مر اليمن في العام 2022 بتحولات عاصفة في ظل استمرار الحرب الدامية منذ 8 سنوات، رغم الهدنة الإنسانية التي رعتها الأمم المتحدة لستة أشهر، قبل أن يفشل تمديدها لفترة إضافية، وسط مشهد متأزم ينذر بعودة القتال بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثي على نطاق واسع.
وقد أثارت التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي من تشكيل مجلس رئاسي بعد نقل الرئيس عبدربه منصور هادي صلاحياته له، مرورا بتوسيع الانفصاليين المدعومين من دولة الإمارات نطاق سيطرتهم نحو الشرق، وصولا إلى نقل الحوثيين المعركة إلى ميدان الطاقة وضرب موانئ نفطية لمنع الحكومة المعترف بها من تصدير النفط إلى الخارج، أسئلة عدة حول تأثيرات كل ذلك على مستقبل البلد وطبيعة الأحداث العام المقبل.
“تصفية الشرعية”
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، عادل الشجاع، أن العام ٢٠٢٢ كان تتويجا لأهداف التحالف (السعودية والإمارات)، وإفصاحا للأهداف الحقيقية القائمة على تصفية الشرعية وتصفية الديمقراطية وتجريف التعددية السياسية.
وقال الشجاع في ٧ أبريل، أقدمت السعودية على إيداع الرئيس هادي في الإقامة الجبرية، وانتزعت منه صلاحياته الدستورية، ونقل سلطاته إلى مجلس مكون من ثمانية أعضاء ليس له أي صفة شرعية، وأوكلت لهذا المجلس إعطاء الشرعية؛ لتصفية ما تبقى من الجيش الوطني والأمن في محافظة شبوة وأبين وحضرموت، وتمكين المجلس الانتقالي التابع للإمارات من السيطرة على هذه المحافظات”.
وأضاف أن هذه الخطوات جعلت جماعة الحوثي تتنفس الصعداء، فقد أزاحت السعودية بهذه الخطوة الشرعية من أمامها، لتتساوى مع المليشيات المكونة لمجلس القيادة، ما شجعها على شن هجمات على موانئ النفط، والمطالبة بمقاسمتها عائدات النفط مع مجلس القيادة.
وحسب الأكاديمي اليمني، فإن كل هذا يعزز من سيطرة الحوثي وتعزيز الدور الإيراني في اليمن، بل يجعل لإيران اليد الطولى في الملف اليمني، ويعزز من فقدان اليمنيين لقرارهم الوطني، واستمرارهم كأدوات حربية تستخدمهم طهران من ناحية والسعودية والإمارات من ناحية أخرى.
إضافة إلى ما سبق، يؤكد أستاذ العلوم السياسية والقيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام، أن العام ٢٠٢٢ كشف أيضا عن السلام المزعوم الذي تبناه الرئيس الأمريكي جون بايدن في حملته الانتخابية وعززه بتعيين مبعوث خاص للإدارة الأمريكية.. ليتضح فيما بعد أن بايدن حمل سلامه على ظهر سلحفاة ستحتاج إلى سنوات طويلة كي تصل إلى اليمن.
“حروب يبدأها الحوثيون”
من جانبه، قال الصحفي والباحث اليمني، كمال السلامي، إن العام ٢٠٢٢ ترك أثرا كبيرا جدا على الوضع في اليمن، وبلا شك سيكون له تأثير كبير على مستقبل الدولة ومصير البلد.
وأضاف السلامي أنه في ٢٠٢٢، توزعت الشرعية على أطراف كانت قبل هذا العام متمردة وانقلابية، كالانتقالي، والذي لم يغير سلوكه لاحقا، بل بدأ بتسخير موارد الدولة لتجذير مشروعه.
وتابع: “وفعلا تمكن من الاستحواذ على مناطق كشبوة، وأيضا استحوذ على مؤسسات الدولة كالقضاء وغيرها”.
وأشار الصحفي اليمني: “اليوم صار التساؤل حول شرعية هذا الكيان الذي يراه البعض نواة للتشظي أكثر من كونه إطار جامع للقوى الوطنية”.
كما شهد العام ٢٠٢٢ تحولا هاما في مسيرة الحرب، وفقا للمتحدث ذاته، والذي يتمثل في انتقال النقاشات الحوثية السعودية من السر إلى العلن، مؤكدا أن هذا التقارب بلا شك سيكون له تأثير مباشر على مستقبل البلد.
ولفت الصحفي السلامي إلى أن المجلس الرئاسي أثبتت في الأشهر الماضية أنه ضعيف، وغير قادر على تحقيق تقدم في أي مجال.
وأردف قائلا: “وبلا شك، يحاول المجلس جاهدا تحقيق اختراق، لكن إرادة أطراف الصراع الخارجية لها توجهات ربما لم يعد خيار إعادة الشرعية إلى صنعاء من بينها”.
وأبدى الباحث اليمني توقعاته بـ”حروب داخلية يبادر فيها الحوثي، بهدف السيطرة على مناطق إنتاج النفط والغاز، إضافة إلى تحول مرتجل نحو صيغة الأقاليم لمواجهة التغول الحوثي.
و قال، إنها جميعها لمؤشرات على أن اليمن لن تكون بخير في مقبل الأيام.
“مستودع نكبات”
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، حسن مغلس، إن ما جرى في العام 2022 من أحداث كبيرة، أضيفت إلى مستودع النكبات التي ابتلي اليمن بها، ولا يمكن الحديث عنها بمعزل أحداث العام 2021.
وتابع مغلس بأن الأحداث في اليمن لا يوجد لها حد زمني فاصل يتم عنده جرد الأحداث لتلك الفترة، بل هي سلسلة أحداث مترابطة.. فما حصل نهاية عام 2021، وتحديدا حين وافق الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي على تغيير محافظ شبوة ( محمد صالح بن عديو)، استجابة لضغط إماراتي سعودي، جراء دعواته المتكررة برحيل القوات الإماراتية من منشأة بلحاف في شبوة حتى يتم تشغيلها وتصدير الغاز.
وحسب الكاتب اليمني، فإن التحالف تبرم من مطالب “بن عديو” بإخلاء منشأة بلحاف الغازية من القوات الإماراتية، بعدها تم مساومة الشرعية ما بين تسليم وديعة مالية وبين بقاء بن عديو في منصبه.
وأشار المحلل السياسي مغلس إلى العد التنازلي للرئيس الشرعي “هادي”، من لحظة تسليمه للتحالف ما يريدون، لأجل الوديعة المالية، وأصدر قرارا بتعيين محافظا جديدا لشبوة، رشحته أبو ظبي.
وقال مغلس إنه يأتي عام 2022م وفي رُبعهِ الأول، حتى بدأت الدعوة لعقد اجتماع تصالحي ما بين كل الفرقاء اليمنيين في الرياض، لَبَّت تلك الدعوة كل الأحزاب والجماعات والأفراد الحضور إلى هذا اللقاء.
فيما رفضت جماعة الحوثي، وفقا للمتحدث ذاته، الذي كانت تتفاوض بشكل منفصل مع السفير الأمريكي ومندوب الأمم المتحدة في سلطنة عُمان، وليس مع الحكومة الشرعية، وبشكل مستفز ومفروض على المجتمع اليمني بحجة الترتيب للهدنة.
وأكد الكاتب اليمني أنه لم تمر 5 أيام على إعلان الهدنة من قبل المبعوث الأممي ” هانس غروندبرغ”، في إبريل من العام 2022، حتى تم مفاجأة الحاضرين في الرياض وفي اليمن وفي العالم بالانقلاب على شرعية البلد والمتمثلة بالرئيس هادي، وإجباره على قراءة بيان الانقلاب على نفسه، ويعين عوضا عنه وعن نائبه علي محسن مجلسا رئاسيا من ثمانية أعضاء برئاسة، رشاد العليمي، الذي حددوا له مهام لم يقرأها بل قرأت عنه.
ومضى قائلا: انفض اجتماع الرياض مصدوماً بعدها، حيث تم أخذ توقيعات منهم بالإقرار بما حصل والترحيب به، وكأنهم هم من رتب لذلك.
وقال مغلس، إنه أمر دبر بليل، ومن تلك اللحظة بدأت الكوارث، وتتواصل الهزائم.
وأوضح المتحدث ذاته أنه مر على المجلس الرئاسي 9 أشهر، بما يعادل حمل بطن، دون أن يرى ويلمس الشعب والوطن خيرا من هذا المجلس.
وقال: لقد توالت الحروب العبثية الداخلية وليس لمواجهة الحوثي واستعادة الدولة منه، بل وبدعم من التحالف تم الهجوم على القوة الشرعية في شبوة ومحاولة إخراجها من مواقعها عبر استخدام المليشيات التابعة للإمارات، مشيرا إلى أن المصيبة الأكبر أن رئيس مجلس الرئاسة بدلا من التدخل لفض هذا الاشتباك قام بإصدار قرارات تدعم المليشيات المتمردة التابعة للإمارات أثناء سير المعارك وتضعف من القوى الشرعية، وأعقبها بأن غادر البلد وهو بتلك الظروف صوب أبوظبي، التي شنت ضربات جوية عبر الطيران المسير دعما لمليشياتها ضد القوات الحكومية في شهر أغسطس من العام ذاته.
وذكر أن المجلس لم يقدم شيئا، بل أصدر قرارات بتعيينات عسكرية وإدارية وقضائية خلال المدة التي أعقبت تشكيله، ولم يكن من بينها قرار واحد يتعلق بتحسين وضع المواطنين، بل ازدادت الأمور سوءا”.
وأكمل: فخلال هذه الفترة تم تجديد الهدنة للحوثي الذي استطاع خلال هذه الهُدَن أن يطور إمكانياته العسكرية ويخرج علينا بعرضين عسكريين؛ واحد في الحديدة (غربا) والثاني في صنعاء (شمالا)، بينما التحالف الذي تقوده السعودية سلب شرعية الوطن واستبدل بها شرعية لا تعصي له أمرا.
والأهم من ذلك، وفقا لمغلس، أن الحوثي بعد انتهاء الهدنة الشكلية في أكتوبر 2022، قام بإرسال طائرته المسيرة لقصف موانئ تصدير النفط الخام في ميناء الضبة وإيقاف الصادرات النفطية، في الوقت الذي يتبادل وفود دول التحالف الزيارات مع وفود الحوثي، وكأن شيئا لم يحدث للوطن.
وبين الكاتب والمحلل اليمني مغلس أن المجلس الرئاسي لم يقد البلد إلى بر الأمان كما كانت الوعود عند تأسيسه، إذ إننا ندخل العام 2023، دون أن يلمس الوطن والمواطن أي تحسن في حياته.
واختتم حديثه قائلا: “إن الزمن عند اليمنيين المغلوب على أمرهم، لم يعد يحسب بفترة زمنية مضت تختلف عن فترة قادمة.. بل تساوى عنده الماضي بالآتي”.
متابعات