في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، شنت جماعة الحوثي المدعومة من إيران هجومًا بالطائرات المسيرة على ميناء الضبة النفطي في محافظة حضرموت اليمنية، وكان هذا هو الهجوم الثاني ضد هذا المرفق تحديدا والضربة الثالثة على موانئ النفط اليمنية خلال الشهرين الماضيين.
ويأتي هذا التصعيد بعد انتهاء الهدنة في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، والتي رفض الحوثيون تجديدها، وما يزال هناك احتمال لهجمات إضافية ضد موانئ النفط مع محاولة الحوثيين اختبار رد فعل الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي لرفع سقف مطالبهم.
أوراق النفوذ والمطالب
كان هناك 3 عوامل أساسية وراء رفض الحوثيين تجديد الهدنة. الأول هو عدم رغبتهم الوفاء بالتزاماتهم بشأن رفع الحصار عن تعز لأن سيطرتهم على المدينة تحافظ على ضغطهم على خصومهم وتمنحهم أفضلية في أي مفاوضات للسلام.
أما العامل الثاني، فهو عدم الاهتمام بعملية السلام نفسها حيث أن الوضع الراهن يمنح الحوثيين قدرة الوصول إلى الموارد اليمنية دون الالتزام باتفاقية مشاركة للسلطة قد تهدد احتكارهم للشق الشمالي من البلد الذي مزقته الحرب.
أما العامل الثالث، فهو رغبة الجماعه الحوثيه في العودة إلى العنف بأسرع وقت ممكن، لأن هذا التكتيك أثبت أنه يمنحهم اليد العليا في المفاوضات في الماضي.
وفي غضون 48 ساعة من انتهاء الهدنة، حذر المتحدث العسكري للحوثيين عمال النفط السعوديين والإماراتيين وطلب منهم مغادرة البلاد.
ولكي تفي الجماعه الحوثيه بتهديداتها، فرضت جماعة الحوثي حظرًا على صادرات النفط من خلال مهاجمة الموانئ اليمنية.
وكان هذا جزءًا من عملية أوسع للضغط على الحكومة الوطنية لتشارك الموارد في المناطق التي لا تتحكم فيها قوات الحوثيين.
كما أدى هذا الهجوم أيضًا لتذكير دول الخليج (التي أظهرت استعدادًا للانخراط في عملية السلام) بأن الحوثيين يمكنهم تنفيذ هجمات الطائرات المسيرة ضد الأهداف الضعيفة دون رد في المقابل.
وفي حين أن ضربات الطائرات المسيرة على الضبة لم تتسبب في أضرار مادية كبيرة للبنية التحتية لمحطة النفط، إلا أنها أجبرت ناقلة على مغادرة الميناء دون شحن صادرات النفط من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة.
ويطالب الحوثيون بأن تدفع الحكومة اليمنية رواتب موظفي الخدمة المدنية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بما في ذلك أعضاء الميليشيا الذين يقاتلون الحكومة نفسها.
ويتسق هذا الطلب غير المنطقي مع سلوك الحوثيين في أمور أخرى ويعكس وجهة نظرهم بالاستحقاق فيما يتعلق بموارد الدولة.
في الوقت نفسه، فإن الحوثيين يجعلون أنفسهم فوق المساءلة فيما يتعلق بالموارد المالية والطبيعية في المناطق التي يسيطرون عليها؛ فهم يجمعون ملايين الدولارات من الإيرادات القادمة من ميناء الحديدة على البحر الأحمر، كما إنهم ما يزالون يحتجزون ناقلة النفط المتهالكة “صافر” في البحر الأحمر، ولم يسمحوا لمسؤولي الأمم المتحدة بفحصها، باعتبارها ورقة نفوذ لتعزيز موقفهم التفاوضي.
وفي الآونة الأخيرة، توصلت الأمم المتحدة إلى اتفاق مع الحوثيين لنقل النفط إلى ناقلة أخرى لتجنب أزمة وشيكة؛ لكن لا يزال من غير الواضح كيف سيتم حل مسألة مشاركة الموارد من هذه الناقلة.
ويسيطر الحوثيون على موارد تجارية كبيرة عبر جمع الإيرادات الوطنية من مرافق الأراضي والكهرباء والمياه والإنترنت وشركات الاتصالات الموجودة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
ويتم تحويل هذه الإيرادات لتمويل المجهودات الحربية للحوثيين، مما يحرم بقية السكان من الخدمات الحيوية، بما في ذلك الصحة والتعليم. ونتيجة لذلك، تعتمد المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي على المساعدات الإنسانية.
ويأتي تركيز الحوثيين على موارد النفط والغاز الطبيعي لتمويل أنشطتهم العسكرية في وقت تواجه إيران (الداعم الرئيسي) تحديات داخلية متزايدة بسبب الاحتجاجات المستمرة.
ضغط بلا رادع
أدانت الدول الغربيه أحدث هجوم للحوثيين بالطائرات المسيرة، وحثت الجماعة المسلحة على احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي.
وسخرت قناة “المسيرة” الإخبارية التي الموالية للحوثيين من موقف المجتمع الدولي قائلة: “الضوضاء التي أحدثتها الدول الغربية وسفراؤها بعد العملية لن تغير أي شيء”.
وأكد “عبد الملك العجري”، وهو عضو حوثي كبير في وفد التفاوض أن “البيانات الغربية حول عمليات الحوثيين تفتقر إلى أي قيمة سياسية. لقد ولى الزمن الذي يحدد فيه الغرب الخطوط الحمراء في المنطقة”.
وللأسف، تفسر قيادة الحوثيين جهود أي طرف للسلام باعتبارها مؤشراً على النفور من المواجهة العسكرية.
ويعزز هذا الرأي حقيقة أن الحوثيين تمكنوا مرارًا وتكرارًا من شن هجمات غير مبررة دون أن يتلقوا ردا مناسبا على ذلك، بسبب الالتزام الدولي الشديد تجاه السلام والذي يركز على تقييد الإجراءات السعودية في اليمن.
كما إن ملاحظة الحوثيين فتور الرد العالمي إزاء تقديم إيران طائرات مسيرة إلى روسيا لتستخدمها في صراعها مع أوكرانيا، تجعلهم يفترضون بشكل متزايد أنه لا يمكن لأي سياسات أو آليات دولية أن توقف أو تحد من استخدامهم لتكنولوجيا الطائرات المسيرة الهجومية.
وعلى هذا النحو، فإن خصوم الحوثيين في وضع غير موات؛ فهم غير قادرين على مواجهة أو التأثير على سلوك المسلحين في الحرب اليمنية، كما تمثل الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية فرصة تصعيد عديمة المخاطر، ويرى الحوثيون هذا أحد أعظم إنجازاتهم في الردع.
وتجلى ذلك في إعادة نشر الحوثيين لمقال من مجلة يهودية على موقع الويب الخاص بمحطتهم التلفزيونية، حيث تحدث المقال عن حدود الحرب التقليدية أمام طائرات الحوثيين التي أمدتهم بها إيران، ورأى الحوثيون أن المقال شهادة أوسع على قوتهم التي يزعمون أنه لا يمكن ردعها.
وهكذا، تنامى الإحباط لدى الكثيرين من الشعب اليمني لرؤيتهم أن ميليشيا الحوثيين قادرة على فرض إرادتها السياسية والعسكرية في معظم البلاد، في حين أن المجتمع الدولي غير قادر على اتخاذ رد فعل فعال.
وأشار “هانز جروندبرغ”، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، إلى آثار هجمات الحوثيين على اقتصاد اليمن في إحاطته إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني.
ولكن بالرغم أن الأمم المتحدة تبذل جهودا للضغط على الحوثيين، إلا إنه ما يزال هناك ما يمكن القيام به لدفعهم للتخلي عن مطالبهم.
ويجب ضمان استخدام موارد اليمن في التنمية الاقتصادية وتوفير الاحتياجات الإنسانية بدلاً من تحويلها نحو الحرب، إذ أن موارد النفط والغاز ليست سلعة يجب تقسيمها بين النخب السياسية.
كما يجب توزيع العوائد المستمدة منها بالإضافة إلى غيرها من الموارد الوطنية بشكل عادل ومتساوي بين الشعب اليمني، مع محاسبة الحكومة على استخدامها وإشراك المواطنين في تقرير توزيعها، فيما يجب ألا يُسمح للميليشيات بلعب دور في هذه العملية.
ويجب أن تبذل الأمم المتحدة جهودا ضمان أن تنفيذ الحوثيين ضربات موجهة – سواء عن طريق الصواريخ أو الطائرات المسيرة – لن تمر دون رادع.
وهناك حاجة إلى رد حاسم من قبل مجلس الأمن حيث أن استخدام الحوثيين السابق لمثل هذه التكتيكات المزعزعة للاستقرار لتعزيز أهدافهم في المفاوضات قد عرقل عملية السلام بشكل متكرر.
ما الذي يمكن فعله؟
بالنظر إلى نفور المجتمع الدولي من التدخل العسكري في الصراع اليمني والدفع لتحقيق السلام، فإن الحوثيين يرون أن استئناف الهجمات قد يكون الوسيلة الأساسية لتنفيذ مطالبهم، لذلك يجب أن يفهم المجتمع الدولي أن هذا التكتيك لن يتوقف، مما يتطلب صياغة استراتيجية ردع أكثر قوة.
في الوقت نفسه، يجب على صانعي السياسة الانتباه إلى الترابط بين صراع اليمن من ناحية والعديد من القضايا الأخرى، والتي تشمل السعي الانفصالي المدفوع بإهمال الجنوب مع تناقض المجتمع الدولي الذي يولي اهتمامًا أكبر للمناطق التي يسيطر عليها الحوثيين أكثر من بقية اليمن.
إن مطالبات الحوثيين الجريئة بالأراضي التي لم يحكموها أبدًا في الماضي ولم يكن لديهم أي حقوق قانونية أو تاريخية فيها يمكن أن يثير بسهولة صراعًا وطنيًا متجددًا بين شمال وجنوب اليمن.
وإذا حدث هذا السيناريو الذي ترضخ فيه حكومة اليمن لضغط الحوثيين، فإن هذا سيمكن الميليشيا من التخلي عن مسؤولياتها على الجبهة الإنسانية وسيعزز التصور بإهمال الجنوب، وبالتالي قد يشعل حربًا أهلية جديدة وأكثر حدة في بلد تم استنزافه بالفعل خلال عقد من الصراع الدامي.
متابعات