سيظل عام 2022 محفورا في ذاكرة الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، حتى وإن حاول نسيان بعض تفاصيله وأحداثه. فعلى قدر ما كان هذا العام حافلا بنجاحات عديدة حققها ماسك، فقد كان كذلك عاصفا بالنسبة له لما مني به من خسائر مالية وما خاضه من معارك قضائية.
ومن الصعب كذلك نسيان أن الملياردير المغامر ومطلق الصواريخ إلى الفضاء الذي استمد إلهامه من أفلام البطل الخارق (آيرون مان) “الرجل الحديدي” شغل أكثر من وظيفة هذا العام، من بينها وظيفة منحها لنفسه وهي “رئيس التغريد”.. رئيس شركة تويتر.
وحتى في الوقت الذي اختتم فيه الرئيس التنفيذي لتسلا وسبيس إكس عام 2022 بإنجازات رئيسية، من القيام بتوسع عالمي قوي لشركة تسلا إلى لعب دور داعم للمقاومة الأوكرانية ضد الغزو الروسي، ركز الجميع على تغريدات إيلون ماسك وما سيفعله لتغيير منصة تويتر.
وقد تابع العالم كل رسالة له مهما كانت مثيرة للغضب أو استفزازية أو بذيئة، لكنها لم تكن مملة قط. والتمس ماسك رأي الجمهور قبل إعادة الحسابات المحظورة للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وغيره من الرافضين البارزين لنتيجة الانتخابات الأميركية. وتزين الآن بعض أعظم نجاحات ماسك جدران مقر تويتر في سان فرانسيسكو إلى جانب قوله “بعد ذلك، سأشتري كوكاكولا لإعادة الكوكايين فيها”.
وبلغت الإثارة مداها بعد إتمام صفقة شراء تويتر بمبلغ 44 مليار دولار في أكتوبر تشرين الأول والتي لم يكملها إلا بعد فشله في التراجع عن العرض الأولي الذي قدمه قبل انهيار سوق الإعلانات والذي أدخله ساحات القضاء من تويتر.
وقلص أكثر من نصف موظفي تويتر البالغ عددهم 7400 بما في ذلك إقالة قيادات الشركة، قبل أن يتراجع سريعا لإعادة بعض الموظفين لحاجته إليهم. ورفض معظمهم العودة والعمل في ظل ظروف “الكدح” التي اقتضت النوم في المكتب كما أظهر أحد الموظفين ذلك على تويتر.
والخطوة التالية لتويتر محل تخمين الجميع لأن الاستراتيجية تتغير مع التغريدات. وطرح ماسك أفكارا مثل إطلاق نسخة من (وي تشات) الصينية، وهو تطبيق هائل يتضمن كل شيء من التسوق والخدمات المصرفية إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وألمح إلى خوضه غمار عالم الدفع وتحويل الأموال مثلما فعل في وقت سابق في مشواره المهني عندما أسس موقع باي بال لتحويل الأموال عبر الإنترنت.
والمؤكد هو أن السعي وراء تويتر أدى إلى تقليص صافي ثروته أكثر من 100 مليار دولار ليصبح ثاني أكبر أثرياء العالم، وفقا لفوربس.
ومع نهاية العام، أصبحت قيادته لتويتر موضع تساؤل، صنعه بنفسه، الآن بعد أن صوت مستخدمو تويتر لصالح تنحيه عن قيادة الشركة. وهذه هي النتيجة التي وعد بالالتزام بها في الاستطلاع الذي وضعه.
ما الأهمية؟
ما يفتقر إليه تويتر في الحجم أو الإيرادات أو الطموح يعوضه في النفوذ والتأثير. ولطالما تجاوزت منصة التواصل حجمها وما زالت تمثل المنبر المفضل بين وسائل التواصل الاجتماعي لقادة العالم والصناعة والثوريين ووسائل الإعلام.
وغرد ماسك في أكتوبر قائلا “حرية التعبير هي حجر الأساس لديمقراطية فاعلة، وتويتر هو الساحة الرقمية التي يجري فيها مناقشة الأمور الحيوية لمستقبل البشرية”.
وتعرضت هذه القناعة لضغط شديد. ففي الأيام القليلة الماضية، أوقف مؤقتا حسابات صحفيين من نيويورك تايمز وواشنطن بوست و شبكة (سي.إن.إن) وغيرهم ممن تناولوا حظره لحساب تتبع معلومات متاحة للجمهور في الوقت الفعلي حول مكان وجود طائرته.
وما بدأ كحديث عن معركة بقاء شركة رقمية تحول إلى استفتاء عالمي على حرية التعبير والتحكم في المحتوى بعد إدانة جماعات الدفاع عن الصحافة ومسؤولون من فرنسا وألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي لعمليات التعليق.
وكتب فولكر تورك، المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قائلا “يتحمل تويتر مسؤولية احترام حقوق الإنسان. يجب على إيلون ماسك الالتزام باتخاذ قرارات بناء على السياسات المعلنة التي تعلي من شأن احترام الحقوق، بما في ذلك حرية التعبير. وليس أقل من هذا”.
ماذا يعني هذا لعام 2023؟
تتمثل مهمة ماسك الأولى في العثور على طريقة يمنع بها تويتر من خسارة أربعة ملايين دولار يوميا لخدمة نحو 13 مليار دولار من الديون استخدمها لتمويل الصفقة.
ويمكنه بعد ذلك استكمال مهامه لتحويل موقع تويتر مما يزعم المحافظون أنه ملاذ للتحيز الليبرالي إلى سوق لحرية التعبير لا تكتم صوت رافضي نتائج الانتخابات أو المؤمنين بنظريات مؤامرة كوفيد.
ونشر ماسك هذا العام آلافا من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بموقع تويتر ورسائل تطبيق سلاك، فيما عرف معا باسم “ملفات تويتر”. ونشر “ملفات تويتر” هذه، التي رصدت قرارات تحكم في المحتوى مما أذكت شكاوى المحافظين، مهد الطريق للتحول في سياسة عملاق التواصل الاجتماعي.
وتكشف هذه الملفات مداولات داخلية بشأن قيام مديرين تنفيذيين في تويتر بحظر نشر ما يتعلق باتهام هانتر بايدن، نجل الرئيس الحالي جو بايدن، بالفساد، وحظرهم حساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أعقاب هجوم السادس من يناير كانون الاول على مبنى الكونجرس.
ونشر ترامب، الاثنين، على منصة (تروث سوشيال) المنافسة التي أسسها الرئيس الأميركي السابق قائلا “كان من الممكن ان يغير هذا نتيجة الانتخابات الرئيسية دون حتى مناقشة كل الأشياء غير القانونية التي اقترفوها” في إشارة إلى رسائل بريد إلكتروني تتحدث عن مخطط لمكتب التحقيقات الاتحادي للتشكيك في تعاملات هانتر بايدن التجارية الخارجية.
واستشرفا للمستقبل، فمن المتوقع أن يذكي ماسك جدلا سياسيا في عام 2023 لأنه يدعم حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، في مسعى خوض الانتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2024، في الوقت الذي يحض فيه ترامب على العودة إلى التغريد.