هل يُخطّط مقتدى الصدر “المُعتزل نهائيّاً” للانقلاب على الدولة العراقيّة ونفوذ إيران ؟:

لماذا حمل أنصاره المُقتحمون للقصر الجمهوري صُوره وهتفوا باسمه فقط.. ولماذا ترك لهم حريّة التصرّف فسبحوا في مسبح القصر وسيطروا على “بذلة الرئيس”؟ وماذا عن الانتقاد الحاد الذي طاله من المرجع الشيعي البارز الجابري

لا أحد في العراق وخارجه، يستطيع الجزم بما يُمكن أن تؤول إليه الأمور المُتصاعدة حدّتها أساساً، وتحديدًا بعد قرار زعيم التيّار الصدري مقتدر الصدر المُفاجئ اعتزال العمل السياسي “نهائيّاً” اليوم، وفي توقيتٍ ومُنذ أشهر يحتشد أو يحتل أنصاره مُحيط مجلس النواب، ثم ليُترك أنصار الصدر ويجري تحشيدهم باعتزاله لاقتحام القصر الجمهوري، وفي مشاهد أعادت للأذهان مشاهد اقتحام القصر الرئاسي في سيرلانكا.
يعتزل الصدر العمل السياسي، لكنّ اعتزاله في هذا التوقيت الحسّاس، قد يأخذ العراق لمخاوف صدامات دمويّة، خاصّةً أن الرجل (الصدر) قد أعلن اعتزاله، وترك القيادة فارغة يراها البعض عشوائيّة لأنصاره، بغلق المؤسسات الخاصّة بتيّاره، وفي رسالة تقول إن الكل في حلٍّ منّي، كما أعلنت اللجنة التنفيذيّة لاعتصامات التيار الصدري “انتهاء سيطرتها على تظاهرات الشارع”، ما يعني أنها غير مسؤولة عمّا يصدر عن تلك التظاهرات، ما قد يأخذ البلاد إلى المجهول.
يُقدّم الصدر نفسه أمام خصومه السياسيين بأنه صاحب مشروع إصلاحي، وفي وسط إعلان اعتزاله العمل السياسي يذهب إلى التلميح بأنه حياته مُهدّدة بسبب مشروعه الإصلاحي والرغبة في القضاء على الفساد، بل ويُطالب أنصاره بالدعاء له في حال قُتل أو مات، يُحسن الصدر فيما يبدو تحشيد أنصاره ضدّ السلطات العراقيّة بقرار اعتزاله المدروس، لدرجة أن العزم هبّ بهم لتحطيم الجدران المُحصّنة والوصول للقصر، والسباحة في مسبح القصر.
ومع هذا، ينظر بعض العراقيين إلى اقتحام القصر الجمهوري، بأنه مُقتصر على إرادة فئة من الشعب العراقي (أنصار الصدر)، فهذا ليس بنظرهم اقتحام شعبي عراقي من جميع الطوائف الدينيّة والتوجّهات السياسيّة، ليُعبّر عن حالة ثوريّة شعبيّة ضد الدولة القائمة والرغبة بإسقاطها، فببساطة رفع المُقتحمون للقصر الحكومي صورة مقتدى الصدر بعد اقتحامهم، ومن مسبح القصر إلى جانب العلم العراقي، وهتفوا بشعارات مُؤيّدة للصدر، كما أنزل أنصاره صورًا للجنرال الإيراني قاسم سليماني مرفوعة بشوارع العاصمة بغداد.
التساؤل المطروح الآن، ما هي الخطوة التالية بعد اقتحام أنصار الصدر القصر الجمهوري، فمُطالباتهم بحل البرلمان وإجراء انتخابات نيابيّة ما عادت قابلة للتنفيذ باعتزال زعيمهم، فهل كان الهدف إنهاء الدولة العراقيّة الحاليّة (بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق قالت إن الدولة العراقيّة على المحك) وإسقاط تفاهماتها، والعودة إلى العمل بنظام حكم جديد، والتأكيد على أن السلطة الحاليّة وأمنها لا تستطيع حماية مؤسسات الدولة، وحتى القصر الجمهوري (يُفترض أنه مُحصّن)، فكيف هو الحال مع تسيير أمور الشعب العراقي، وحماية أمنه، وثرواته، ومُقدّراته، في حين أن العراق أساساً في حالة شلل سياسي، وعجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، وتشكيل حكومة جديدة، ومُنذ انتخابات أكتوبر 2021 البرلمانيّة.
وفيما كان الصدر يُريد تصحيح الاعوجاج في العراق كما يقول، كان خصومه السياسيين يعتصمون ضد حل البرلمان كما يُريد أنصار الصدر، بل ويظهرون (الإطار التنسيقي تجمّع فصائل موالية لإيران/ نوري المالكي وتحالف الفتح) في مظهر المُطالبين بالحفاظ على مؤسسات الدولة، والالتزام بالشرعيّة الدستوريّة، ولكن يبدو أن ثمّة من يُريد فرط عقد هذه المؤسسات، وفتح الوضع على نهايات مفتوحة.
وبالرغم من تخلّي الصدر عن المُتظاهرين في الشارع، ومُطالبته لهم عدم استخدام اسم تيّاره بعد اليوم في العمل السياسي، لا يستطيع أحد أن يكبح جماح المُتظاهرين الغاضبين، ويمنع اصطدامهم مع الأمن، إلا الصدر ذاته، والذي دعاه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى المُساعدة في دعوة المُتظاهرين إلى الانسحاب من المؤسسات الحكوميّة.
ومن غير المعلوم إذا كان الصدر سيعود للحياة السياسيّة بحُكم اعتزاله النهائي للسياسة كما قال، وإضافةً إلى ربط البعض اعتزاله بفوائد سياسيّة، أو فشله في تقويم الاعوجاج الذي كان السبب فيه القوى السياسيّة الشيعيّة كما قال، تعرّض الصدر لانتقاد حاد من المرجع الشيعي البارز كاظم الحائري الذي انتقد فيه التيار الصدري، وأعلن عدم الاستمرار كمرجع ديني.
وكان لافتاً أن الجابري حرص على توصية الشعب العراقي بالحفاظ على الوحدة والانسجام، وعدم التفرقة، وتحرير العراق من أي احتلال أجنبي، كما ومع تخليّه عن دوره كمرجعيّة دينيّة الشيعيّة، طالب الجابري بإطاعة الولي الفقيه قائد الثورة الإسلاميّة علي الخامنئي، وهو ما لا يتماشى لعلّه مع رغبات الصدر بتحرير العراق من أيّ تبعيّة، واعتزاله لعدم قدرته على مُواصلة الاصطدام مع القوى الشيعيّة المُوالية لإيران، أو تجنّب الاقتتال فيما بين القوى الشيعيّة جميعها، والحفاظ على العراق مُوحّد بمُؤسّساته القائمة، وإن كان ينخر بعضها الفساد، أو التبعيّة كما يرى أنصار التيّار الصدري.
وحتى إعداد هذا التقرير، لا تزال الأنباء مُتباينة حول عودة سيطرة قوات الأمن العراقيّة على القصر الجمهوري بالكامل الذي اقتحمه أنصار الصدر، وسط انسحاب بعضهم، وقد جرى رصد عدد من اللقطات خلال ذلك الاقتحام، أبرزها الاستيلاء على بذلة الرئيس العراقي برهم صالح في غرفة نومه بعد اقتحام القصر الجمهوري وفراره إلى قصره في السليمانيّة.
ولفت نشطاء إلى أن السلطات العراقيّة تجنّبت إطلاق الرصاص الحي على أنصار الصدر، في حين قال نشطاء موالون للصدر بأنهم تعرّضوا للقمع والضرب من قبل عناصر مُكافحة الشغب، وإطلاق كثيف للغاز المُسيّل للدموع لتفريقهم، وسقوط قتلى وجرحى.
قيادة العمليّات المُشتركة في العراق، أعلنت من جهتها حظرًا للتجوّل في أنحاء البلاد اعتبارًا من الساعة السابعة مساء الاثنين حتى إشعار آخر، وحذّرت من الشائعات، ومن غير المعلوم كيف سيجري تطبيق حظر التجوال، وسط تفلّت المُتظاهرين العراقيين، واقتحامهم لبعض مباني المحافظات ومجالسها، منها مبنى مُحافظة ذي قار، البصرة، واسط، بابل، الديوانيّة، السماوة، ديالى.
بكُل حال، يُمكن القول بأن ما حصل اليوم في العراق، قد يكون ثورة صدريّة بالمقام الأوّل، وثورةً صدريّة ضد حلفاء إيران ونفوذهم في العراق ثانياً، وهو ما يُعطي الحق للعراقيين بأن يتوجسّوا من الاقتتال الداخلي والحرب الطائفيّة، فالمسألة ليست شعب غاضب من حكومته، ويُريد إسقاطها، بل يبدو أن الأطراف جميعها تتحضّر للتحشيد وحمل السلاح ومقاطع فيديو مُتداولة وثّقت تحشيد ميليشياتي بعيد عن أجهزة الأمن والشرطة الرسميّة، والخاسر الوحيد هُنا هو المواطن العراقي.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى