دفعت الظروف القاسية المواطنة اليمنية “أم يونس” للخروج إلى العمل، والالتحاق بالفرصة الوحيدة التي أتيحت لها، بعد بحث مضنٍ، كعاملة تنظيف في أحد المباني السكنية، الذي يتكون من 4 طوابق، تقوم هذه المرأة بتنظيفها مرتين في الأسبوع، مقابل أجر زهيد يصل إلى حد الامتهان لامرأة اضطرتها الحاجة للجمع بين هذا العمل الشاق، ومختلف الأعمال المنزلية، لإعالة أطفالها الخمسة الذين توفي والدهم منذ نحو 3 سنوات.
وتقول “أم يونس”، التي تبدو في نهاية العقد الرابع من عمرها، من سكان صنعاء، لـ”العربي الجديد”، إنها تقوم بشطف مداخل العمارة وممراتها في كل طابق بالماء والصابون، مقابل مبلغ لا يتعدى 2000 ريال يمني، واضطرارها لقبول ما يجود به السكان الذين يمرون أثناء تأدية عملها.
أما الخمسينية “نعمة”، فتتوجه بعد القيام بالأعمال المنزلية الصباحية وتجهيز وجبة الإفطار لزوجها وأولادها، الذين يصل عددهم إلى 6 أفراد، إلى الشوارع والأحياء للبحث عن المواد البلاستيكية والمعدنية والتقاطها وتجميعها وبيعها لورش ومعامل الخردة، إذ لا يزيد ما تحصل عليه بحسب حديثها لـ”العربي الجديد”، عن 1200 ريال في اليوم، بعد خضوع الكمية التي تجمعها للوزن من قبل الجهة التي تشتريها منها.
وتتركز معاناة المرأة في اليمن كما يرصد “العربي الجديد”، بالمناطق الريفية، والتي تتحمل فيها المرأة مختلف الأعمال المنزلية الشاقة، وفي جلب الماء والأعمال في الحقول الزراعية.
ويعيش اليمن على وقع أكبر أزمة إنسانية على المستوى العالمي، كما تصفها الأمم المتحدة، مع انتشار الفقر والبطالة وتضخم تحديات سوق العمل التي تواجه أهم الفئات المجتمعية كالمرأة على وجه التحديد، دون القيام بأي معالجات وإجراء إصلاحات عمالية موجهة تستهدف أضعف الشرائح السكانية في سن العمل.
ويظهر آخر تقرير عن القوى العاملة في اليمن، صادر عن منظمة العمل الدولية، والجهاز اليمني المركزي للإحصاء، تراجع المشاركة في قوة العمل وازدياد معدل البطالة، لاسيما في صفوف النساء والشباب.
وتكشف نتائج أول مسح للقوى العاملة في اليمن، والذي تم الإعلان عنه بداية الحرب الدائرة في اليمن عام 2015، أن نسبة العاملات من أصل جميع اليمنيات في سن العمل تبلغ 4.5% فقط، في حين يصل معدل بطالة المرأة إلى 26.1%، بما يفوق ضعفي معدل بطالة الرجل 12.3%، بينما تكسب المرأة في اليمن وسطياً 40 ألف ريال يمني شهرياً، مقارنةً بـ53 ألف ريال للرجل و52.5 ألف ريال كمعدل وطني.
في السياق، تقول الوزيرة السابقة في الحكومة اليمنية نادية السقاف، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن ما تواجهه المرأة اليمنية خلال الفترة الحالية أكثر مما كانت تواجهه في السابق، مع انعدام الأمن والاستقرار وغياب العائل، إذ تحولت عملية استمرارها في الحياة إلى تحدٍ، بالنظر إلى ما تقاسيه وتواجهه من تضييق في المجتمع.
وتضيف أنه بالرغم من خروج المرأة اليمنية إلى سوق العمل لكن لا تزال مطلوبة منها تأدية الأعمال المنزلية من تنظيف وطبخ وتربية الأطفال، ناهيك بأن المرأة تشعر بالذنب في حال قصرت تجاه زوجها وأولادها وذلك بسبب انعدام المؤسسات التي تساعدها على إيجاد هذا التوازن.
ويصل معدل مشاركة المرأة اليمنية في القوى العاملة إلى نحو 6% من إجمال معدل المشاركة الكلي في القوى العاملة الذي يبلغ 36.3%، منها 65.4% معدل مشاركة الرجل، وحوالي 25.8% معدل مشاركة الشباب.
تؤكد أستاذة الاقتصاد بجامعة صنعاء حنين العبسي، لـ”العربي الجديد”، أن المرأة العاملة في اليمن “تواجه تحديات كبرى أمام رغبتهن في تحقيق ذواتهن من خلال العمل واستقلالهن المادي، وتبدأ هذه التحديات من داخل الأسرة بدرجة رئيسية”.
وبالرغم من الضغوطات التي تتلقاها فهي لم تكتف بالتحديات التي تواجهها في المنزل، حيث يقع على عاتقها، بحسب العبسي، ذنبها أنها امرأة، فهذا عذر كافٍ أمام أصحاب الأعمال لكي يقدروا ويثمنوا عملها وتعبها برواتب زهيدة لا صلة لها بالعدالة الاجتماعية، منتهكين حقوقها المادية.
وأشارت إلى نظرة المجتمع للمرأة على أنها لا يصح تواجدها إلا في المنزل وعليها أن تبقى فيه بحجة أنها أكثر نفعاً وكفاءة من أن تعمل مثلها مثل الرجل خارج المنزل، لكنها بالرغم من كل ذلك تثابر وتكافح من أجل كسب العيش وصمودها أمام كل هذه التحديات.
ويقدر متوسط ساعات العمل أسبوعياً في اليمن، وفقاً لمسح منظمة العمل الدولية، بنحو 44 ساعة، منها 34 ساعة متوسط عمل المرأة و45 ساعة لكل من الرجال والشباب.
وتمثل النساء في اليمن بحسب دراسات اقتصادية اطلعت عليها “العربي الجديد”، نسبة عالية تصل إلى حوالي 51% من إجمالي الفقراء، في حين يقدَّر عدد الأسر التي تعيلها نساء بنحو 141.8 ألف أسرة في الحضر، و271 ألف أسرة في الريف.
بدورها، ترى الباحثة الاقتصادية والناشطة في مناصرة قضايا النساء في اليمن، كوكب الذيباني، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هناك تحديات مزدوجة تواجهها المرأة في اليمن من ناحية كونها امرأة وأيضاً عاملة، إضافة إلى ما ألقته الحرب من أعباء على كاهلها، كما تقف عقبات عديدة أمامها في سوق العمل، بالإضافة إلى التمييز في المناصب والترقيات.
ويعتبر تقرير صادر عن مركز صنعاء للدراسات، أن معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة باليمن تعد من أدنى المعدلات على مستوى العالم، وقد أدى الانهيار الاقتصادي الناجم عن الصراع الجاري إلى تدمير هيكل سوق العمل في اليمن، إذ تشير البيانات المتاحة إلى أن النساء العاملات تضررن عموماً جراء الصراع أكثر من أقرانهن من الرجال.
ويشير إلى أن الشركات المملوكة للنساء كانت أكثر تضرراً من الشركات المملوكة للذكور مع بداية الحرب في اليمن عام 2015، بالرغم من أن عدد الشركات المتضررة فعلاً أقل بكثير، حيث إنها كانت تمثل 4% فقط من جميع الشركات قبل الصراع الدائر في البلاد، في حين أن 26% من الشركات في قطاعات التجارة والخدمات والصناعة قد أغلقت بحلول عام 2015، وقد ارتفع هذا المعدل إلى 42% بين الشركات المملوكة للنساء.
متابعات