سوق الأسمدة.. سلاح “النفوذ” الروسي والدول الفقيرة تدفع الثمن

بقيت شحنة من 20 ألف طن من الأسمدة الروسية محاصرة لعدة أشهر في ميناء روتردام الهولندي، إلى أن أن نجحت وساطة للأمم المتحدة في تحريرها أخيرا من أجل إيصالها لملاوي. 

لكن هذا التأخير أدى إلى زيادة معاناة الفئات الأكثر عرضة للخطر في الدولة الأفريقية الفقيرة. ومن المتوقع أن يواجه حوالي 20 في المئة من سكان ملاوي انعدام أمن غذائي حاد خلال “موسم الجفاف” حتى مارس، ما يجعل استخدام الأسمدة لزراعة المحاصيل أمرا مهما.

وملاوي واحدة من 48 دولة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية حددها صندوق النقد الدولي على أنها الأكثر عرضة لخطر صدمة تكاليف الغذاء والأسمدة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا.

وبعد مرور نحو عام على الحرب في أوكرانيا، ترى الأمم المتحدة أن الاضطرابات التي تواجه أسواق الأسمدة العالمية تمثل خطرا رئيسيا على توافر الغذاء في عام 2023.

استخدام مغذيات النيتروجين في العالم
استخدام مغذيات النيتروجين في العالم

وأصبح المجتمع الدولي يدرك بشكل أكبر أن اعتماده على عدد قليل من الدول فقط، لإتاحة معظم الأسمدة في العالم، يدق ناقوس الخطر، وأن المدخلات الزراعية تعتبر أحد المحددات الرئيسية للأمن الغذائي، بحسب وكالة بلومبيرغ.

وتشير الوكالة إلى أن هذا دفع العديد من الدول في أنحاء العالم، إلى وضع هذا الأمر في صدارة أجندتها السياسية.

ويحذر قادة من هذه المشكلة في تعليقاتهم. من بينهم الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، الذي حذر خلال قمة مجموعة الـ20 التي استضافتها بلاده في نوفمبر الماضي، من “عام أكثر كآبة، إذا لم يتم اتخاذ خطوات فورية لضمان توافر العناصر الغذائية بأسعار معقولة”.

وتعهد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في ديسمبر، بتركيز الجهود على “نزع الطابع السياسي” عن إمدادات الأسمدة العالمية، “حتى لا تؤدي التوترات الجيوسياسية إلى أزمات إنسانية”.

وأبرزت أزمة العام الماضي في صناعة الأسمدة العالمية، البالغة 250 مليار دولار، دور روسيا وبيلاروس بالنظر إلى أنهما تصدران ما يقرب من ربع جميع أسمدة العالم.

ورغم أن المنتجات الزراعية الروسية، بما في ذلك الأنواع الثلاثة الرئيسية من الأسمدة، البوتاس والفوسفات والنيتروجين، غير متضمنة في العقوبات الغربية، لاتزال الصادرات مقيدة بسبب اضطرابات الموانئ والشحن والخدمات المصرفية والتأمين، وهو ما حدث مع الشحنة الروسية التي حوصرت لأشهر في ميناء روتردام الهولندي.

وأدى اضطراب السوق إلى ارتفاع الأسعار، في الصيف الماضي، ما أدى إلى تخزين الأسمدة من قبل أولئك القادرين على تحمل تكلفة الأسمدة، ومعاناة  الدولة الفقيرة التي لديها إمدادات محدودة.

ورغم انخفاض التكاليف، منذ ذلك الحين بشكل كبير، إلا أنها لا تزال أعلى من مستويات ما قبل الوباء.

الأسعار انخفضت لكنها لا تزال مرتفعة عما كانت قبل الحرب الروسية على أوكرانيا
الأسعار انخفضت لكنها لا تزال مرتفعة عما كانت قبل الحرب الروسية على أوكرانيا

وتفاقم الوضع بسبب العقوبات المفروضة على بيلاروس، الدولة العملاقة من مخزون البوتاس إلى جانب قرار الصين، المنتج الرئيسي للأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية، بفرض قيود على الصادرات لحماية الإمدادات المحلية، وهي قيود لا يرى المحللون رفعها حتى منتصف عام 2023، على الأقل.

وحذر بنك التنمية الأفريقي من أن هذه الإجراءات قد تعني انخفاضا بنسبة 20 في المئة في إنتاج الغذاء في العالم.

ويرى برنامج الأغذية العالمي أن العالم النامي معرض لخطر “أزمة كبيرة في توافر الغذاء”، مشيرا إلى أن أزمة الأسمدةن بالإضافة إلى الصراعات والظروف المناخية التي قد تهز العالم وتقلبه رأسا على عقب.

وأنشأت منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة، أداة لتعقب التجارة، العام الماضي، أظهرت أن العديد من المستوردين في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى يعتمدون على روسيا في استيراد أكثر من 30 في المئة من جميع مكونات الأسمدة الرئيسية الثلاثة.

وأصبح الإنتاج الزراعي المزدهر لدولة مثل “بيرو، معرض للخطر، بسبب قلة الأسمدة التي تستطيع استيرادها من الخارج.

وأدى السباق للحصول على إمدادات الأسمدة إلى ظهور جهود لتشجيع الاكتفاء الذاتي.

لكن المحاولات الدولية لزيادة إنتاج الأسمدة غير كافية حتى الآن، حيث لا تزال الإمدادات ذات الأسعار المعقولة لا تصل إلى دول عديدة من بينها ملاوي، التي تعتمد على التبرعات.

وأقر رئيس ملاوي، لازاروس شاكويرا “بالتحديات التي تواجه الحصول على الأسمدة”، ووعد بأن الحكومة تبذل قصارى جهدها لاسترداد الأموال.

لكن المزارع من قرية تشيكوسا، قرب ليلونغوي، عاصمة ملاوي، موسيس ميكاييلي، لا يرى “أملا” في تلقي الأسمدة المدعومة التي وعدت بها الحكومة، حيث أصبحت الأسعار خمسة أضعاف السعر الذي تعهد به الرئيس و14 ضعف السعر في عام 2021.

وهذا أمر بعيد المنال بالنسبة لمعظم الناس في هذه الدولة الفقيرة، التي أصبح المزارعون فيها يلجؤون إلى القمامة والتربة وروث الخنازير لنثرها على الذرة. ويقول ميكاييلي: “بدون استخدام الأسمدة، لا يمكننا حصاد أي شيء”، مضيفا أن هذه الحيل لا تفي بالغرض “لا يزال وضعنا مريعا”.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى