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، بإنهاء الموسم ضمن المراكز الأربعة الأولى المؤهلة للكأس ذات الأذنين، بينما الميستر كارليتو، ضرب عصفورين بحجر واحد، منها حافظ على الانطباع المخيف المحفور في أذهان المنافسين، عن الريال الأوروبي العظيم، ومنها أيضا لم يستنفذ كل أسلحته وطاقة اللاعبين، قبل ملحمة الكرامة والكبرياء أمام برشلونة، المقررة مساء اليوم على ملعب «كامب نو»، في كلاسيكو الجولة الـ26 للدوري الإسباني، بعد سقوط أنشيلوتي وفريقه 3 مرات في آخر 4 مباريات كلاسيكو أمام تشافي هيرنانديز وشبابه، بما في ذلك ليلة الإذلال الكبير بالخسارة بالأربعة في الدور الثاني الموسم الماضي في قلب «سانتياغو بيرنابيو»، وآخر هزيمتين في كأس السوبر الإسبانية وذهاب نصف نهائي كأس الملك، فقط يبقى الشيء الوحيد، الذي بالكاد يُعكر صفو أنشيلوتي في الوقت الراهن، ذاك الصداع المتفاقم من تكرار غياب بنزيمة بداعي الإصابة، وهذا يفقد الفريق أكثر من 50 % من قوته الهجومية التي كان عليها في موسم الرابعة عشرة، إلا إذا استمر مفعول هدايا كلوب وتأثير الدفعة المعنوية الأوروبية في كلاسيكو اليوم، لإحياء فكرة المنافسة على لقب الليغا بعد اتساع الفارق مع الغريم المتصدر لعشر نقاط كاملة، أما أي نتيجة أخرى، ستكون بمثابة الإعلان المبكر لعودة لقب الليغا إلى خزائن «كامب نو» للمرة الأولى في عصر ما بعد الأسطورة ليونيل ميسي.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى