تتطلع صناديق الثروة السيادية في الخليج، إلى فرص استثمار جديدة، وسط نوبة أخرى من الاضطرابات العالمية، مدعومة بفوائض البترودولار بعد أن وصلت أسعار النفط العام الماضي إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2008.
وفي حين أن الكثير من دول العالم تستعد للركود، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يجني منتجو النفط والغاز في الشرق الأوسط ما يصل إلى 1.3 تريليون دولار من العائدات الإضافية عما كان متوقعًا على مدى السنوات الأربع المقبلة، مع ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.
وسيتدفق الكثير من هذه الإيرادات إلى الخليج، موطن أكبر مصدر للنفط الخام السعودية، وأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال قطر.
ووفق صحيفة “فايننشال تايمز”، فإن هذه الطفرة من المقرر أن تعزز القوة الناعمة للأنظمة الملكية المطلقة الواثقة بشكل متزايد في المنطقة، ولا سيما ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، الذي يسعى إلى نزع فتيل الانتقادات لسجل نظامه في مجال حقوق الإنسان، وإبراز المملكة كقوة رئيسية في مجموعة العشرين.
ومع ذلك، يحذر المسؤولون الخليجيون من وجود اختلافات مع عام 2008. وعلى الرغم من أنهم يعتبرون ذلك لحظة للاستفادة منها، لكنهم يقولون هذه المرة إن الاستثمارات ستتم بطريقة أكثر استراتيجية. وتعتبر صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط، أكبر وأكثر خبرة مما كانت عليه في عام 2008.
طموحات استراتيجية
ونقلت الصحيفة عن “خلدون المبارك” العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ”مبادلة” الإماراتية قوله: “لا يتعلق الأمر فقط بحجم تدفق الصفقات، نحن نريد تدفقات تتناسب مع طموحاتنا الاستراتيجية”.
وأضاف: “في عام 2008، كان رد فعلنا جيداً، لكن نهجنا هذه المرة كان أكثر استباقية ومدروساً من الناحية الاستراتيجية”.
وأشارت الصحيفة إلى بداية المرحلة الجديدة من عقد الصفقات من قبل صناديق الثروة السيادية في الخليج بالتزامن مع جائحة فيروس “كورونا”، وبأن جهاز أبوظبي للاستثمار “أديا”، صندوق الثروة السيادية في أبوظبي، قد استثمر بوتيرة عالية العام الماضي، إضافة إلى “مبادلة” التي ضخت مبلغاً قياسياً قدره 30 مليار دولار في عام 2021.
وفي العام الماضي أيضاً، التزمت “مبادلة” باستثمار 10 مليارات جنيه إسترليني في المملكة المتحدة على مدى 5 سنوات. كما أجرت “القابضة ADQ”، عدداً من صفقات الاستحواذ عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا. ونجحت كذلك في استثمار نحو 11.3 مليار دولار في العام 2022، ليصل مجموع استثمارات “مبادلة” خلال عامين إلى نحو 41.3 مليار دولار.
وحول طبيعة وتوقيت الاستثمار في سوق تضم الكثير من الأصول الرخيصة، نقلت “فايننشال تايمز” عن “المبارك” جوابه: “لا، أعتقد بأن هناك الكثير من الصعوبات في الطريق. ومع هذا، نحن في وضع جيد من حيث السيولة ومن حيث الوصول إلى الصفقات، وحريصون جداً على كيفية نشر استثماراتنا”. وأضاف: “سوق الأسهم الخاصة تتغير، واليوم لدينا الفرصة والقدرة على التوسع نظراً لتراجع معظم الأسواق العالمية”.
منافسة خليجية
وتناولت الصحيفة، أحدث مثال على الزخم الحاصل والمتمثل في أسبوع أبوظبي المالي العالمي الذي اختُتم مؤخراً في العاصمة الإماراتية وسط حضور قياسي “لم يترك للحاضرين مساحة للوقوف”، حسب وصف الصحيفة البريطانية، لتثبت أبوظبي أنها، وفي هذا التوقيت المضطرب لأسواق المال العالمية، لا تزال أحد أهم المصادر المتبقية لاستقطاب رأس المال الوفير.
وفي السياق، كانت هناك مشاهد مماثلة في السعودية، حيث حقق “مؤتمر الاستثمار الدولي” في المملكة أرقاماً قياسية أيضاً بحضور أكثر من 1000 مدير تنفيذي عالمي، بما في ذلك حوالي 400 من الولايات المتحدة وعشرات من أوروبا.
وأشارت الصحيفة، إلى أن أحد أهم عوامل الجذب للمستثمرين في المنطقة، هو صندوق الثروة السعودي، الذي شهد طفرة منذ العام 2008، والذي خضع لعملية تجديد جذرية منذ أن تولى الأمير “محمد بن سلمان”، منصب ولاية العهد حيث تم تكليفه بقيادة خطط الرياض الضخمة لإصلاح اقتصادها الريعي.
والتزمت السعودية بإنفاق مئات المليارات من الدولارات في الداخل، مع استخدام نفوذها المالي والسياسي الجديد لتنويع محفظتها في الخارج. كما أنها تتابع استثمارات استراتيجية لجذب التكنولوجيا والمعرفة لتعزيز خطط التنمية في الرياض.
وفي قطر، استثمر جهاز قطر للاستثمار العام الماضي 2.4 مليار يورو في شركة الطاقة الألمانية “RWE”، و1.5 مليار دولار في “بودي”، المشروع الإعلامي لـ”جيمس مردوخ” في الهند، كما كان مستثمرًا رئيسيًا في الاكتتاب العام الأولي لـ”بورشه”.
يشار إلى أن 4 صناديق استثمارية سيادية خليجية جاءت ضمن أكبر 10 صناديق في العالم، وفقاً لتقرير للمعهد الدولي للصناديق السيادية العالمية، نشره في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
واحتل صندوق الإمارات السيادي المرتبة الثالثة عالمياً بأصول بلغت 970 مليار دولار مقارنة بـ708.7 مليار نهاية يونيو/حزيران الماضي، وجاء الصندوق السيادي الكويتي بالمرتبة الرابعة عالمياً، مع صعود أصوله إلى 750 مليار دولار مقارنة بـ708.4 مليار دولار في يونيو/حزيران الماضي.
وحلّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي في المرتبة السادسة عالمياً بأصول بلغت 607.4 مليار دولار، نزولاً من 620 ملياراً في يونيو/حزيران، وجهاز الاستثمارات القطري في المرتبة التاسعة عالمياً بأصول بلغت 461 مليار دولار، مقارنة بـ450 ملياراً في يونيو/حزيران، ومتقدماً مرتبة واحدة عن التصنيف السابق.
وشهدت أسعار النفط خلال العام الماضي ارتفاعاً، حيث تجاوز سعر البرميل 100 دولار نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.
متابعات