عندما نعتقد أننا نفهم

بقلم/شيماء المرزوقي

أحياناً، نناقش موضوعاً يومياً بسيطاً مثل طريقة عمل المكابح في السيارة أو سبب حدوث قوس المطر، فنجد أنفسنا واثقين من إجاباتنا حتى اللحظة التي نطالب فيها بشرح مفصل عندها تتعثر الكلمات، وتنكشف فجوة غير متوقعة بين ما نظنه فهماً وبين ما نستطيع فعلاً أن نفسره. ما يحدث هنا ليس كسلاً أو خللاً ذهنياً لدينا بقدر ما هو انحياز معرفي، وتم تفسيره علمياً بما يعرف بوهم عمق الفهم، حيث يبالغ الإنسان في تقدير ما يملكه من معرفة حتى يجرب ترجمتها إلى شرح.
في حياتنا العملية، يظهر الوهم حين نستخف بمهمة تصميم إجراء بسيط في العمل ثم نكتشف أننا لا نعرف تسلسله ولا استثناءاته إلا بعد محاولة تطبيقه، أو حين نعتقد أننا نفهم آلية منتج جديد قبل قراءة الدليل، ثم نصطدم بتفاصيل لا تنسجم مع تصوراتنا الأولى. حتى في النقاشات العامة، يبدو لنا أحياناً أن قضية معقدة واضحة لأننا نعرف مفرداتها، بينما قدرة تفسيرنا لأساس السبب والنتيجة ضعيفة عند أول سؤال.
لقد نبهتني هذه الفكرة شخصياً إلى أن الطمأنينة التي يمنحها الاعتياد ليست دليلاً على أننا نفهم، بل غالباً قشرة مألوفة تخفي تحتها فراغاً، لا يظهر إلا عند الشرح خطوة بخطوة. ولعل أفضل طريقة لمواجهة هذا الوهم هي أن نحول الثقة العامة إلى اختبارات صغيرة للفهم: اكتب ما تظن عقلك يعرفه على شكل خطوات، ارسم مخططاً بسيطاً، اشرح الشيء لطفل أو لزميل من خارج المجال، ثم راقب أين تتعثر.
لخص ليونيد روزنبيلت وفرانك كيل في دراستهما التي نشرت في مجلة «العلوم المعرفية» عن وهم عمق فهم الفكرة بدقة، حين كتبا داخل الدراسة أن الناس «يشعرون أنهم يفهمون الظواهر المعقدة بدقة واتساق وعمق أكبر بكثير مما يفعلون حقاً»، وهي جملة قصيرة تكفي لتذكيرنا بأن أول خطوة نحو فهم أعمق هي الاعتراف بأن فهمنا الحالي أقل مما يبدو، ثم تحويل هذا الاعتراف إلى عادة شرح يفضح الثغرات ويسدها واحدة تلو الأخرى.
هنا يصبح السؤال الجيد أداة إنقاذ، لأن طلب «اشرح كيف يعمل» يكشف سريعاً أين يتوقف الفهم وأين يبدأ التظاهر به. وككاتبة، أجد أن هذه الممارسة لا تضعف الثقة، بل تعيدها إلى أساس صلب وقوي، حيث إنها تستبدل يقيناً واسعاً بفهم أكثر تماسكاً، فتقل المبالغة في وعودنا وأذهاننا، وتتحسن جودة قراراتنا، ونتعلم أن المعرفة لا تقاس بما نحفظه من أسماء وأمثلة، بل بما نستطيع أن نوصله من أفكار.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى