كانت سنوات مراهقتي، إسوة بالعديد من المراهقين الآخرين، صعبة. شعرت فيها بالضعف، والاضطراب، والارتباك، وسجّلت أصغر التفاصيل التي اختبرتها على صفحات دفتر يومياتي الذي حرصت على بقاء مضمونه سرّيًا.
وبالعودة إلى الوراء، أرى أنه كان ثمة جمال في هذه السنوات الصعبة. ساعدتني كل تلك المشاعر القوية بمعرفة من أكون، وأي نوع من الأشخاص أرغب بأن أكون محاطة بهم. وأشعر أيضًا بأنني محظوظة لكوني جزءًا من الجيل الأخير الذي عاش طفولته بعيدًا عن الحياة الرقمية، وآخر من تأثر بالجيل العاشر (بين مطلع الستينيات ومطلع الثمانينيات) عوضًا عن المحسّنين الذاتيين الذين جاءوا بعد ذلك. وكانت هذه المشاعر القوية محمية إلى حد ما من التأثيرات المجتمعية التي تملي عليّ أن أفعل ذلك، وأن أكون أكثر مثل ذلك.
لكن هذا الأمر ليس صحيحًا اليوم. وتنمو الفتيات وسط ضغوطات خارجية متزايدة عليهنّ، ما يجعلهن يعانين خلال مرحلة انتقالهنّ إلى سن المراهقة والبلوغ من اضطراب نفسي، أكثر ممّا كانت عليه الحال سابقًا. وفي السنوات الأخيرة، أظهرت الأبحاث ارتفاعًا حادًا بحالات الاكتئاب والقلق بين الفتيات، بمعدلات تفوق بشكل ملحوظ تلك المسجلة بين الفتيان.
وفي كتابها الجديد، “فتيات على حافة الهاوية: مساعدة فتياتنا على النمو في عصر يشهد تزايدًا بمعدلات القلق والاكتئاب ووسائل التواصل الاجتماعي”، تبحث دونا جاكسون ناكازاوا عن مسببات ذلك، وما يمكننا فعله حيال هذه الظاهرة.
وتحدثت مع ناكازاوا حول تأثير علم الدماغ الجديد على الفتيات وسن البلوغ، وكيف أنّ أسلوب حياتنا السريع على الإنترنت لا يتوافق بشكل جيد مع احتياجاتنا النفسية.
ما الذي يجعل هذه المرحلة العمرية من الحياة أكثر صعوبة عاطفيًا للفتيات المراهقات؟
دونا جاكسون ناكازاوا: ثمة تركيز كبير على الأداء والمنافسة. ويفتقد أطفالنا الذين تترواح أعمارهم بين 7 و13 عامًا، هذا الجزء المهم من الطفولة، مثل التسكع مع الأصدقاء، والاستلقاء على العشب للدردشة حول أي شيء. واستعضنا عن ذلك بثقافة الحركة السريعة، وأضفنا إليها أيضًا، وسائل التواصل الاجتماعي، التي لا يُفترض أن يتعرّض لها الأطفال قبل سن الـ13 عامًا، لكن الكثير منهم يتشربوها قبل ذلك بكثير.
وما أن يتصلوا بوسائل التواصل الاجتماعي، فإن التركيز على المظهر يؤثّر على الفتيات بشكل خاص. فهنّ سيحصلن على “إعجاب” أو “لا إعجاب” بناءً على مظهرهنّ، ومدى كونهنّ مثيرات أكثر من الفتيان. ويتعلّمن أنه كلما قلّ عدد الملابس التي يقمن بارتدائها، زاد عدد نقرات “الإعجاب” التي يحصلن عليها، وأن أجسامهنّ ستخضع للتقييم.
وأضف إلى ذلك تهديدات الاحترار العالمي، والاعتداء بالأسلحة النارية على المدارس، وأمور أخرى. كل شيء يسخن، حرفيًا، وأُنشئت منصات وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة حدة هذه الانفعالات. ومن ثم علينا إبراز الواقع الصارخ المتمثّل بأنّ الفتيات يتعرّضن على نحو روتيني لتهديدات إضافية، مثل التحرش الجنسي، والاغتصاب، والعنف ضد المرأة بحكم كونها أنثى.
وأدمغة الفتيات حساسة بشكل خاص جراء هذه الضغوطات؟
ناكازاوا: تتّسم مرحلة البلوغ بالهشاشة القوية لجهة نمو دماغ الفتيات. وبالطبع، هذا الأمر يسري أيضًا على الفتيان وكل شخص يختبر هذه المرحلة، لكنه أكثر بروزًا لدى الفتيات. وعندما يبدأ الجسم بإفراز هرمون الإستروجين خلال مرحلة البلوغ، فإنه فعال تحديدًا لجهة احتمال زيادة الاستجابة القوية للإجهاد أمام الضغوط غير المخففة، وهناك سبب وجيه لذلك.
والإستروجين، من الناحية التطورية، هرمون رائع للغاية ومنظم رئيسي للدماغ. والجانب الجيد منه، في الظروف العادية، يمنح المرأة هذه الاستجابة المناعية الإضافية التي تساعدها في الحفاظ على صحتها وقوتها. لكن عندما تواجه المرأة ضغوطًا كبيرة ومستمرة في البيئة التي تحيط بها، يمكن أن يؤدي ذلك إلى المبالغة برد فعل أنظمتنا. ولذلك تملك النساء استجابة أقوى للقاحات، ولم يعانين من أمراض المناعة الذاتية في كثير من الأحيان مقارنة بالرجال. ويمكن أن تثير الضغوطات الاجتماعية استجابة مناعية مماثلة لتلك التي تحدث لدى التعرض لأذى جسدي.
وعندما تختبر الفتيات ضغوطًا اجتماعية وعاطفية كبيرة بالتوازي مع بدء إفراز هرمون الاستروجين خلال فترة البلوغ، فقد يفاقم ذلك التأثيرات السيئة للإجهاد على الصحة والنمو.
إلى ذلك، فإنّ الفتيات يختبرن مرحلة البلوغ في سن أصغر
ناكازاوا: يأتي سن البلوغ في عمر أصغر، بتوقيت لا يُفترض أن يُعاد فيه تشكيل الدماغ. كل تلك الأجزاء من الدماغ التي تساعد على التمييز بين ما يجب أن نستجيب له وما ينبغي ألا نستجيب له، وعندما نحتاج للمساعدة، لم تُحفّز بعد.
وما برح العلماء يحاولون تفسير سبب حدوث البلوغ في وقت مبكر، لكننا نعلم أنه يحدث. بالعودة إلى عام 1800، كانت تبدأ الدورة الشهرية لدى الفتيات في عمر الـ16 عامًا؛ وفي عام 2020، كان متوسط عمر البلوغ 11 عامًا. وقد يكون مردّ ذلك إلى الإجهاد أو التحول في النظام الغذائي. ويفترض بعض علماء الأعصاب أنه يمكن أن يكون التحريض الجنسي الذي تتعرض له الفتيات في سن مبكرة جزءًا آخر من سبب بلوغهن المبكر.
ومهما كان السبب ، فإن المزيد من الفتيات يمررن بمرحلة البلوغ المبكر، ما يعني أنّ لديهنّ مشاعر، ويعانين من إجهاد متزايد قبل أن يتم تنشيط أدمغتهن وتوصيلها للتمكن من التعامل مع ذلك. وهذا ما يُوصف بعدم التطابق التطوري.
يعتبر الجميع أنّ سن البلوغ، مرحلة تنتاب المرء خلالها مشاعر قوية، فضلًا عن مستوى معيّن من الاغتراب. كيف يمكنك التمييز بين المراهقين المزاجيين النموذجيين واضطراب الصحة العقلية؟
ناكازاوا: العلامة الكلاسيكية هي أن طفلك لم يعد يتحدث إليك أو إلى أي شخص آخر. ينعزل، ويصبح سريع الانفعال، ويتشاجر مع الأصدقاء، وينام طوال الوقت، أو لا ينام بتاتًا، ويعاني من حزن مستمر، ويأس، وإرهاق.
لهذا السبب، عندما تفصح ابنتك عن أمور صعبة تختبرها، حاول أن تجعلها تجربة جيدة لها. وإذا اعتبر الطفل أنّ في إمكانه التحدث إلى والديه حول أي شيء، فهذا يخبرنا كثيرًا عن حال الطفل. ويحتاج الأهل إلى محاولة إيجاد طرق لإبقاء الحوار مع طفلهما مفتوحًا، ليس حصرًا معهما، إنما مع أي شخص، سواء أكانت عمة أو معلمة مفضلة.
ومع ذلك، فإن حل هذه المشكلة ليس في وسع الأهل التعامل معها أو ليس عليهما فعل ذلك بمفردهما، أليس كذلك؟
ناكازاوا: ثمة العديد من الطرق المختلفة للإنضواء بالمجتمع الأوسع. ويعتقد الكثير من الأهل أنهم يواجهون ذلك بمفردهم، لكن هذا الأمر خاطئ، ولا ينبغي علينا التفكير بأنّ علينا تحمّل هذا كله بمفردنا. وسيكون ثمة وقت لا يتحدث فيه أطفالنا إلينا، ولا بأس حينها من التواصل مع المدرسة والقول إنك بحاجة للمساعدة. أنت لست فاشلاً إذا كان طفلك قلقًا أو مكتئبًا، ولا يمكنك التعامل معه بمفردك. ولكن، لماذا نعتقد أننا الوحيدين الذين نملك نصائح قابلة للتطبيق؟
وقد يساعد العلاج من خلال الكلام بتخطي هذه المرحلة وهناك أدلة جيدة جدا. لذا في حال كان المجتمع أكبر، فقد يوفر الكثير من الطمأنينة للأطفال، لأن هذه هي الطريقة التي تطور بها البشر عبر الزمن، فقد كنا نعلم جميعنا أنّ القبيلة ستحمينا. لقد أتينا من بيئات مجتمعية، لكننا نعاني اليوم من العزلة، ويشعر الأطفال كما لو أنهم يتنافسون مع بعضهم، الأمر الذي يشعرهم بأنهم أقل رغبة بالاتصال.
ومن المهم أن تتشارك مع المجتمع المحلي، ويتعرف أطفالك إلى العالم الأوسع، ويدركون مدى أهميتهم، وأنه يتواجد بالغون في العالم يقولون: “أنتظرك في ذاك المكان”. ويجب إشراك أطفالنا في أحداث على مستوى المجتمع، لا تتعلق بالأداء أو التقييم، أو التحقق الخارجي، أو بناء سيرتهم الذاتية. بل، تساعدهم هذه التجارب على معرفة أهميتهم لأنهم مهمين، وبذلك يبنون قيمتهم الجوهرية.
وفي الخلاصة، كلما جعلنا العالم الأوسع، مقنعًا وجذابًا ومثيرًا لفتياتنا، وغنيًا بالتواصل الصحي، ومختلفًا عن عالم وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، كلما شعرت فتياتنا بالأمان. وعندما يتم ذلك، تقل احتمالية انخراطهنّ بآلية إجهاد أدمغتهن، ويتمتعن بفرصة أفضل لتجاوز سنوات المراهقة من دون أن ينتابهنّ شعورًا بالاكتئاب أو القلق.
متابعات