الإعلام الرسمي في مصر مع قطر والإعلام الشعبي ضدها

المواقف السياسية تتحكم في توجهات البرامج ومواقع التواصل تتمسك بتصفية الحسابات.

أشادت وسائل الإعلام الرسمية المصرية، صحفا ومواقع إخبارية وبرامج تلفزيونية، بحفل الافتتاح واعتبرته تنظيما مشرفا للمونديال، مبررة انحيازها للدوحة بأنها تمثل العرب أمام دول غربية تروج لكون العرب لا يستطيعون تنظيم حدث مثل هذا.

وفسر خبراء الدعم الرسمي بأنه يحمل معاني سياسية بعد التحسن الملحوظ في العلاقات بين القاهرة والدوحة، لكن ذلك لا يخلو من حرج بالغ لعدد من الإعلاميين المصريين ممن درجوا على توجيه انتقادات حادة لقطر ثم تحولوا إلى مدحها.

واستقبل جمهور منصات التواصل الذين يشكلون شريحة كبيرة مما يوصف بـ”الإعلام الشعبي” مديح الإعلام الرسمي بتعليقات ساخرة، بعضهم ذهب إلى تذكير من يمدحون الدوحة حاليا بنبرتهم الحادة ضدها وقت القطيعة، واتهامها بتمويل تنظيمات إسلامية متشددة، وتحريض منابرها الإعلامية على استهداف الدولة المصرية، وتم استدعاء مقاطع قديمة تعكس هذا التناقض وإعادة بثها.

وكان نجم الكرة المصرية محمد أبوتريكة قاسما مشتركا في الخلاف المتصاعد بين الإعلام الرسمي ونظيره الشعبي في مصر، فهو ضمن فريق التحليل الفني بقنوات “بي.إن سبورتس” وحمل دفاعه عن قطر مزايدة سياسية ومكايدة بدت موجهة لبلده مصر، حيث ركز فقط على النقاط البيضاء للدوحة.

محمد شومان: الهجمة الإعلامية الغربية ضد قطر كانت حافزا للمنابر المصرية للمساندةمحمد شومان: الهجمة الإعلامية الغربية ضد قطر كانت حافزا للمنابر المصرية للمساندة

واستنكر الكثير من رواد صفحات التواصل الاجتماعي التبييض الإعلامي المتعمد في مصر لوجه قطر وأعادوا نشر صور لأحداث كُبرى نظمتها مصر وحظيت بثناء دولي، فيما كانت منابر الإخوان والجزيرة القطرية تسفه منها سابقا، على غرار استضافة مصر كأس الأمم الأفريقية، وتنظيم الحدث الأثري الضخم لنقل المومياوات.

وبرر عدد كبير من المنتمين للإعلام الشعبي مواقفهم المناهضة للدوحة بأن الإعلام القطري لا يزال بعضه يحمل مواقف سلبية من مصر، ولم يتخل عن أجندته القديمة، ويصر على استهدافها والتركيز على السلبيات وكأنه يتعمد خدمة مصالح تنظيم الإخوان الذي لديه ضغائن سياسية مع النظام المصري.

ويبدو دعم الإعلام المصري لقطر على خلفية استضافتها كأس العام مفهوما وأبعاده السياسية معروفة، فلم يكن منطقيا أن يكون الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مشاركا في الحدث كضيف في حفل الافتتاح، ويتم استقباله بشكل رسمي والاحتفاء به وإعلامه يهاجم الدوحة أو ينتقد التنظيم، لأن الإعلام الرسمي يعبر عن مواقف الدولة.

ومن شأن الفجوة بين الإعلام الشعبي ونظيره الرسمي في مصر أن تؤثر على ما تبقى من مصداقية صحف وقنوات تكافح للحفاظ على صورتها في نظر الشارع المصري، لكن الأخير يبدو أنه مضطر للتجاوب مع المواقف السياسية للحكومة طالما أن وسائل الإعلام لا تتمتع باستقلالية كافية، ومدفوعة دوما إلى الانحياز للسلطة.

وما يلفت الانتباه أن الدعم الإعلامي لقطر، قبل وبعد افتتاح كأس العام، كان شبه جماعي، فلم تغرد صحيفة أو برنامج تلفزيوني خارج السرب، وبدا الأمر كأن هناك تكليفات بضرورة الوقوف في صف الدوحة أمام تعرضها لحملة غربية تحاول تقزيم جهودها في تنظيم البطولة والإيحاء بأن العرب يفشلون في الأحداث الكبرى.

وحمل الحضور الرسمي لعدد من الزعماء العرب، وفي مقدمتهم الرئيس السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رسالة دعم سياسية لقطر، ولم يكن منطقيا أن يغرد الإعلام الرسمي بعيدا عن هذا الإطار، غير أن المعضلة في الثناء على الدوحة بطريقة مناقضة لما دأبت عليه المنابر المصرية وقت المقاطعة.

ورأى محمد شومان عميد كلية الإعلام بجامعة الشروق في القاهرة أن المساندة الإعلامية من مصر لقطر مطلوبة في هذا التوقيت، لأنها تبعث برسالة مباشرة للخارج بأنها دولة كبيرة تترفع عن الصغائر، ولا تحاسب خصومها السابقين بالقطعة، ولا تسعى لتصفية الحسابات، وعندما وجدت أن قطر تتعرض لهجمة إعلامية منظمة من الخارج تحركت سريعا لدعمها كبلد عربي من الضروري دعمه إعلاميا.

وأضاف أن الهجمة الإعلامية الغربية ضد قطر كانت حافزا للمنابر المصرية للمساندة، لأن الرأي العام يُقاس من خلال الإعلام بشكل كبير، والمهم أن يمارس الإعلام الرسمي دوره في إقناع الجمهور بجدوى الدعم السياسي الذي يقدم للدوحة، وهذا مطلوب لتثبيت المصالحة بين البلدين.

الإعلام الرسمي وجد نفسه في مأزق عندما فقد بوصلته المهنية، ما وضعه في مواجهة محتدمة مع الإعلام الشعبي

ولم تكن رسائل الحكومة المصرية لقطر عبر إعلامها الرسمي مقنعة لجمهور المنصات الاجتماعية، وكانت مليئة بعبارات وتوصيفات وصور تحمل قدرا كبيرا من التقزيم للدوحة، وهي رسائل مضادة تعكس لأي درجة لا ينسى الكثير من المصريين ما فعلته قطر وإعلامها الموجه ضد بلدهم منذ سقوط نظام حكم الإخوان بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013.

وبلغت ذروة الصدام بين الإعلام الرسمي والشعبي في مصر بسبب قطر أن بعض الصفحات أفاضت في إعادة بث مقاطع فيديو لمقدمي برامج حملت مفارقات أشبه بالكوميديا الساخرة، لأنهم تحولوا من الهجوم إلى المديح للتأكيد على أن النفاق الحالي للنظام القطري مشكوك في مصداقيته وجدواه لدى الرأي العام، ويحمل مآرب سياسية، وحتى لو كانت موجهة لا يجب أن يتم بتلك الطريقة.

ولا تزال أزمة الإعلام المصري أنه ملتصق كثيرا بالنظام الحاكم وبدرجة لا تضمن له الحد الأدنى من الاستقلال، ويتبنى رؤى الحكومة كاملة بلا هامش مناورة، ولا يحتفظ بجزء ضئيل من الموضوعية، ويخضع لحسابات دوائر الحكم، ولذلك وجد نفسه في مأزق عندما أصبح مضطرا لفقدان المزيد من بوصلته المهنية، ما وضعه في مواجهة محتدمة مع الإعلام الشعبي.

ويؤكد البعض من خبراء الإعلام أن التناقض المفاجئ لكثير من الأصوات الإعلامية تجاه قطر، من السلب للإيجاب، ومن النقد إلى المدح، لم يكن مقنعا للجمهور، بل يبدو مستفزا إلى حد كبير، عكس التغير التدريجي في الإعلام الذي تدعمه الدوحة، ولذلك فقدت المنابر التي تحولت عن مسارها وأصبحت أشبه بأدوات للنفاق جزءا كبيرا من رصيدها، وأصبح صانعو الإعلام الشعبي يعتقدون أن رأيهم الحر هو الأساس.

وبين خطاب يصنعه الجمهور وآخر تحركه جهات حكومية أصبح المشهد الإعلامي في مصر تجاه قطر مدعاة للمزيد من الاستقطاب في ظل عدم استساغة الجمهور للتحولات المفاجئة وتمسكه بتصفية الحسابات القديمة.

وهي رسالة ضمنية تحمل قدرا من التذمر ضد الحكومة بأن سيطرتها التامة على الإعلام وإن حققت لها منافع سياسية، فقد أفقدتها أداة قوية للمناورة مع النظام القطري، طالما أنها مصممة على أن يخلو الإعلام الرسمي من كل صوت معارض.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى