كثيراً ما نسمع البعض يقول بأنه يشعر بالملل، أو من يرغب في الجلوس لبعض الوقت، دون أي فعالية، أو عمل وشغل، هذه حالة طبيعية وقد تمر بنا جميعاً. ولا غرابة في حدوثها أو الحاجة لها. ويجب علينا عدم رفضها أو تجنبها، لأنها قد تكون هي الحالة التي ينبع منها الإبداع والتميز، من الممكن أن ينتج عقلنا خلالها فكرة ما، أو مبادرة غير مسبوقة. والذي أقصده أن مرحلة التوقف التي نمارسها عند التعب والإرهاق أو عند الملل، قد تكون هي الفراغ الذي ينتج الإبداع، وبالتالي، لا يكون وقتاً فارغاً تلك اللحظات التي نتوقف فيها، أو التي نشعر فيها بالملل، بقدر أنها لحظة ولادة للخيال الذي قد يؤدي إلى الابتكار.
في اعتقادي، الملل، على سبيل المثال، ليس حملاً أو فراغاً كما يراه البعض، بقدر ما أنه محطة توقف يمكن خلالها أن تثار تساؤلات وتنبع أفكار مفيدة، لأن العقل قد يبدأ خلالها بردة فعل بأن يفعل شيئاً ما، أو أن يتوجه نحو فكرة أو تخيل، يعيد صياغة حقيقة أو يقدم افتراضاً ما بشكل جديد. وكأنه في هذه المرحلة، تحول الملل من فعل غير مرغوب أو عدو للحركة، إلى حليف قوي يولد الأفكار ونجد فيه فرصة للخروج من قالب الفراغ.
هذا ليس كلاماً نظرياً، أو أمنية، بل هناك دراسات وبحوث ومقالات علمية تناولت هذا الجانب من بينها مقالة تحليلية بعنوان «الفوائد الإبداعية للملل»، بقلم الدكتور ديفيد بيركوس، أستاذ القيادة والابتكار في جامعة أورال روبرتس الأمريكية، ونشرها في مجلة مراجعة هارفارد للأعمال 2014، تناول خلالها كيف يمكن لحالات الملل المؤقت، أن تحفز التفكير الإبداعي. وقال: «الملل ليس عطلاً في النظام الذهني، بل إشارة إلى حاجتنا لتجديد التفكير. والملل ليس عدو التعلم أو الإبداع، بل هو إشارة خفية بأنك أصبحت مستعداً لصنع اتصال جديد بين الأفكار».
إن وقت الفراغ، الذي يراه الكثير إضاعة للوقت، قد يكون فرصة للتحرك، وفرصة ملائمة للتفكير والتمهل، خاصة أننا في عصر سريع التحرك والتغير، معها ربما يكون الملل نوعاً من التصحيح أو طريقاً نحو الإبداع والتميز.
متابعات