يكتسب تعيين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، رئيسا للوزراء الذي أعلن هذا الأسبوع بأمر ملكي، طابعا أكثر أهمية في الخارج منه داخل المملكة، حيث يتمتع بسلطات واسعة منذ وقت طويل ويعتبر الحاكم الفعلي للبلاد، بحسب تقرير أعدته وكالة فرانس برس.
وعين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، نجله محمد بن سلمان رئيسا لمجلس الوزراء ونجله الثاني الأمير خالد وزيرا للدفاع، وذلك بموجب ثلاثة أوامر ملكية صدرت، الثلاثاء.
وقال مسؤول سعودي لـ”رويترز”، إن الدور الجديد لولي العهد كرئيس للوزراء يتماشى مع تفويض سابق من الملك للمهام إليه، بما في ذلك تمثيل المملكة في الزيارات الخارجية ورئاسة القمم التي تستضيفها.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم نشر هويته، أن ولي العهد، بناء على أوامر الملك، يشرف بالفعل على الهيئات التنفيذية الرئيسية للدولة بشكل يومي، وأن دوره الجديد كرئيس للوزراء يأتي في هذا السياق، مشيرا إلى أن “مثل هذا التفويض للمهام حدث في تاريخ المملكة عدة مرات”.
وجاء التعيين قبل أقل من أسبوع من المهلة المحددة لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للنظر فيما إذا كان الأمير محمد يتمتع بحصانة من الملاحقة القانونية في القضايا التي رُفعت ضده في المحاكم الأميركية، وفقا لـ”فرانس برس”.
وتم رفع سلسلة دعاوى قضائية في السنوات الأخيرة ضد ولي العهد (37 عاما)، الحاكم الفعلي لأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، في الولايات المتحدة، أبرزها تلك المتعلقة بقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، بوحشية في قنصلية بلاده في إسطنبول في العام 2018، حسب “فرانس برس”.
وأدى مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، إلى الإضرار بسمعة الأمير محمد وتوتر علاقات المملكة مع الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين، وفقا لـ”رويترز”.
وخلُص تقرير استخباري أميركي حول اغتيال خاشقجي في 2018، إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “أجاز” عملية اختطافه أو قتله.
ونفى الأمير محمد إصداره أمرا بقتل خاشقجي، لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية في نهاية المطاف على اعتبار أنه حدث وهو في موقع السلطة.
وبعد تعيينه رئيسا للوزراء، تخوف مدافعون عن حقوق الإنسان ومنتقدون للسعودية، هذا الأسبوع، من أن الخطوة محاولة لتعزيز مطلب الحصول على الحصانة وتجنب الملاحقة القانونية.
وأكدت المديرة التنفيذية لمنظمة “الديموقراطية الآن للعالم العربي”، سارة ليا ويتسن، أن هذه “محاولة أخيرة لاستحضار لقب جديد له”، و”حيلة” لتبييض صورته، وفقا لـ”فرانس برس”.
دعاوى مختلفة
في أكتوبر 2020، بعد عامين على مقتل خاشقجي، تقدمت منظمة “الديموقراطية الآن للعالم العربي” التي كان أسسها الصحفي السعودي المعارض الراحل، مع خديجة جنكيز ، خطيبة خاشقجي، بشكوى في الولايات المتحدة تتهم محمد بن سلمان بالتورط في “مؤامرة” أدت إلى خطف وتقييد وتخدير وتعذيب واغتيال خاشقجي.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن رفع العام الماضي السرية عن تقرير استخباراتي خلُص الى أن بن سلمان وافق على العملية التي استهدفت خاشقجي، وهو أمر تنفيه السلطات السعودية بشدة، وفقا لـ”فرانس برس”.
ولا تقتصر الدعاوى القانونية التي تستهدف ولي العهد السعودي في المحاكم على قضية خاشقجي، فقد ورد اسمه في دعوى قضائية أميركية منفصلة رفعها المسؤول الاستخباراتي السابق سعد الجابري الذي يعيش راهنا في منفى اختياري في كندا.
وقال الجابري الذي عمل عن قرب ولمدة طويلة مع مسؤولين أميركيين في عمليات سرية لمكافحة الإرهاب، في دعواه إن “ولي العهد محمد بن سلمان أرسل في 2018 فريق اغتيالات لقتله في كندا”.
وفي قضية أخرى تم رفعها في فرنسا، اتهمت الصحفية اللبنانية، غادة عويس، الأمير محمد بن سلمان بالتورط في مخطط لاختراق هاتفها المحمول وتوزيع “صور شخصية مسروقة” للتشهير بها ومنعها من العمل على قضايا حقوق الإنسان، وفقا لـ”فرانس برس”.
وبلغت مسألة الحصانة ذروتها في الصيف عندما أعطى قاض أميركي وزارة الخارجية مهلة حتى الأول من أغسطس للقول ما إذا كانت تعتقد أن الأمير محمد مؤهل للملاحقة.
غير أنّ إدارة بايدن الذي زار السعودية في يوليو بعدما كان قد تعهّد خلال حملته الانتخابية بالتعامل مع المملكة “كدولة منبوذة”، طلبت مهلة إضافية مدتها 60 يوما كي تحدد موقفها، وتنتهي المهلة الجديدة، الاثنين.
لا تغييرات في الداخل
عين العاهل السعودي الملك سلمان ولي العهد في منصب رئيس الوزراء مكانه، ولا شك أيضا أن هذا المنصب الجديد يعزّز سلطات بن سلمان الذي يعتبر الحاكم الفعلي للمملكة، حسب “فرانس برس”.
ولا يتوقع حدوث تغييرات داخل المملكة بسبب المنصب الجديد، بحسب الخبير في السياسة السعودية في جامعة بيرمنغهام عمر كريم.
ويقول كريم إن ولي العهد السعودي “كان مسيطرا بالفعل بشكل تام، ولم يكن يواجه أي تهديد سيتمكن من مواجهته (بشكل أفضل) عبر توليه منصب رئيس الوزراء”، وفقا لـ”فرانس برس”.
في الوقت ذاته، ليس واضحا إن كان توليه منصب رئيس الوزراء سيعزّز من حصانته كون الملك سلمان يبقى رئيس الدولة.
وبحسب ويتسن، هذا “نوع من الأمور المؤقتة”، مشيرة الى أن التعيين يلحظ أن الملك يترأس بنفسه مجلس الوزراء إذا كان موجودا.
ويشير آخرون الى أن الملك سلمان ترأس اجتماعا لمجلس الوزراء في اليوم نفسه الذي أعلن فيه منصب الأمير الجديد.
وبالنسبة الى مشكلة الحصانة، إذا تم تجاوزها في الولايات المتحدة، يرجح أن تظهر في بلدان أخرى.
ففي يوليو الماضي، أعلنت منظمتان غير حكوميتين ومحاميهما الفرنسي أنهما قدمتا شكوى ضد الأمير بتهمة التواطؤ في تعذيب الصحافي جمال خاشقجي وإخفائه القسري.
وقالت منظمتا “الديموقراطية الآن للعالم العربي” و”ترايل إنترناشونال” إن هذه الشكوى المؤلفة من 42 صفحة تؤكد أن محمد بن سلمان “متواطئ في تعذيب خاشقجي وإخفائه القسري في القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من أكتوبر 2018″، وأنه “لا يتمتع بحصانة من الملاحقة لأنه كولي عهد، ليس رئيس دولة”.
متابعات