جاء العام الجديد سيء الطالع على الريال اليمنيّ، الذي سقط صريعًا من الأيام الأولى من كانون الثاني/يناير. فمع مساء الخميس الماضي جرى تداول الريال عند 1300 ريال للدولار في عدن والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها مقابل 1260 ريالا في الأسبوع الماضي مع مخاوف من استمرار التدهور مع استمرار الحرب الاقتصادية التي اشتدت أوارها بين أطراف الصراع عقب تعثر تجديد الهدنة في الثاني من تشرين الأول/اكتوبر.
وبدأ الريال اليمنيّ يسجل تدهوراً منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر عقب حديث رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن حكومته لن تكون قادرة على دفع رواتب موظفي القطاع العام بسبب هجمات الحوثيين التي حالت دون تصدير النفط.
وكان الريال قد شهد تحسنًا منذ نيسان/ابريل مع دخول الهدنة، التي رعتها الأمم المتحدة، حيز التنفيذ، حيث استعاد الريال اليمني أكثر من عشرة في المئة من قيمته، لاسيما مع إعلان السعودية والإمارات المساهمة بثلاثة مليارات دعماً للاقتصاد اليمني (ملياران على هيئة وديعة ومليار على هيئة مشاريع تنموية).
وأدت الموجة الأخيرة من انخفاض قيمة العملة في اليمن إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبنزين وغيرها من الاحتياجات الأساسية، وفي مقدمتها الحبوب والخضروات، مما تسبب في تفاقم مأساة الوضع الإنساني الكارثي في البلاد. والمشكلة أن ارتفاع الأسعار مستمر في إشارة إلى مدى تخوف التجار من استمرار التدهور في قيمة الريال خلال هذه الأيام، وبالتالي ان الوضع يذهب إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والمعيشي في حال لم يتم تدارك الوضع بمعالجات اقتصادية عاجلة، وهو أمر لا يتوقع أن يتم في القريب المنظور.
ونقلت تقارير شكاوى أبناء مدينة عدن وتذمرهم الشديد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضروات خلال الأيام القليلة الماضية بشكل غير منضبط؛ وهو ما يهدد بنتائج خطيرة على الصعيدين المعيشي والإنساني، لاسيما وأن متوسط الراتب العمومي لا يتجاوز 200 دولار، في الوقت الذي وصلت فيه ايجارات الشقق إلى ضعف هذا المبلغ للشقة الواحدة، علاوة أن المؤجرين صاروا يطلبون الإيجارات بالريال السعودي.
سياسات خاطئة
يقول ذو يزن مخشف، سكرتير تحرير يومية الأيام الصادرة بعدن: “معاناة الناس في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها في عدن وفي الجنوب وغرب البلاد تمر بمرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد”.
وأضاف لـ”القدس العربي”: “يبدو أن تدهور الأسعار سيأخذ بالوضع المعيشي والاقتصادي إلى مناحي خطيرة، في ظل استمرار أسباب تهاوي العملة المحلية، ومنها المرتبط بسياسات محلية خاطئة للبنك المركزي، وتسيب الحكومة، وفقدانها ثقة المواطن”.
“يبدو أن العام الجديد لا يحمل معه تباشير أي انفراجة في أزمة اليمن، فلا بارقة أمل على تحسن الوضع المعيشي، وعلى العكس تتفاقم معاناة الناس، مع الفشل الحكومي وتضارب سياسات البنك المركزي، فمثلاً مزادات بيع العملة التي يطرحها البنك أسبوعيًا لم تؤت ثمارها على الرغم من رفعها إلى 50 مليون دولار” يوضح مخشف.
“تراجعت قيمة العملة الوطنية، واقتربت من 1300 ريال للدولار الواحد، – يتابع – وقد زاد ذلك من قلق المواطنين مع بدء موجة أسعار مرتفعة جديدة طرأت على معظم السلع الغذائية، في المقابل يرفض التجار، في بعض المناطق، البيع بالعملة المحلية، ويطالبون الدفع بالريال السعودي، كل هذا وسط غياب شامل لأجهزة الضبط والرقابة الحكومية وتنامي الفساد”.
الحرب الاقتصادية
في قراءته للأسباب الكامنة وراء تدهور قيمة العملة الوطنية، يقول مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي: “تراجع قيمة العملة الوطنية؛ وهو تراجع متوقع، بعد تداعيات الحرب الاقتصادية الأخيرة، والتي أبرز معالمها توقف تصدير النفط في مناطق سيطرة الحكومة في محافظتي شبوة وحضرموت، حيث كانت عائدات بيع النفط تمثل المصدر الرئيس للنقد الأجنبي ووسيلة البنك المركزي لإدارة السياسة النقدية”.
ويستطرد نصر لـ”القدس العربي”: “العامل الثاني الذي يقف وراء ذلك يتمثل في تأخر استخدام الوديعة السعودية الإماراتية…علاوة على التصريحات الرسمية التي صدرت بعدم الوصول إلى اتفاق بشأن تجديد الهدنة، وما تلا ذلك من إجراءات علاوة على اشتداد الأزمة بين البنك المركزي في عدن والبنك المركزي في صنعاء. كل ذلك ألقى بظلاله على استقرار العملة”.
من الطبيعي أن تمر العملة الوطنية في مناطق الحكومة المعترف بها بحالة تدهور نظرًا – حسب الصحافي الاقتصادي اليمني، عبدالحميد المساجدي “لتردي المقومات الاقتصادية، وتقلص حجم الإيرادات مع توقف صادرات النفط والغاز منذ أكثر من شهر بعد استهداف جماعة الحوثي لمنشآت تصدير النفط في حضرموت وشبوة، وتحذيرها لسفن وناقلات النفط من دخول موانئ التصدير”.
وأشار المساجدي إلى ما اسماه “عشوائية العمل الحكومي وفشله وعجزه في إجراء أي إصلاحات اقتصادية لحشد الموارد وترشيد النفقات؛ الأمر الذي تسبب في حرمان البلد من المنحة السعودية الإماراتية، التي تم الإعلان عنها عقب اتفاق نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي في نيسان/ابريل 2022″.
وأضاف لـ”القدس العربي”: “نحن نتحدث عن توقف موردين مهمين طالما استفادت منها الحكومة خلال السنوات الماضية، وهما المنح والإعانات وعائدات تصدير النفط والغاز، وما رافقه من تعمد حكومي للعمل بدون موازنة تنظم النفقات وتحشد الموارد، وبالتالي فبكل تأكيد فإن الانهيار حالة حتمية في حال استمرت هذه العوامل كما هي عليه”.
وأردف الصحافي المساجدي: “ومع توقف الموارد سيرتفع عجز الموازنة وبالتالي أما أن الحكومة ستشهد شللاً في القيام بالتزاماتها أو ستلجأ لتغطية العجز من خلال طباعة العملة؛ وبالتالي فإن العملة الوطنية ستشهد مزيدًا من التدهور، وستنخفض القوة الشرائية للريال اليمني، وما سيرافقه من صعوبات تمويلية لمستوردي السلع؛ وبالتالي ارتفاع كلفة الاستيراد، وهما عاملان سيؤديان إلى ارتفاع أسعار السلع”.
وبدأ الحوثيون مهاجمة موانئ تصدير النفط في حضرموت وشبوة (شرق) مناطق سيطرة الحكومة، منذ منتصف تشرين الأول/اكتوبر، لدفع الحكومة على تقاسم عائدات النفط ودفع مرتبات موظفي القطاع العام في مناطق سيطرتهم، الذين لم يستلموا مرتباتهم منذ آب/اغسطس 2016م.
وتراجعت قيمة الريال اليمني مع بداية الحرب من 215 إلى 250 ريالا مقابل الدولار، لكن التدهور الناجم عن الحرب المستعرة منذ ثماني سنوات أوصل سعر الدولار إلى 1700 ريال في كانون الأول/ديسمبر عام 2021.
وكانت تقارير الأمم المتحدة أواخر عام 2022 قد حذرت من تدهور في المستويين الاقتصادي والمعيشي في اليمن خلال العام 2023 نتيجة عدم وجود بوادر لسلام يؤدي لتسوية شاملة مع إصرار أطراف الصراع على تقديم تنازلات تفضي إلى السلام.
وحسب الأمم المتحدة فان 80 من اليمنيين، البالغ تعداد سكانهم 32.6 مليون نسمة، بحاجة للمساعدات.
وفيما يتعلق بقيمة الريال مقابل الدولار في مناطق سيطرة الحوثيين فهي مقدرة بـ 560 ريالا للدولار، فيما يشمل الوضع الإنساني الكارثي عموم مناطق البلاد.
متابعات