انتشار “الذهب الأحمر”.. الزعفران يتحدى أزمة لبنان

وسط الأزمة التي يعانيها لبنان على مدار السنوات الثلاث الماضية وأصابت القطاع الزراعي بالركود، تطل من شرق البلاد بادرة أمل، حيث تحولت زراعة الزعفران من مجهود فردي إلى فكرة واعدة ألهمت آخرين، قد تكون لها جدوى اقتصادية مهمة إذا استغلت جيدا.

ويندرج الزعفران ضمن الزراعات العطرية، ويزرع عادة في الأراضي التي يزيد ارتفاعها على 600 متر فوق سطح البحر.

“الذهب الأحمر”، تلك النبتة الحمراء بأزهارها البنفسجية التي تدرج أسعار بيعها في أسواق البورصة العالمية، غائبة عن تربة لبنان باستثناء عدد قليل جدا من المزارعين الهواة، من بينهم يوسف وهبة ابن بلدة القاع البقاعية الحدودية شرقي البلاد.

تتلون مساحات كبيرة في سهل منطقة القاع بزهور الزعفران، أشرف على زراعتها الشاب وهبة الذي يعتني منذ سنوات ببصيلات النبتة بطريقة طبيعية بعيدا عن الكيماويات، إلى جانب مزروعات بيتية موسمية أخرى لاستخدامه المنزلي.

الزرعة الصعبة

ويقول وهبة: “كنت اللبناني الوحيد الذي اهتم بزراعة الزعفران. بدأت أوزع بصيلاته التي تكاثرت في أرضي، ثم تشجع البعض في سهل البقاع على خوض هذا المجال خصوصا في الأزمة التي يمر بها لبنان، إلا أنهم لم يتجاوزوا حتى اليوم عدد أصابع اليد الواحدة”.

ويشير وهبة إلى أن زراعة الزعفران مكلفة جدا، وتحتاج إلى يد عاملة مختصة ومنافذ تصريف، وهذا يشكل عبئا كبيرا على المزارع اللبناني.

ويروي قصة هذا التحدي، فيقول: “بداية المشروع كانت عام 2000 عندما تم استيراد بذور الزعفران من إسبانيا إلى لبنان ضمن مشروع الزراعات البديلة للمخدرات، بالتعاون مع وزارتي الداخلية والزراعة. وزعت البذور في بلدات لبنانية عدة وأجريت التجارب عليها، وأعطاني جاري نحو 250 بصيلة فاعتنيت بها بعدما اقتنعت بالمشروع، وزرعت 60 مترا مربعا فقط، لترتفع المساحة التي أزرعها اليوم إلى 12 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع)”.

ويتابع: “روجت لإنتاجي خلال الأزمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحولت هذه الهواية إلى مصدر إنتاج، لا سيما بعد أن توقف استيراد الزعفران من خارج لبنان. لديّ هذا العام ملايين بصيلات الزعفران التي تكفي لزراعة 200 دونم من الأرض لكن ليست لدي الإمكانية للقيام بذلك”.

ويتابع وهبة: “أجريت تجارب لزراعته في مختلف المناطق ونجحت، لكن البيئة الأفضل هي المناطق الباردة خصوصا في سهل البقاع”.

معوقات

لكن في المقابل، يعدد وهبه العوائق التي تواجه هذه الزراعة، ويقول: “تحتاج إلى الصبر والمال واليد العاملة القوية، والتعريف بالمنتج حتى لا يتكدس الإنتاج”.

ويوضح المزارع اللبناني أن “سعر الكيلوغرام الواحد من الزعفران عادة كان يبدأ من 5 آلاف دولار ووصل حاليا إلى 7 آلاف في لبنان”.

وأكد: “زرعت هذا الموسم قرابة 12 دونما لتعطي حوالي كيلوغرامين فقط من الزعفران. أعمل على تجفيفها وحفظها للتصدير”.

ويقول وهبة إنه “لم يكن أحد في لبنان يهتم بزراعة الزعفران لأنه مكلف، لكن منذ 3 سنوات توقف استيراده من الخارج فانتعشت زراعته، وأنا شاركت في بعض المعارض للتعريف بهذا المنتج”.

وتحدث إلى إحدى العاملات اللاتي تستخرجن شعيرات الزعفران الحمراء بعناية في المكان، فقالت إن “العمل بالزعفران متعب. نستخرج من الدلو الواحد حوالي 50 غراما فقط، وعندما تجفف تصبح 10 غرامات”.

ويجفف الزعفران بوسائل بدائية، ثم يوضع في علب خاصة تستعمل عادة لحفظ الذهب تعبيرا عن قيمته العالية، بانتظار أن يجد طريقه إلى الأسواق اللبنانية أو الخارجية.

وللزعفران استخدامات طبية عدة حيث يدخل في تحضير بعض الأدوية، فضلا عن قيمته الغذائية العالية عند إضافته للطعام.

وفي السياق ذاته، دعا رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم الترشيشي، إلى طرح الزعفران من قبل الهيئات الدولية كزراعة بديلة للخشخاش الذي تصنع منه المخدرات في البقاع.

وأضاف”نحن ندعو إلى ذلك، إلا أن الجدوى الاقتصادية منه تبقى ضعيفة جدا لأنه يحتاج وقتا طويلا للإنتاج ويدا عاملة متخصصة واحتضانا من الدولة. الكمية التي تنتج قليلة لكن أسعاره مرتفعة”.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى