“الخروج من ظل صلاح إلى البطل الخارق”.. رحلة النني في أرسنال

“عام آخر مع مو”.. هكذا أعلن نادي أرسنال الإنجليزي تجديد تعاقده مع المصري محمد النني، لاعب وسط الفريق، لمدة موسم آخر، ليستمر مع الفريق اللندني حتى عام 2024.

وستستمر رحلة محمد النني مع أرسنال لتصل لعامها الثامن، إذ انضم لاعب الوسط لصفوف الغانرز عام 2016، في رحلة لعب خلالها 155 مباراة في جميع المسابقات، وسجل 6 أهداف وصنع 10 آخرين.

لكن ما الذي يدفع إدارة أرسنال للإبقاء على النني ليصبح اللاعب الأطول بقاءً بين المتواجدين في صفوف الفريق حاليا، رغم أنه ليس لاعبا أساسيا في صفوف المدفعجية؟.

سر اختيار فينغر

اختار أرسن فينغر، أسطورة تدريب أرسنال، صاحب دوري اللا هزيمة التاريخي، النني بين نظرائه في أوروبا، لينضم لصفوف المدفعجية في صيف 2016 قادما من نادي بازل السويسري، في صفقة قدرت وقتها بـ 12.5 مليون يورو (7.4 مليون جنيه إسترليني).

وعلل وقتها فينجر اختيار النني في 3 أسباب، أولها أنه “لم يأت من مصر مباشرة للعب في نادي كبير، وإنما كان هناك وسيطا وهو بازل الذي منحه خبرة اللعب في الدوريات والبطولات الأوروبية، وبالتالي لن يحتاج وقتا للتأقلم”.

كما أبرز فينغر وقتها صغر سن النني، إذ كان يبلغ من العمر 23 عاما، وهو عمر مناسب للاعب في وسط الملعب، ولديه إمكانيات للعب في مركز وسط المدافع، وكذلك مركز “بوكس تو بوكس” ليساهم في الزيادة الهجومية، واصفا إياه بـ”اللاعب متنوع القدرات”.

وأضاف في وصف النني أنه “ذكي، ولاعب تكتيكي، ولديه رؤية جيدة، ومنضبط سلوكيا، وإمكانياته البدنية تؤهله للعب على مستويات عالية، ولديه قدرة على التحمل، ورشيق، ويلعب من لمسة واحدة، فقط ما يحتاجه هو التكيف مع أجواء الدوري الإنجليزي”.

فينجر قبل أن يختار النني تابعه لمدة سنة كاملة في مبارياته مع بازل، وشاهد تطوره سواء في الدوري والمساهمة في تتويج بازل، أو الدوري الأوروبي.

اللعب من لمسة واحدة كانت أبرز سمات النني، إذ كان بين اللاعبين أكثر تمريرا للكرة بطريقة صحيحة في بطولة الدوري الأوروبي، وهي أبرز الأسباب التي دفعت فينغر للقتال من أجل جلبه، إذ صرح مدرب أرسنال وقتها بأن الصفقة “معقدة”.

“عامان في ظل صلاح”

صحيفة غارديان الإنجليزية، عنونت وقت إعلان أرسنال ضم النني، خبرها: “أرسنال يضم لاعب الكرة الذي لا يعرف الملل، والذي نام مع الكرة”.

وسردت وقتها الصحيفة في يناير 2016 مشوار النني، قائلة: “حين انضم لبازل كان يعيش في ظل صديقه محمد صلاح، حيث لعبا سويا مع بطل سويسرا”.

وأضافت: “كان الشعور الذي يسيطر وقتها عليه هو الخوف، كان هادئا وخجولا وسط زملائه، قبل أن يُفعل النادي السويسري بند الشراء من (المقاولون العرب) بعد 6 أشهر، لينضم بصفة نهائية”.

وجاءت لحظة “خروج النني من قوقعته”، بعد رحيل صلاح إلى تشيلسي في يناير 2014، ليبدأ وقتها النني في الحديث مباشرة مع زملائه، لتتحسن لغته الإنجليزية ويندمج سريعا بعد عامين من العيش في سويسرا، لتكون نقطة الانطلاق والخروج من ظل صلاح.

“معدل عمل النني، وافتقاره إلى الأنا”، ساهمت بشكل كبير في حب أي مدرب له، فكان دائم الهروب من أضواء المدينة في بازل، حيث عاش في برج سكني طويل تابع للنادي في مجمع ستاد سانت جاكوب، معقل نادي بازل.

هدفا النني مع بازل في شباك فيورنتينا في دور المجموعات من الدوري الأوروبي مع نهاية عام 2015، زينا مسيرته ووضعا قدميه ضمن الأفضل أوروبيا، إذ سجل ذهابا وإيابا بتصويبتين من خارج منطقة الجزاء، ليتلقى بعدها العرض اللندني.

ورغم خروجه من ظل صلاح، فإن اسم نجم ليفربول ظل يطارده مع لاعبي أرسنال، فسخر منه تشامبرلين بعد أحد المباريات، قائلا: “محمد صلاح هو ملك مصر بالتأكيد”.

النني “يكسب الرهان دائما”

لم يظهر مرة النني للرد على الانتقادات، قائلا: “أجعل دائما ردي في عملي”.. كان ذلك تصريحه في حديثه مع أحمد حسام ميدو لاعب أياكس وتوتنهام والمنتخب المصري السابق ومقدم البرامج حاليا.

تلقى النني سخرية من ميدو “محاوره لاحقا”، بأن سويسرا مشهورة بالشوكولاتة والساعات وليس كرة القدم، ليرفض التعقيب على ذلك، وحين سُئل عن أفضل المحترفين المصريين في التاريخ، اختار ميدو ضمنهم.

كذلك هاجمه رضا عبد العال، محلل كرة القدم الشهير بسخريته من اللاعبين، إلا أن النني اعتبر اختياره في التشكيل المثالي لكأس الأمم الإفريقية يناير 2022 في الكاميرون، هو الرد المثالي.

ميدو كان دائم الهجوم على النني، واعتبر أن وجوده “عائق” لهيكتور كوبر، المدير الفني لمنتخب مصر وقت كأس الأمم الإفريقية 2017، مصرحا وقتها: “سأسأل فينغر عن دوافعه لاختيار النني والإبقاء عليه في أرسنال”.

وبالفعل، صرح ميدو بعدها بأن فينغر أجابه: “النني هو لاعب مهم للمجموعة، يأتي مبتسما دائما حتى لو لم يشارك في المباريات، ويؤدي في تدريبه بنسبة 100 بالمئة”.

ورغم أن النني ينال انتقادات بسبب أدائه مع منتخب مصر، فإنه أحد أكثر لاعبي جيله مشاركة منذ تم تصعيده للمنتخب الأول عام 2011، مع 8 مدربين مختلفين تناوبوا على مهمة تدريب المنتخب، حيث شارك في 91 مباراة دولية، وله 8 أهداف.

دوافع النني للبقاء

رغم مشاركاته القليلة مع أرسنال، فإن النني يجد فريقه اللندني مكانا مناسبا للعب، قائلا: “أشعر دائما أنني أستطيع اللعب ضمن الـ11 لاعب الأساسيين، لن أعاند، ولدي مستوى متكافئ مع زملائي”.

وأضاف: “حين خرجت من حسابات أوناي إيمري المدير الفني لأرسنال عام 2019، خرجت لمدة موسم للإعارة إلى نادي بيشكتاش”.

وبعد تجربة بيشكتاش، كان اللاعب المصري خارج حسابات ميكيل أرتيتا، المدير الفني الجديد لأرسنال.

والتحق النني بمرحلة إعداد الفريق حتى البت في العروض المقدمة واختيار الأنسب بينها، لبدء مرحلة جديدة، لتحمل له الفترة التحضيرية للموسم الجديد أخبارا سارة، إذ لعب مباراة ودية وسجل هدفا، قبل أن يشارك أساسيا في مباراة الدرع الخيرية أمام ليفربول ويساهم في تتويج المدفعجية باللقب، ليخبره أرتيتا بأنه “الآن أصبح ضمن حساباته، ولن يرحل عن صفوف الفريق”.

النني علق على ذلك قائلا: “أن تقنع أرتيتا مساعد بيب غوارديولا السابق، أفضل مدرب في العالم، ومدرب أرسنال الحالي، أحد أكبر أندية العالم، وتغير وجهة نظره فإنه ليس أمرا سهلا”.

ماذا يجد أرسنال في النني؟

وبالرغم من المشاركات القليلة، فإن أرسنال وأرتيتا اختارا بقاء النني، وعن هذا قال اللاعب: “نادي أرسنال يرى أن وجودي مهم في غرف الملابس، وهو شيء مهم جدا لأرسنال، أستطيع تجميع اللاعبين، وهو دور كبير”.

وأضاف: “أحاول دائما مساعدة الفريق. أنا أحب أرسنال، وأحب أن أمنح كل شيء وأساعد للفريق سواء لعبت أساسيا أو كنت بديلا”.

وظهر ذلك خلال الفيديوهات التي يبثها أرسنال عبر منصاته، فيظهر النني دائما مبتسما ومرحا مع زملائه، ووصل لدرجة من التكيف وبناء علاقات قوية مع اللاعبين والمسؤولين داخل النادي.

“النني الخارق”

مشاركات النني دائما مع أرسنال كانت تحمل لقطات مضيئة، ففي نوفمبر 2020 بعد عودة النشاط بسبب تفشي فيروس كورونا، ظهر النني في حالة بدنية رائعة، أمام مانشستر يونايتد على ملعب أولد ترافورد، في المباراة التي انتهت بفوز أرسنال بهدف نظيف.

ضغط النني بطريقة مبدعة بينما دقائق المباراة تشير للدقيقة 92، ورغم لعبه أساسيا وركضة المتواصل على مدار دقائق المباراة، فإنه واصل إظهار براعته ولياقته المعتادة، ليضغط على لاعبي يونايتد في الدقيقة 91 ويجبرهم على فقدان الكرة، في لقطة أيقونية بمسيرة اللاعب الهادئ.

وعنونت الصحف الإنجليزية وقتها على تلك اللقطة، بـ”النني الخارق”، بسبب مساهمته البارزة في فوز أرسنال أمام يونايتد على ملعبه لأول مرة منذ 14 عاما.

“محترف لا يصدق”

“محترف وزميل لا يصدق، اللاعبون يحبون مثل ذلك اللاعب المتكامل في كرة القدم”، كانت تلك العبارات التي أثنى بها داني سيبايوس، لاعب وسط أرسنال على زميله في الفريق، والذي شارك آخر 10 ثوان في مباراة فريقه أمام ويستهام، ولم يعتبرها إهانة.

لاعب المدربين المفضل

دائما ما حظي النني بتقدير جميع المدربين الذي أشرفوا على تدريبه، وفي حديث تليفزيوني سابق يقول اللاعب: “دائما أسمع كلام المدرب، وأنظر في عينه، وأستمع لكل التفاصيل لأتعلم منه، لذلك جميع المدربين يحبوني”.

وتابع: “إصاباتي في الملاعب قليلة، وأنام جيدا، وأشرب مياه دائما. التفاصيل الصغيرة تصنع الفرق، خاصة في الاستشفاء”.

واستطرد: “أبحث دائما عن الحلم والمثابرة. أخبرت صحفي خلال لعبي في (المقاولون العرب) أن حلمي اللعب في برشلونة، تركني ورحل، والحمد لله نجحت ولعبت في أرسنال أحد أكبر فرق العالم”.

المثابرة جينات ورثها النني من والدته، التي قطعت عشرات الكيلومترات باستخدام وسائل المواصلات العامة 3 مرات أسبوعيا، من أجل حلم طفلها البالغ من العمر 6 سنوات.

ولم ييأس النني ناشئ الأهلي بعد رحيله، بل انتقل للتألق في صفوف ناشئين (المقاولون العرب)، قبل أن يتم تصعيده للفريق الأول ليبدأ رحلته الاحترافية.

النني لا يورط نفسه

المثل المصري الشهير “من خلف سلم”، ربما يكون أحد أسباب عدم سقوط النني في الاختبارات، إذ يبحث دائما عن منطقة الأمان، فرفض تسديد ركلات الترجيح في نهائي كأس الأمم الإفريقية مع المنتخب المصري أمام السنغال.

وشرح النني دوافعه: “أسدد ضربات الترجيح جيدا، لكني لا أستطيع أن أكون السبب في خسارة فريقي أو منتخب بلادي.. لعبت مرتين مع أرسنال ضربات ترجيح وسددت وأضعتهما، لكن كنت أشعر مع المنتخب أنني سأموت لأنني أعلم أهمية البطولة لنا ولـ110 ملايين مصري، لا أستطيع أن أكون سببا في الخسارة”.

النني شارك هذا الموسم في 8 مباريات، بإجمالي دقائق 352 دقيقة، سجل خلالهم هدفا وحيدا في شباك أوكسفورد يونايتد ببطولة كأس الاتحاد الإنجليزي، قبل أن يعلن النادي الإنجليزي غيابه لنهاية الموسم بسبب الإصابة، ليكون موعد عودته الموسم المقبل، لاستكمال تجربته الاستثنائية مع نادي أرسنال.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى