اعتبر تحليل نشره “معهد واشنطن” أن ملامح عودة التوترات إلى منطقة الخليج، لاسيما مع فشل خطة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، وعدم تجديد الهدنة في اليمن، تمثل تحديا خاصا لسلطنة عمان ونهجها في المنطقة القائم على تبني الحياد إزاء الأطراف المتنازعة ولعب دور الوساطات.
وأبدى التحليل، الذي كتبه الباحث بمركز تريندز للبحوث والاستشارات بأبوظبي “ليوناردو مازوكو”، تخوفه من أن تدفع عودة اشتعال تلك التوترات، سلطنة عمان إلى التخلي مجبرة عن تلك السياسة “الحصيفة” وتبني خيارات صعبة غير مسبوقة، ما قد يفجر البقية الباقية من الاستقرار بمنطقة الخليج، والذي كانت مسقط تلعب دورا محوريا به.
وتراقب السلطنة تصاعد التوترات مجددًا في جوارها القريب بقلقٍ متزايد، لاسيما ما يتعلق بفشل إعادة إحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وتجدُّد الخطاب الإيراني التحريضي الموجّه نحو الخارج، فضلًا عن الرد العسكري الانتقامي المحلي ضد الاحتجاجات الجماهيرية في إيران، والعجز عن تمديد مدة وقف إطلاق النار في اليمن الذي ترعاه الأمم المتحدة.
وفي حين عززت سلطنة عُمان نشاطها الدبلوماسي، قد لا تكفي مساعيها الرامية إلى وقف التصعيد للحد من الاحتكاكات الجيوسياسية الراهنة، حسب الكاتب.
ويضيف أنه لطالما ابتليت عُمان بنزاعاتٍ عالية الاستقطاب، وعلى الرغم من تعرّضها لضغوط خارجية كبيرة لتغيير سياساتها الخارجية، واظبت السلطنة على مقاومة هذه القوى وحافظت بحذرٍ كبير على استقلاليتها في صنع القرار.
وبالفعل، اعتُبر نهج السلطنة ذو الشقّين القائم على الحفاظ على الروابط الدبلوماسية الودّيّة مع الفصائل المتخاصمة ودعم المفاوضات كالآلية المفضلة لحل النزاعات، الأسلوب الأكثر فعالية لصَون أولوياتها الاستراتيجية.
وبحسب التحليل، هناك تحد أكثر خصوصية يقابل عمان بسبب زيادة التوترات، وهو متعلق بانعكاساتها على المنطقة البحرية المحيطة بها، وبالتحديد خليج عمان وأجزاء من بحر العرب، والتي شهدت بين شهري مايو/أيار وسبتمبر/أيلول 2019 ذروة أحداث كادت أن تشعل المنطقة بسبب الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ التي شنتها إيران والحوثيين، وكذلك الاحتكاكات العسكرية البحرية هناك.
وبحُكم التزام عُمان الصارم بالنهج القائم على الحوار لإدارة النزاعات، سارعت السلطنة إلى الانخراط في “اتصالات دبلوماسية” مكثفة مع إيران من أجل تفادي وقوع المزيد من الحوادث البحرية.
وبلغت الجهود العُمانية لتهدئة التوترات البحرية ذروتها في زيارة وزير الخارجية العُماني “بدر البوسعيدي” إلى طهران في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث ناقش الدبلوماسي العُماني الرفيع المستوى مع نظيره الإيراني “حسين أمير عبداللهيان” والرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” الحلول المشتركة لتعزيز أمن السفن التجارية العابرة خليج عُمان.
ويعلق الكاتب قائلا: “لم يتضح بعد ما إذا كانت الخطوات الأخيرة التي اتخذتها مسقط ستعود بنتائج إيجابية على المدى الطويل من حيث الاستقرار البحري في المنطقة، إلا أن سجل السلطنة الحافل بالنجاح في تفضيل التفاعلات التعاونية بين الأطراف المتنافسة، حتى عندما تصل القنوات الدبلوماسية الرسمية إلى الحضيض، هو المطَمئن”.
الملف اليمني
ومع عودة التوترات في اليمن، بعد فشل تجديد الهدنة بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية، تبرز الحاجة مجددا إلى الدور العماني، حيث تبرز السلطنة كالدولة الإقليمية المفضلة لتعزيز بيئةٍ إيجابية تشجع المحادثات الرامية إلى وقف التصعيد.
ومع وصول حدة التوترات إلى مستوياتٍ خطيرة في اليمن، قد تلعب المهارات الدبلوماسية العُمانية المثبتة دورًا حيويًا في الحفاظ على قنوات التواصل غير الرسمية بين الأطراف المتنازعة ومحاولة تهدئتها، وبناء أسس التوافق للمفاوضات المستقبلية.
وبشكل عام، يقول التحليل، إن عمان تراقب عن كثب التطورات في جوارها المباشر، وتنشط في لعبة القوى الإقليمية، لا سيما في نزاعين إقليميين رئيسيين من المرجح أن يتفاقما خلال 2023.
وبينما يلوح انعدام الأمن في أفق الخليج العربي على المستويين الداخلي والخارجي، ستخضع قدرة السلطنة على الوساطة للاختبار.
متابعات