بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، وفرض الغرب عقوبات على واردات الطاقة من روسيا، ارتفعت أسعار الغاز والنفط في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا التي تعتمد بشدة على الغاز الروسي للصناعة والتدفئة خلال الشتاء.
وأعدت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا مطولا يظهر انعكاس ارتفاع الأسعار على أرض الواقع، ولجوء الكثيرين إلى مواقد الفحم والأخشاب كوسائل بديلة للتدفئة في الشتاء، فيما لفت التقرير إلى أن ارتفاع الطلب عليها أدى إلى فقدانها من السوق، كما سجلت عدة حالات سرقة للأخشاب.
وأدرك المواطن الألماني، يورج ميرتنز، أن المواجهة بين الغرب وروسيا أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة في جميع أنحاء أوروبا، لكن فواتير شهر أغسطس تركته مذهولا، وارتفعت فاتورة الطاقة الخاصة به بنسبة 70 في المئة.
وقال الرجل البالغ من العمر 60 عاما من ميونخ بصوت خافت: “أنا خائف”. بعد الإيجار، فإن التكاليف المتزايدة – حوالي 190 دولارا شهريا للكهرباء والتدفئة، مقارنة بـ 112 دولارا من قبل – ستبقي معه 366 دولارا شهريا للأغذية والأدوية والتنقل، خلال “أسوأ نوبة تضخم في ألمانيا منذ سبعينيات القرن الماضي”، وفقا للصحيفة.
وقال ميرتنز، المصاب بمرض في العمود الفقري ويعيش من معاش تقاعدي: “سأضطر إلى شراء كميات أقل من الطعام. كيف سأدفع الإيجار في الشتاء؟”.
وفي جميع أنحاء أوروبا، فإن استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لصادرات الغاز الطبيعي كسلاح – كما يقول الأوروبيون، لمعاقبة الغرب على فرض عقوبات على روسيا – يلقي قنبلة على المستهلكين في بعض من أغنى البلدان على وجه الأرض، وفقا للصحيفة.
وشهدت الدول التي تضررت أكثر من غيرها – بما في ذلك ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا – زيادات سنوية على دافعي الضرائب وصلت إلى 210٪، في وقت يحذر فيه مسؤولون ومحللون من احتمال التقنين وانقطاع التيار الكهربائي في الشتاء.
وفي بريطانيا، يتخلى السكان الذين يعانون من ضائقة مالية عن الحيوانات الأليفة، بينما تحذر المدارس من أن ارتفاع تكاليف الطاقة يعني أنهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف الكتب المدرسية الجديدة. وفي بولندا، يدرس المسؤولون توزيع أقنعة مكافحة الدخان، حيث يفكر البولنديون في حرق القمامة للتدفئة في الشتاء. وفي ألمانيا، يقوم سكان برلين الغربية القديمة بنفض الغبار عن أفران الفحم والأخشاب، التي كانت ذات يوم بمثابة تأمين ضد الروس الذين كانوا يستهدفون إمدادات الطاقة خلال الحرب الباردة.
العديد من الدول الأوروبية تعاني من ندرة وارتفاع أسعار الحطب، واللصوص يستغلون ذلك، ويسرقون جذوع الأشجار من سيارات “البيك أب”، ويقوم المحتالون بإنشاء مواقع إلكترونية مزيفة، متظاهرين بأنهم بائعي أخشاب لخداع المستهلكين اليائسين. وتم بيع أفران الحطب في العديد من البلدان بالكامل تقريبا.
“الحطب هو الذهب الجديد”، هكذا قال فرانز لونينجهاكي (62 عاما)، من بريمن في ألمانيا، الذي لديه طلبات مسبقة على أفران حرق الأخشاب، ويتوقع أن تصل فاتورة الطاقة العام المقبل إلى 4500 دولار، ارتفاعا من 1500 دولار في 12 شهرا حتى مايو الماضي.
وقال نوربرت سكروبيك، عامل تنظيف المداخن في برلين – وهو فني مرخص يرتدي زيا خاصا لفحص مواقد (شيمينيه) الأخشاب والفحم، إنه شهد زيادة في الطلب، مع تجديد سكان برلين للمواقد القديمة وتركيب أخرى جديدة. ويخشى أن يؤدي إقبال السكان المحليين لشراء أجهزة تدفئة متنقلة إلى تسريبات خطيرة لأول أكسيد الكربون إذا تم تركيبها أو استخدامها بشكل غير صحيح.
وتسعى الدول الأوروبية جاهدة لخفض الاستهلاك، وملء الاحتياطيات وبدائل المصادر للغاز الطبيعي الروسي، وكل ذلك في الوقت الذي تعهدت فيه بتقديم مساعدات مالية بقيمة مئات المليارات من الدولارات للمستهلكين والشركات، لوقف النزيف الاقتصادي، وفقا للصحيفة.
وفي نهاية أغسطس الماضي، قالت رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، إنه في أسوأ الظروف ربما يشهد الشتاء المقبل انقطاع التيار الكهربائي لمدة ساعتين عن البيوت الفرنسية، وسط أزمة طاقة واسعة النطاق تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقالت بورن إن هذا الوضع يعود في جزء منه إلى تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا، وأيضا إلى خطط إغلاق نحو نصف المفاعلات النووية الفرنسية البالغ عددها 56 لإجراء عمليات صيانة.
يشار إلى أن فرنسا تعتمد على الطاقة النووية في توليد نحو 67 في المئة من احتياجاتها من الكهرباء، وعلى الغاز في توليد نحو 7 في المئة.
وأضافت بورن: “يعني ذلك أننا سننتج كهرباء أقل، وقد تكون هناك أوقات، خاصة إذا كان الجو شديد البرودة، قد نواجه فيها مشكلة في توفير الكهرباء. في مثل هذه الحالة، سنقطع بالتناوب الكهرباء عن حي تلو الآخر، لمدة لا تزيد على ساعتين”.
وأوضحت أن مثل هذا القرار سيكون مدفوعا بمجموعة من الظروف السيئة، منها قيام روسيا بقطع إمدادات الغاز، وفرض قيود على واردات الغاز الطبيعي المسال، وأن يكون الشتاء شديد البرودة.
وفي سياق متصل، أعلنت شركة الطاقة الروسية “غازبروم” الخاضعة لسيطرة الدولة في أغسطس الماضي أنها ستعلق جميع شحنات الغاز إلى شركة “إنجي” الفرنسية بسبب نزاع مالي. وقالت إنجي إنها حصلت بالفعل على ما يكفي من الغاز للوفاء بالتزاماتها تجاه العملاء.
وفي 8 سبتمبر، حددت رئيسة الوزراء البريطانية، ليز تراس، أسعار فواتير الطاقة الاستهلاكية المرتفعة لمدة عامين، في إطار حزمة للحد من الصدمة الاقتصادية للحرب في أوكرانيا التي قد تكلف حوالي 150 مليار جنيه إسترليني (172 مليار دولار).
وفي الوقت الذي تواجه فيه بريطانيا ركودا بسبب تضاعف فواتير الطاقة المنزلية تقريبا أربع مرات، حددت تراس، أسعار الفواتير ووصفت ذلك بأنه “إجراء فوري جريء لحماية المستهلكين والشركات”.
وأعلنت تراس عن تحديد أسعار فواتير الطاقة لمدة عامين عند سقف 2500 جنيه إسترليني (أكثر من 2800 دولار) سنويا للأسرة العادية، في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة.
وقالت تراس التي كانت تتحدث أمام البرلمان إن أسعار الطاقة سيتم تحديدها لمدة ستة أشهر للشركات.
واجتمعت الاضطرابات التي تشهدها سلاسل التوريد العالمية، بسبب جائحة كورونا، مع عواقب الحرب الروسية في أوكرانيا، لتتسبب في رفع أسعار الطاقة والسلع والضروريات الأساسية، وفق تقرير لوكالة رويترز.
وفي اليوم الأخير من شهر أغسطس الماضي، أغلقت روسيا خط أنابيب نورد ستريم 1 – الرابط الرئيسي للغاز إلى ألمانيا – بدعوى الحاجة إلى الصيانة. هذا الشهر، ألقى بوتين باللوم على العقوبات الغربية في التأخير وحذر من أنه سيقطع إمدادات الطاقة تماما إذا اتبع الغرب تعهدات بفرض قيود على أسعار صادرات الطاقة الروسية.
متابعات