قاتل صامت.. انتشار الأدوية المهربة والمزورة في اليمن!
بعد أن كانت ولادة أحمد، أول المواليد الذكور، الفرحة التي أبهجت أسرة اليمني عبدالله المساجدي، لم يكن في حسبان الأسرة أن دواء قاتلاً أو ممارسات طبية خاطئة في أحد مستشفيات العاصمة صنعاء، ستعيده متوفياً ويشُيع إلى مثواه الأخير، بعد عامين وثمانية أشهر فقط من ولادته.
لكن قصة أحمد ليست سوى واحدة مما حظي بفرصة الوصول إلى الإعلام، في حين أنأعداداً غير قليلة من اليمنيين، يقعون ضحايا الأدوية غير المرخصة أو المنتهية الصلاحية والأصناف المزيفة المنتشرة في الأسواق.
أسرة أحمد التي تلقت نبأ وفاته منذ أسابيع، كانت واحدة من 19 أسرة يمنية، أصيب أطفالها الذين كانوا يرقدون أو يرتادون مركز علاج أطفال اللوكيميا في مستشفى الكويت بالعاصمة صنعاء بمضاعفات، بعد جرعة دوائية ملوثة، وفق الروايات الرسمية، إذ توفي عشرة منهم ونُقل البعض الآخر إلى العناية المركزة، لكن بعضهم توفي أيضاً رغم محاولات الإنقاذ.
ضحايا مركز علاج لوكيميا الأطفال
القضية التي أخذت مساحة واسعة في أوساط الرأي العام اليمني منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، عُرفت بكون ضحاياها من الأطفال المصابين بأمراض الدم، وممن يُعالجون في مركز علاج اللوكيميا. لكن المعلومات التي حصلت عليها DW عربية، تشير إلى أن القضية لم تكن تتعلق فقط بمرضى الأورام، إذ أن المساجدي الطفل المسجل في قائمة الوفيات في المستشفى نفسه، لم يكن من المصابين بسرطان الدم.
توفي عدد من الأطفال في مستشفيات يمنية يعتقد أن أدوية مزورة وعدم توفر الشروط المطلوبة كانت السبب في وفاتهم
وحسب مصادر في أسرة أحمد الذي توفي عن عامين و8 أشهر، تحدثت لـDW عربية، فقد كان ومثله ستة أخرين من الضحايا في قسم التغذية (لا اللوكيميا)، وتوفوا فجأة بعد أن ظهرت عليهم أعراض التشنج والصداع والإغماء، “مع العلم أن المتوفين جميعاً في قسم التغذية هم ممن كانوا يترددون على قسم اللوكيميا من أجل تركيب الفراشات وضرب الإبر”. وفق المصدر.
رواية وزارة الصحة اليمنية في صنعاء، أفادت بأن الوفيات بسبب “دواء تم تهريبه إلى صيدلية خاصة دون أن يخضع لإجراءات الهيئة العليا للأدوية، حُقن به الأطفال من مرضى أورام الدم”. وأشارت الوزارة نفسها في بيان لاحق إلى أن “29 حالة تلقت جرعة من الدواء المهرب، 10 حالات منها لم تتعرض لمضاعفات، فيما تعرضت 19 حالة لمضاعفات توفي منها 10 أطفال وحالة في العناية”. كما تحدثت الوزارة عن مضاعفات لحالتين تعاطت الدواء نفسه في حضرموت شرقي البلاد.
وبينما أحيلت القضية إلى النائب العام للتحقيق، أكدت التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة في الحكومة التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، والمسؤولين في المستشفى أن الفحوصات التي أجريت للعينات “التي استخدمت للمرضى من الأدوية التي تم شراؤها من إحدى الصيدليات”، أثبتت أن “التشغيلة كانت ملوثة ببكتيريا قاتلة” وأدت إلى “التهابات سحائية شديدة لدى الأطفال”.
التحقيق ورسائل سلبية حول الصيدلة
وفي حديثه لـDW عربية، يقول رئيس نقابة مُلاك الصيدليات في اليمن، الدكتور محمد النزيلي، إن أسباب الوفيات في المستشفى قد تكون متعددة وننتظر نتائج التحقيق، وأضاف أن “السبب الحقيقي قد يكون من ممارسات غير كفؤة متعلقة بالتعقيم او سُمية من التجريع الدوائي، أو جرثمة نتيجة سوء التعقيم أو تداخل دوائي معين أو مادة غير مطابقة وسمية في الدواء أو عدم ضبط جودة صناعية، مما يؤدي لتجرثم الدواء”.
رئيس نقابة الصيادلة في اليمن محمد النزيلي يحث وزراة الصحة على تحسين جودة خدمات المستشفيات والعاملين فيها
ويشدد النزيلي على أهمية أن تعمل وزارة الصحة على زيادة جودة خدمات العاملين في القطاع الصحي وفق إجراءات معيارية تضمن سلامة ونجاعة المعالجة، وعلى عدم إطلاق أي تصريحات “قبل تحقيقات النيابة العامة”، حيث أن “ما حصل أرسل رسائل سلبية حول الصيدلة وقطاع الدواء”، على نحوٍ “أرعب المواطنين وأفقدهم ثقتهم بالصيادلة من دون سبب حقيقي؛ فقد يكون ما حصل بسبب إجراءات طبية ولا علاقة له بالدواء”.
بصرف النظر، عما إذا كانت وفيات مستشفى الكويت في صنعاء، نتيجة دواء أو “تشغيلات دوائية”، كما عبر عنها مدير المستشفى أمين الجنيد، خلال جلسة عقدها مجلس الشورى في صنعاء، منذ أكثر من أسبوع؛ إلا أن البيانات الحكومية اتفقت على أنها مُهربة. الأمر الذي وجه الأنظار نحو ظاهرة تهريب وتزوير الأدوية.
وفي تصريح خاص لـDW عربية، يقول رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل مقبل منصور: إن الحادثة واحدة من جملة حوادث نتيجة “أدوية ملوثة أو منتهية الصلاحية أو أخطاء طبية”. لكن تسليط الضوء على الكارثة من قبل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي “لفت الانتباه لقضية كبيرة جداً وتمت إقالة مدير هيئة الادوية (في صنعاء)، لأن الجرعات تم تهريبها رسميا وبموافقة من الهيئة للصيدلية لإدخال هذه الجرعات وليست لشركة أو وكيل الشركة وفقا للقانون”. وبعد تسجيل وفيات الأطفال عممت الجهات الرسمية بسحب هذه الجرعات من الأسواق، في حين أن “هناك مئات الحالات المشابهة ولكنها فردية ولم يسلط عليها الضوء من قبل الإعلام”.
ويشير المتحدث إلى أن اليمن يعاني إشكالية كبيرة بتوفير الدواء لعموم المستهلكين لعدة أسباب، منها “الحصار من دول التحالف، والإجراءات البيروقراطية الادارية لمنح التراخيص للوكلاء وشركات الادوية المحلية”، بما أثر على سوق الدواء بـ”انعدام الكثير من الأدوية، وخاصة الأدوية الأساسية”، وهنا “برز التهريب للأدوية كحل لتوفير الدواء، وكان يتم بالغالب بطرق رسمية لتوفير الأدوية الأساسية، إلا أن المشكلة توسعت وأصبحت غالبية الادوية التي في السوق مهربة، وهنا الكارثة”.
رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك يعتقد أن الأدوية قد تم تهريبها وإدخالها للبلاد رسميا وبموافقة جهات رسمية