ما هو سبب عدم تأثر الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بسقف سعر النفط، الذي أعلنه الغرب في بداية ديسمبر/كانون الأول الجاري عند 60 دولارًا فقط للبرميل؟.
تناولت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية إجابة هذا السؤال في تقرير، ذكرت فيه أن الغرب يريد “أكل” كعكة أسعار النفط الروسية، وتصور قادته أن سقف الـ 60 دولارا للبرميل إنجازًا جريئًا متعدد الجنسيات في دبلوماسية الطاقة، “لكن أي شخص يعتقد أن ذلك سيكون ضربة كبيرة لعائدات النفط الروسية، وقدرة الكرملين على تمويل حرب الإبادة الجماعية لإخضاع أوكرانيا، من المرجح أن يصاب بخيبة أمل”.
وأورد التقرير أن سقف السعر الذي اتفق عليه الاتحاد الأوروبي، وسرعان ما أقرته الولايات المتحدة ومجموعة الدول السبع وأستراليا، ليس بالجرأة الكافية للتأثير بشكل كبير في الإيرادات الروسية أو إعاقة سير الحرب في أوكرانيا.
فالنفط الروسي بيع بأسعار في حدود 60 دولارًا خلال معظم السنوات الماضية، فضلًا عن أن تجار الطاقة العالميون حدّوا بالفعل من شراء الخام الروسي، منذ غزو أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، وعندما اقتنصت دول مثل الهند والصين الفائض، تفاوضت على تخفيضات كبيرة، ما سمح لموسكو بمواصلة جني الأموال والأرباح.
سقف غير مجدي
ورأت “فورين بوليسي” أنه كان ينبغي مقابلة عدوانية الرئيس الروسي في أوكرانيا بنفس الدرجة عند تحديد سقف أسعار النفط، مشددة على أن “الحد الأقصى البالغ 60 دولارًا لم يهز بوتين ولا الأسواق”.
ورأت المجلة أن وضع سقف للسعر قرار خاطئ، طالما كان الهدف من الحد الأقصى قطع الأموال التي تستخدمها روسيا لتشغيل آلة الحرب ضد أوكرانيا، وأشارت إلى أن مجرد تثبيت السعر الحالي للنفط الروسي لن يضع الكثير من الضغط على الكرملين، مشددة على أنه “حتى لو نُفّذ بنجاح، فقد لا يؤثر ماديًا في قدرة روسيا على الاستمرار في الحرب”.
وأوضحت أن سبب هذا السقف غير المجدي هو قلق الدول الغربية من أن يؤدي أي انقطاع للإمداد الروسي للسوق العالمية إلى ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم للمستهلكين والشركات الغربية؛ ما قد يؤدي بدوره إلى تقويض الدعم الشعبي لمساعدة أوكرانيا.
ورغم أن هذا مصدر قلق كبير، فإن المشكلة تكمن في أن هذين الهدفين متنافيان، بحسب المجلة، “إذ لا يمكن تحقيق خفض حاد في عائدات روسيا، من دون انخفاض النفط الروسي إلى السوق”.
وإزاء ذلك، من المقرر أن يراجع الاتحاد الأوروبي سقف الأسعار في أقرب وقت قبل منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، حيث دعت حكومات أوروبا الشرقية ودول البلطيق إلى تحديده بأقل من 60 دولارًا.
وبينما طالبت بولندا بسقف سعر منخفض يصل إلى 30 دولارًا للبرميل، وهو بالكاد أعلى من تكاليف الإنتاج المقدرة بنحو 20 دولارًا للبرميل، ضاعفت دول الاتحاد، التي تمتلك أساطيل شحن كبيرة، خاصة اليونان وقبرص ومالطا، تجارتها في النفط الروسي بشكل جماعي منذ بدء الحرب في أوكرانيا، ودعت إلى رفع مستويات الحد الأقصى للأسعار.
ويقدر خبراء تحدثوا للمجلة الأمريكية أن السعر الذي يتراوح بين 30 و40 دولارًا هو ما سيضر روسيا بشكل كبير.
ولذا لم يكن اتفاق وضع سقف لسعر النفط الروسي سهلاً؛ إذ تأخر على خلفية تشكل مجموعتين متعارضتين، يقود إحداها بولندا ودول البلطيق، التي تؤكد أن أسرع طريقة لهزيمة روسيا تتمثل في العمل على انهيار عائداتها من الطاقة، عن طريق خفض سقف سعر النفط، إلى ما بين 20 و30 دولارًا للبرميل.
مخاوف على السوق
وعلى الجانب الآخر، ترى المجموعة الثانية، التي تقودها المجر، وتشمل دولاً مستوردة للطاقة الروسية بكميات أكبر، مثل ألمانيا والنمسا إضافة إلى فرنسا، أن فرض أي سقف منخفص للغاية سيخاطر بالتسبب في زعزعة استقرار أسواق الطاقة العالمية.
وتزعم المجموعة الثانية، أن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة أكبر في أسعار الطاقة، ما يفيد روسيا، وفي الوقت نفسه يؤدي إلى فرض عبء اقتصادي أكبر على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تستورد الطاقة.
وهنا تشير “فورين بوليسي” إلى أن الانقسام على سقف سعر النفط الروسي، يعكس انقسامات مماثلة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بخصوص أصل الحظر على النفط الروسي، الذي دخل حيز التنفيذ في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وأشارت إلى أن الحظر يؤثر فقط في الواردات المنقولة بحرًا، التي يقول الاتحاد الأوروبي إنها تمثل ما يقرب من ثلثي واردات النفط من روسيا، بينما يصل الباقي إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق خط الأنابيب.
وأدت الضغوط من المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، إلى إعفاء النفط المستورد عبر خط أنابيب دروزبا الروسي من الحظر، بينما يمكن لألمانيا وبولندا نقل النفط الروسي عبر خط الأنابيب، لكنهما تعهدتا بوقف استيراد هذا النفط حتى من دون حظر رسمي.
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن الخلافات على سقف الأسعار والحظر النفطي، ساعدت في تضخيم المخاوف من أن الاتحاد الأوروبي قد يجد صعوبة في الحفاظ على وحدته بشأن فرض عقوبات على النفط الروسي.
ضغوط التأمين
ومع ذلك، فإن سقف الأسعار وحظر النفط البحري ليسا سوى جزءين من الصورة، والثالث هو حظر على شركات الشحن والتأمين الأوروبية، التي تخدم شحنات النفط الروسية المتجهة إلى أي مكان في العالم، ما لم تستوفِ الحد الأقصى.
فوفقًا لتقرير مؤسسة “كارنيجي” للسلام الدولي، فإن 95% من الناقلات التي تحمل النفط الروسي جرت تغطيتها من شركات التأمين العاملة بموجب قانون الاتحاد الأوروبي، بينما نُقلت أغلبية النفط بشركات الشحن اليونانية.
وبحسب المجلة، تعد قضية التأمين ذات أهمية خاصة، حيث إن عددًا قليلاً من الموانئ البحرية سيسمح للسفن غير المؤمنة بالرسو خوفًا من الحوادث.
ودعت “فورين بوليسي” دول الاتحاد الأوروبي إلى سد الثغرات التي قد تستخدمها روسيا للتحايل على سقف سعر النفط، مشيرة إلى توجيه من وزارة الخزانة الأمريكية، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يحمي مزودي الخدمات البحرية الأمريكية من العقوبات الثانوية، إذا قدم أحد مورديهم ادعاءات كاذبة بالامتثال لسقف السعر.
وترى المجلة أن هذا القرار ثغرة كبيرة محتملة للكرملين يجب إسقاطها، مشددة على أن قرار الحد الأقصى لأسعار النفط الروسي يتطلب مراقبة مكثفة ويقظة، ومن ثمّ يجب أن تنضم الجهات الفاعلة في المجتمع المدني إلى الحكومات المشاركة، من المنظمات غير الحكومية والمراسلين الاستقصائيين ومراقبي صناعة الشحن والأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر، في الإبلاغ عن الأنشطة غير المشروعة، التي قد تتحايل على سقف السعر.
ونوهت إلى أن بعض السفن قد تلجأ للتهرب من القرار، ومن ذلك عن طريق نقل النفط من سفينة إلى أخرى في البحر لإخفاء مصدر الشحنة، أو عن طريق إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بهم، بحيث لا يمكن تعقبها بمنصات مثل “مارينترافيك”.
أما لجوء روسيا إلى إفشال قرار سقف السعر، برفض بيع نفطها إلى الكيانات الملتزمة بسقف السعر، فتراه المجلة الأمريكية هو “الأفضل”؛ لأنه سيقلل عائدات الكرملين، ما قد يهدد آلتها الحربية ضد أوكرانيا، مشددة على ضرورة تجميد الغرب شريان الحياة المالي لـ “بوتين” بشكل أسرع مما يستطيع هو تجميد أوكرانيا.
متابعات