هاري وميغان ونجوم وسائل التواصل.. تحوّل خطير بالنسبة للاقتصاد في العالم

أحد أسباب حالة الهوس العالمي بالزوجين، هاري وميغان، هو أنهما يمثلان اتجاهاً اقتصادياً مهماً، يتردّد صداه أبعد من العائلة المالكة البريطانية التي ينتمي إليها الأمير هاري. يتمثل هذا الاتجاه في تصاعد الصراع بين العلامات التجارية الفردية، أو ما يمثلها من أفراد، وبين قوة ومكانة العلامة التي تنتمي لمؤسسة. وهذا الاتجاه لا يرتبط بانفصال أمير عن مؤسسة عائلة ملكية، ونجاحه في أن يصبح وهو زوجته علامة تجارية مهمة، بعيداً عن المؤسسة الملكية، لكنه بات ينتشر في كل القطاعات، بحسب المحللة الاقتصادية أليسون شريغر.

وتقول شريغر في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، إن «المرء الذي كان يطمح في الماضي إلى تحقيق الثراء والأمن والمكانة، كان يسعى إلى الالتحاق بأهم مؤسسة يمكنه العمل فيها، ويصبح لاعباً مهماً في فريق. وكان هذا يعني التنازل عن جزء من هويته، كما أنه لن يكون معروفاً على نطاق واسع خارج مجال عمله، وربما خارج مؤسسته. ويمكن القول إن هذه كانت المرحلة الأخيرة من عصر الثورة الصناعية. ففي الوقت الذي ظهر فيه فيلم (الرجل ذي السترة الرمادية) عام 1956، كان النجوم هم ممثلو السينما، في حين كان العمل المكتبي يعني الانكباب على العمل، وتكريس الجهد والوقت من أجل نجاح المؤسسة وتقدمها، مقابل حصة ضئيلة من هذا النجاح».

نموذج مختلف

لكن النموذج الاقتصادي الحالي مختلف. ففي حين يوجد عدد أقل من نجوم السينما، ظهر نجوم كثيرون في كل الصناعات الأخرى. وإذا كان وجود النجم في مجال السينما مفيداً، حيث إنه يضمن نجاح العمل ويجذب الجمهور لمشاهدته، فالأمر يؤدي إلى ظهور مشكلات في الصناعات الأخرى، لأنه يخلق صراعاً بين كون الشخص الموظف قد أصبح نجماً، وكونه لاعباً جيداً في فريق مؤسسي، بحسب شريغر، الباحثة الزائرة في معهد مانهاتن والشريك المؤسس لشركة الاستشارات المالية «لايف سايكل فاينانس بارتنرز».

ويمكن ملاحظة هذه المشكلة في صناعة الإعلام. فالإعلاميون والصحافيون الشبان يرغبون في تحقيق شهرتهم وعلامتهم التجارية الشخصية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال بث آراء مستفزّة، وفي الوقت نفسه يستفيدون من إمكانات وموارد المؤسسات الإعلامية الكبرى التي يعملون فيها. وهذا الأسلوب خطير بالنسبة للمؤسسات. فعلى الرغم من كل شيء، أنفقت الصحف الكبرى مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، عقوداً عدة لبناء شهرتها في مجال الصحافة المرموقة، كما أن معظم صحافييها مازالوا حريصين على تقديم أفضل محتوى صحافي دون الجري وراء الأضواء.

وسواء كان من حُسن الحظ أو لا، فإن هذه المؤسسات الإعلامية ارتبطت بغرائب وسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة أيضاً، من خلال عدد قليل من صحافييها الذين استغلوا مواردها لكي يصبحوا نجوماً مستقلين عنها.

الأمن الوظيفي

بالطبع لا يمكن إلقاء كل اللوم على الصحافيين الذين يريدون تحقيق الشهرة لأنفسهم، فالمؤسسات لم تعد توفر الأمان الوظيفي، ولا فرصة الشهرة واللمعان لصحافييها كما كانت تفعل في الماضي، في حين أصبح تحقيق الصحافي لشهرته الشخصية يعني زيادة أمنه الوظيفي.

وهذه الظاهرة لا تقتصر على الإعلام، لكنها تمتد إلى كل قطاعات الاقتصاد الذي تغير تماماً. وكثير من الصناعات باتت تعرف النجوم الكبار والذين يحصلون على أعلى الأجور والشهرة، وربما استثمار شهرتهم الشخصية لتحقيق الأموال، في حين يظل بقية العاملين ينتظرون الراتب الشهري. وهذا الأمر بات موجوداً، بدءاً من المجال الأكاديمي وحتى الرعاية الصحية والبنوك، والعائلة المالكة البريطانية. فمثلاً كان الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار الأميركي، غولدمان ساكس غروب، بعيداً عن الأضواء، ويصب تركيزه على عمليات البنك، لكن الرئيس الحالي، ديفيد سولومون، أصبح يتصدر اهتمامات وسائل الإعلام بالتركيز على هواياته، مع افتراضه تغيير ثقافة العمل، بحيث تتم مكافأة كبار المصرفيين الذين يشاركون في أنشطة خارج البنك، وليس هؤلاء الذين ينصب كل تركيزهم على العمل في البنك.التسويق

والحقيقة أن تسويق المرء لنفسه ضروري لكي يتقدم في عمله. لكن الاختلاف الآن، هو أنه بدلاً من الترويج للنفس وفقاً للسياسات الداخلية لمكان العمل، فإنه أصبح يتم على نطاق أوسع، وغالباً خارج نطاق الشركة، والمجال ككل. فالاقتصاد المعاصر لا يكافئ كبار النجوم في المجال بدفع أجر أكبر لهم، وإنما جعل الترويج الذاتي أسهماً. فوسائل التواصل الاجتماعي جعلت أدوات الشهرة والترويج للنفس متاحة بشكل ديمقراطي لكل من يتوق لذلك.

من الناحية النظرية، أصبح النجوم نجوماً لأنهم أكثر إنتاجية وموهبة، وليس فقط لأنهم يجيدون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. لكن هناك أدلة كثيرة على أن وجود هؤلاء النجوم في مكان العمل وحصولهم على أموال أكثر، يعني أن الآخرين يحصلون على أموال أقل، وهو ما يعني أن أي تحسّن يحققه هؤلاء النجوم في إنتاجية المؤسسة لا يغطي تماماً أجورهم العالية.

أما بالنسبة للعائلة الملكية البريطانية فربما تضرّرت من ترويج الأمير هاري وزوجته ميغان لنفسيهما، لكن النظام المالي سيبقى. وهذا ليس مضموناً بالنسبة لكل شركة، حيث قد تنهار الشركة إذا ما ركز العاملون فيها على صناعة مجدهم الشخصي.

فعندما يكرّس الناس جهدهم من أجل بناء مؤسسة، فإنهم يعملون ذلك مقابل الاستقرار والمكانة. والآن قد يقتنص النجوم الذين يعملون في المؤسسة كمتعاونين كثيراً من المكاسب لعلاماتهم التجارية الخاصة. فإلى متى يمكن أن تستمر هذه العلاقة؟ لن يمر وقت طويل حتى يضطر كل شخص إلى النظر لنفسه، في حين لن تظل للمؤسسات القيمة نفسها، وهو ما يعني أن الظاهرة التي يمثلها الزوجان هاري وميغان ونجوم وسائل التواصل الاجتماعي في مختلف المجالات، تعتبر تطوّراً خطيراً بالنسبة للاقتصاد في العالم.

أخيراً، هل يمكن أن تنتهي هذه الظاهرة؟ تقول شريغر: «الغريب أن سطوة النجوم في أول صناعة عرفت النجوم، وهي السينما تتراجع، وأصبحت شركة (مارفل) التابعة لمجموعة (والت ديزني)، أقوى من النجوم أنفسهم. وفي ما بعد أصبح النجوم باهظي الكلفة. ولم يعد توظفيهم أو صقلهم أمراً مجدياً. وقد يكون هذا هو مستقبل بقية الصناعات».

• الإعلاميون والصحافيون الشبان يرغبون في تحقيق شهرتهم وعلامتهم التجارية الشخصية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال بث آراء مستفزّة، وفي الوقت نفسه يستفيدون من إمكانات وموارد المؤسسات الإعلامية الكبرى التي يعملون فيها. وهذا الأسلوب خطير بالنسبة للمؤسسات.

• المرء الذي كان يطمح في الماضي إلى تحقيق الثراء والأمن والمكانة، كان يسعى إلى الالتحاق بأهم مؤسسة يمكنه العمل فيها، ويصبح لاعباً مهماً في فريق. وكان هذا يعني التنازل عن جزء من هويته، كما أنه لن يكون معروفاً على نطاق واسع خارج مجال عمله.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى