أوقف القضاء اللبناني اليوم الجمعة الممثلة ستيفاني صليبا على ذمة التحقيق بعد استجوابها في ملف تبييض أموال وإثراء غير مشروع مرتبط بحاكم المصرف المركزي رياض سلامة. وأفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، أن “المحامية العامة المالية القاضية إيمان عبدالله أوقفت الممثلة ستيفاني صليبا بناء لإشارة النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم بعد الاستماع إليها”. ونقلت “فرانس برس” عن مصدر قضائي رفض الكشف عن اسمه قوله إنه “جرى إحالة صليبا لمكتب الجرائم المالية للتوسّع في التحقيق، على أن يقرر لاحقا تركها أو ابقاءها موقوفة”. ويأتي استجواب صليبا في إطار تحقيقات تجريها المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون منذ أبريل بعد الادعاء على سلامة وشقيقه بجرم “الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال”. وتتحدث وسائل إعلام محلية عن تلقي صليبا هدايا باهظة من حاكم المصرف المركزي. وقال مصدر قضائي آخر مطلع على مضمون قضية سلامة، إن “التحقيقات لم تظهر تحويله أموالا إلى صليبا، ما يعني أن فرضية تبييض الأموال غير صلبة”، معتبرا أن “الهدايا التي تلقتها سواء كانت منزلا أو مجوهرات لا تعني أنها عمليات تبييض أموال”. ونفّذت القوى الأمنية مضمون مذكرة بحث وتحر بحق صليبا التي كانت وصلت مساء الأربعاء إلى مطار بيروت آتية من جدة، حيث شاركت في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، إثر تخلّفها سابقا عن المثول أمام التحقيق. وردا على سؤال لفرانس برس، امتنع مكتبها عن التعليق، موضحا “ليس لدينا أي تعليق في الوقت الراهن”. وبدأت صليبا (35 عاما) في العام 2016 مسيرتها في التمثيل، وسرعان ما اكتسبت شهرة في العالم العربي بعد مشاركتها في مسلسلات عدة أبرزها “متل القمر” و”دقيقة صمت” وآخرها “التحدي”. وجاء توقيف صليبا، بعد أقل من أسبوعين من توجيه باريس اتهاما إلى سيدة أوكرانية مقرّبة من سلامة، بتهم “تكوين منظمة إجرامية” و”غسل أموال منظّم” و”غسل احتيال ضريبي خطير”، وفق ما أفاد مصدر قضائي فرنسي. وتم توجيه التهم إليها في إطار تحقيق حول ثروة سلامة في فرنسا التي يُشتبه أنه جمعها من طريق الاحتيال، وفق المصدر ذاته. ويواجه سلامة شكاوى كثيرة ضده في دول عديدة، لكنه رغم الاستدعاءات ومنع السفر الصادر بحقه في لبنان، لا يزال في منصبه الذي يشغله منذ عام 1993، ما جعله أحد أطول حكام المصارف المركزية عهدا في العالم.
وكانت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، قد أصدرت مذكرة بحث وتحرّ بحق الممثلة اللبنانية، على خلفية التّحقيقات اللّبنانيّة والأوروبيّة الّتي تجري في ملف اختلاس وتبييض وسرقة أموال، اتهم فيه سلامة.
وفيما تمّ تعميم المذكّرة على الأجهزة الأمنية، قالت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، الخميس، إن “تدخلات سياسية على مستوى رفيع، وخصوصاً من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، حالت دون توقيف صليبا لدى وصولها إلى مطار بيروت”، حيث كانت الممثلة اللبنانية خارج البلاد.
من جهته، نفى مكتب ميقاتي الاتهامات بالتدخل، وأوضح في بيان أن ما ورد في وسائل إعلام محلية عن “تدخل ميقاتي في ملف صليبا غير صحيح على الإطلاق”.
القضية أثارت ضجة كبيرة لدى الرأي العام اللبناني وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي تناقلت الخبر، واستهجنت التدخلات السياسية، والتفرغ للإفراج عنها أو ملاحقتها في ظل اعتكاف وإضراب قضائي في البلاد يعاني منه اللبنانيون، كما وتناولت التعليقات الشبهات والاتهامات التي تدور حول كل من صليبا وسلامة، والعلاقة التي تربط بينهما.
كذلك تسببت القضية، ومجرياتها، بنزاع قضائي وتضارب صلاحيات واختصاص بين كل من النائب العام المالي في لبنان، القاضي علي إبراهيم، أو النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، وذكرت تقارير إعلامية أن القاضي إبراهيم يرى أن الجرائم المالية من هذا النوع تقع ضمن اختصاصه، فيما القاضية عون تعتبر أنها المسؤولة الأولى عن التحقيقات والملاحقة التي تجريها في ملفات حاكم مصرف لبنان، وكل ما يرتبط به.
وكانت قد أوضحت عون في تصريحات صحفية الخميس أن مذكرة البحث والتحري التي أصدرتها كانت للتحقيق في مصدر الهدايا الباهظة التي تتلقاها صليبا. وشددت على أنه ليس من صلاحية القاضي إبراهيم الحلول مكانها وإطلاق سراح صليبا، مشيرة إلى أنها ستتقدّم بشكوى بحقه لدى التفتيش القضائي، وذلك قبل أن يعيد القاضي إبراهيم توقيفها اليوم.
وكان قد ارتبط اسم الممثلة اللبنانية بحاكم مصرف لبنان، على خلفية إعلان ترويجي للمصرف، قامت صليبا بتصويره، مطلع أكتوبر من العام 2019، مرتدية أزياء تحمل فئات من عملة الليرة اللبنانية، تحت شعار “ليرتنا قوتنا”، لصالح مجلة الأزياء اللبنانية ”Spécial Madame Figaro” والتي تصدر باللغة الفرنسية.
ولاقت صورتها بقميص الليرة الواحدة، الانتشار الأكبر بين الصور حينها، لكنها سرعان ما ارتدت سلباً على الممثلة بعد الانهيار المالي الكبير الذي ضرب الاقتصاد اللبناني بعد أيام على حملة “ليرتنا قوتنا”، والنقمة الشعبية التي نتجت على مصرف لبنان وشخص حاكمه رياض سلام، بسبب الحملات الإعلامية والترويجية المطمئنة حول وضع العملة اللبنانية، والتي تبين أنها لا تتوافق مع حقيقة الوضع المالي في البلاد، الأمر الذي وضع صليبا في خانة الماكينة الإعلامية لمصرف لبنان والمقربين من حاكم المصرف.
فيما بعد نشرت صفحات ترتبط بالتحركات الشعبية في لبنان، (صفحة “ثورة ماب” على انستغرام، التي تتابع تحركات السياسيين اللبنانيين وأسلوب حياتهم وتنشر صورتهم)، صورة لسيارة ثمينة قيل إنها هدية تلقتها صليبا بمناسبة عيد ميلادها، وجرت الإشارة إلى “مشاهدة صليبا في مطعم فندق فاخر بباريس برفقة سلامة في ديسمبر 2019″، الأمر الذي زاد الشكوك والنقمة على صليبا، في حين لاحقت مضايقات وتعليقات الممثلة اللبنانية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتأتي قضية صليبا على بعد أيام من ملاحقة أخرى تجري في فرنسا لامرأة أوكرانية على صلة بحاكم مصرف لبنان في إطار تحقيق أوسع في اتهامات بالاحتيال، وذكر متحدث باسم مكتب المدعين الماليين الوطنيين في باريس أن، آنا كوساكوفا، التي لرياض سلامة ابنة منها، وفقا لشهادة ميلاد اطّلعت عليها “رويترز”، يُشتبه في تورطها في عمليات غسل أموال.
وأضاف المتحدث أن كوساكوفا، التي تم إخطارها بالتهم الأولية في 14 يونيو، اضطرت إلى تسليم جواز سفرها، وأُمرت بعدم مغادرة فرنسا.