ألقى تحليل نشره موقع “أويل برايس” الضوء على السياسة الجديدة التي تطورها دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، للتحول إلى الطاقة المتجددة والنظيفة، في إطار سعيها لتنويع اقتصاداتها وعدم الاعتماد فقط على الهيدروكربونات.
ويقول التحليل إنه رغم تحقيق السعودية فائضا في الموازنة، بعد سنوات من العجز، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، إلا أن المملكة لا تزال تتحسب لتوقعات تشير إلى إمكانية حدوث انهيار جديد في الأسعار قد يعيدها إلى العجز، ولكن بشكل أعنف هذه المرة، لذلك طورت من استراتيجياتها لعدم الاعتماد فقط على إيرادات النفط والغاز، وبدأت تبحث عن الريادة في الطاقة النظيفة باعتبارها طاقة المستقبل.
ووفقًا لتقرير مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG) السنوي لعمليات الاندماج والاستحواذ، فإن 10.3% من جميع معاملات الاندماج والاستحواذ في الشرق الأوسط هي صفقات طاقة خضراء؛ حيث تضاعف نشاط الاندماج والاستحواذ الأخضر أربع مرات منذ عام 2001.
وتقول “BCG” إن الشرق الأوسط سجل 283 صفقة خضراء في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2022 ، وهو ما يمثل زيادة قدرها 16% من نفس الفترة من العام الماضي بقيمة إجمالية قدرها 23.8 مليار دولار.
ويتوقع التقرير استمرار الاعتبارات البيئية في دفع عدد متزايد من الصفقات ، على الرغم من ظروف الاقتصاد الكلي غير المواتية.
ومن بين جميع دول الخليج، تتصدر السعودية والإمارات الطريق عندما يتعلق الأمر باستثمارات الطاقة النظيفة.
السعودية
على الرغم من أن وزير الطاقة السعودي الأمير “عبدالعزيز بن سلمان” قد أحدث ضجة في المجتمع النفطي العام الماضي بعد أن أخبر “بلومبرج نيوز” أن المملكة تعتزم ضخ كل قطرة نفط أخيرة وتعتزم أن تكون آخر دولة توقف إنتاج الهيدروكربون، إلا أن السعودية صنعت واحدة من أكثر تجارب الطاقة النظيفة طموحًا، ضمن الرؤية الاقتصادية 2030 التي يتبناها ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”.
في الخطة الاقتصادية، حددت السعودية هدفًا لتطوير ما يقرب من 60 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول نهاية العقد، وهو ما يقارن بالقدرة المركبة التي تبلغ 80 جيجاوات تقريبًا من محطات الطاقة التي تحرق الغاز أو النفط.
ولكن حتى الآن، أحرزت المملكة تقدمًا محدودًا في نشر مصادر الطاقة المتجددة، باستخدام 300 ميجاوات فقط من الطاقة الشمسية على نطاق المرافق، في حين أن 400 ميجاوات من طاقة الرياح قيد الإنشاء.
وبعد أن أعلنت شركة “أرامكو”، عملاق النفط السعودي، عن بداية أكبر مشروع للغاز الصخري، وتخطيطها لإنفاق 110 مليارات دولار على مدى العامين المقبلين لتطوير حقل غاز الجافورة في الأحساء، الذي يقدر أنه يحتوي على 200 تريليون قدم مكعب من الغاز، والوصول إلى 2.2 مليار قدم مكعب في اليوم من إنتاج الغاز في 2036، قالت إنه بدلاً من تبريد كل هذا الغاز وتصديره على أنه غاز طبيعي مسال، فإنها ستحوله إلى وقود أنظف كثيرًا: الهيدروجين الأزرق.
وقال رئيس الشركة “أمين الناصر” إن أرامكو تخلت عن خططها الفورية لتطوير قطاع الغاز الطبيعي المسال لصالح الهيدروجين، وأن الخطة الفورية للمملكة هي إنتاج ما يكفي من الغاز الطبيعي للاستخدام المنزلي لوقف حرق النفط في محطات توليد الكهرباء وتحويل الباقي إلى هيدروجين.
ويتكون الهيدروجين الأزرق من الغاز الطبيعي إما عن طريق إصلاح الميثان بالبخار (SMR) أو الإصلاح الحراري التلقائي (ATR) مع التقاط ثاني أكسيد الكربون المتولد ثم تخزينه. عندما يتم التقاط غازات الدفيئة، فإن هذا يخفف من الآثار البيئية على الكوكب.
في عام 2020، قامت “أرامكو” بإرسال أول شحنة من الأمونيا الزرقاء في العالم إلى اليابان، الدولة التي تجعلها تضاريسها الجبلية ونشاطها الزلزالي الشديد غير مناسبة لتطوير الطاقة المتجددة المستدامة؛ حيث تبحث عن موردين موثوقين لوقود الهيدروجين، وتعد السعودية وأستراليا في قائمتها لهذا الأمر.
وتقوم الحكومة السعودية أيضًا ببناء محطة هيدروجين أخضر بقيمة 5 مليارات دولار ستعمل على تشغيل مدينة نيوم الضخمة المخطط افتتاحها في عام 2025.
ألمانيا أيضا، تقول إنها بحاجة إلى كميات “هائلة” من الهيدروجين الأخضر ، وتأمل أن تصبح السعودية موردا رئيسيا لها.
وقبل عامين، التزم مجلس الوزراء الألماني باستثمار 9 مليارات يورو (حوالي 10.2 مليار دولار) في تكنولوجيا الهيدروجين في محاولة لإزالة الكربون من الاقتصاد وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
واقترحت الحكومة بناء قدرة تحليل كهربائي تبلغ 5000 ميجاوات بحلول عام 2030 و 5000 ميجاوات أخرى بحلول عام 2040 على مدى العقد التالي لإنتاج وقود الهيدروجين.
لكن أدركت القوة الاقتصادية الأوروبية أنها لا تستطيع القيام بذلك بمفردها وستتطلب موردين منخفضي التكلفة مثل السعودية خاصةً لأنها تضاعف التزاماتها المتعلقة بالطاقة الخضراء بعد سلسلة من الفيضانات المدمرة في البلاد.
الإمارات
في العام الماضي ، أعلنت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية (ENEC) بدء تشغيل أول محطة للطاقة النووية في البلاد (براكة 1).
وأصبحت المحطة النووية التي تبلغ طاقتها 1400 ميجاوات الآن أكبر مولّد للكهرباء في الإمارات منذ وصولها إلى إنتاج الطاقة بنسبة 100% في أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهي الآن توفر “كهرباء ثابتة وموثوقة ومستدامة على مدار الساعة”.
وتقول مؤسسة الإمارات للطاقة النووية إن وحدة “براكة” الأولى “رائدة الآن” وتبذل أكبر جهد لإزالة الكربون من أي صناعة في الإمارات.
وعلى خطى السعودية، تضع الإمارات أيضا أساسا قويا لانتقال الطاقة.
وتعمل شركة”مصدر”، ذراع الطاقة النظيفة التابعة لصندوق الثروة السيادي في أبوظبي، (مبادلة)، على بناء قدرات متجددة في آسيا الوسطى بعد توقيع صفقة في أبريل/نيسان 2021 لتطوير مشروع للطاقة الشمسية في أذربيجان.
ومنذ إنشائها في عام 2006، قامت “مصدر” ببناء مجموعة من أصول الطاقة المتجددة في 30 دولة مختلفة؛ حيث استثمرت حوالي 20 مليار دولار لتطوير 11 جيجاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وقدرات توليد الطاقة من النفايات.
والآن تقول “مصدر” إنها تعتزم تطبيق الدروس المستقاة من الخارج لتطوير قدرات الطاقة النظيفة في الإمارات.
على سبيل المثال، تخطط “مصدر” لتعزيز موارد الرياح الضعيفة نسبيا في الإمارات من خلال تطوير مزارع الرياح المحلية باستخدام أحدث توربينات من الدرجة الثالثة، وهي قادرة على تسخير الكهرباء حتى من سرعات الرياح المنخفضة.
علاوة على ذلك، تقوم الشركة أيضًا ببناء منشأة بقيمة 1.1 مليار دولار لحرق القمامة لتوليد الطاقة في واحدة من أكبر محطات تحويل النفايات إلى طاقة في العالم.
وبمجرد اكتمالها، ستحرق المصانع ما يقرب من ثلثي النفايات المنزلية التي تولدها الدولة كل عام.
وعلى الرغم من أن محطات تحويل النفايات إلى طاقة الحديثة لا تعتبر عادةً مصدرًا نظيفًا للطاقة، إلا أنها أكثر نظافة، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP).
وباستخدام التقنيات المتقدمة، تكون هذه المصانع قادرة على حرق النفايات في درجات حرارة عالية للغاية وبالتالي ضمان الاحتراق الكامل أثناء معالجة المهمات بشكل خاص؛ مما يترك كميات قليلة من المنتجات الثانوية السامة مثل رماد المداخن.
متابعات