من هو الطفل الأكثر إصابة بالأمراض النفسية؟ وأثر البيئة في المنزل

المنزل هو البيئة الأولى والأكثر تأثيراً في حياة الطفل، ففيه تتشكل الأنماط العاطفية وآليات التأقلم، ومعهما تكون المرونة النفسية، ولهذا فإن دور الأمهات محوري في هذه البيئة؛ فهن يمثلن المصدر الرئيسي للدعم العاطفي، والتوجيه، والأمان للأطفال، في عصر تتزايد فيه التحديات ليُصبح تمكين الأمهات من رعاية أطفال يتمتعون بالصحة النفسية أولويةً مُلحّة.
في هذا التقرير سنتعرف من الدكتور محسن الهادي أستاذ الطب النفسي إلى الطفل الأكثر إصابة بالأمراض النفسية، وأسبابها وأعراضها، بجانب توضيح مسارات العلاجات لدى الأطفال والتركيز على الدور المحوري للأم داخل المنزل.
المنزل حصن الأمان وخط الدفاع الأول

من خلال الأنشطة اليومية الواعية داخل المنزل تبدأ الصحة النفسية للطفل بالتفتح؛ حيث يمكن للأمهات بناء بيئات صحية تُنمّي القوة العاطفية والمرونة والرفاهية للأطفال، وفي حالة التعرّف المبكر إلى الأعراض، بجانب الرعاية الوقائية والتدخل في الوقت المناسب، يمكن تغيير مسار حياة الطفل النفسية.
وهذا التمكين للأمهات حتى ينجو الأطفال يتم بالمعرفة وتوفير الأدوات والدعم اللازمين للقيام بهذا الدور، إضافة إلى أن يكون المنزل مكاناً للتفاهم والاستقرار والدعم غير المشروط، وعندما تصبح لهذه القضية الأولوية على جميع المستويات، لن ينجو الأطفال فحسب، بل يزدهرون أيضاً.
أسباب تحديات الصحة النفسية في المنزل

الجذور الأسرية: لا جدال في أن إصلاحها يعد إسهاماً ودخلاً كبيراً في مشاكل ومعاناة الصحة النفسية لأهل البيت، ما يشير إلى الإمكانات الهائلة للأمهات في جهود الوقاية والتدخل، ومنها:
عدم الاستقرار العاطفي: إذ يمكن للمنازل التي تتسم بالصراعات المتكررة، أو الاستجابات العاطفية غير المتوقعة، أو انعدام المودة، أن تُسبب ضغوطاً نفسية مزمنة لدى الأطفال.
إهمال الجانب العاطفي: عدم الانتباه العاطفي من جانب الآباء تجاه أطفالهم -حتى لو كان غير مقصود- قد يؤدي إلى شعورهم بالهجران، وانخفاض قيمة الذات، والاكتئاب.
الحماية المفرطة للطفل: أو النقد المفرط، وما يعني هذا من أساليب للتربية المسيطرة والمنتقدة دائماً، يمكن أن تُعيق نمو الطفل العاطفي وتُؤدي إلى اضطرابات القلق لديه.
التعرض لضغوط الوالدين: الأطفال حساسون للغاية للحالات العاطفية لوالديهم؛ لذا فالتعرض المُستمر لقلق الوالدين أو اكتئابهم أو غضبهم، يُمكن أن يُؤثّر على صحة الأطفال النفسية.
الأعراض المبكرة للاضطرابات النفسية للطفل

تتمتع الأمهات بميزة فريدة تُمكّنهن من مُلاحظة العلامات المُبكرة لمشاكل الصحة النفسية لأطفالهنّ؛ بفضل تفاعلاتهن اليومية معهم، وتشمل هذه الأعراض المبكرة:
-
الانسحاب من الأنشطة العائلية والتفاعلات الاجتماعية.
-
الحزن أو البكاء المُستمر دون سبب واضح.
-
تغيرات في الشهية أو أنماط النوم.
-
شكاوى جسدية غير مبررة، مثل الصداع أو آلام المعدة.
-
الانفعال، والغضب المتكرر، أو السلوك العدواني.
-
تراجع الأداء الأكاديمي أو فقدان الاهتمام بالهوايات.
من الضروري أن تتعامل الأمهات مع هذه العلامات بحساسية، متجنبات إصدار الأحكام أو التوبيخ الفوري، وإدراك وفهم أن التغيرات السلوكية للطفل غالباً ما تكون مظاهر لصراعات داخل الطفل، والتي تعد أمراً بالغ الأهمية لتقديم دعم فعّال.
البيئة المنزلية الداعمة خير وقاية

يفضل أن تبدأ الوقاية قبل ظهور الأعراض بوقت طويل، وإليك بعض الاستراتيجيات الأساسية للأمهات؛ لبناء بيئة منزلية تدعم الصحة النفسية للطفل.
بناء الأمان العاطفي
يجب أن يشعر الأطفال بالحب والقبول غير المشروط في المنزل، يمكن للأمهات تعزيز الأمان العاطفي من خلال التعبير عن المودة بانتظام من خلال الكلمات والإيماءات الجسدية.
الاستماع بنشاط وتعاطف إلى أفكار الأطفال ومشاعرهم، وطمأنة الأطفال بأنهم موضع تقدير، حتى عند ارتكابهم للأخطاء.
تشجيع التواصل المفتوح
إن ثقافة الأسرة التي تتيح مناقشة المشاعر بانفتاح تمنع الشعور بالعزلة، لهذا ينبغي على الأمهات، تشجيع الحوارات اليومية حول المشاعر، باستخدام لغة بسيطة وغير مُصدرة للأحكام.
التعامل مع مجموعة واسعة من المشاعر بشكل طبيعي، وشرح أن الشعور بالحزن أو الغضب أو الخوف أمر طبيعي، مع محاولة تجنب التقليل من شأن مشاعر الأطفال (“ليست مشكلة كبيرة”)، بل شجعيهم على تصديق تجاربهم.
تعزيز العادات الصحية
إن القدرة على التنبؤ والاستقرار أمران أساسيان لشعور الطفل بالأمان، لهذا ينبغي أن تشمل أنشطة الأمهات:
-
تحديد أوقات ثابتة للوجبات والنوم والطقوس العائلية.
-
تشجيع النشاط البدني المنتظم والحد من وقت استخدام الشاشات.
-
اتباع نظام غذائي متوازن غني بالعناصر الغذائية، التي تدعم صحة الدماغ.
تعليم مهارات التأقلم
يمكن للأمهات تزويد أطفالهن بأدوات لإدارة التوتر من خلال:
-
ممارسة تمارين التنفس العميق معاً.
-
إدخال تقنيات اليقظة أو الاسترخاء الأساسية.
-
تشجيع الأنشطة الإبداعية مثل الرسم أو سرد القصص أو الموسيقى كأشكال للتعبير العاطفي.
إعداد نموذج للسلوك العاطفي الصحي
يتعلم الأطفال تنظيم مشاعرهم بشكل أساسي من خلال مراقبة والديهم، وهنا ينبغي على الأمهات:
-
إظهار طرق صحية للتعامل مع التوتر والإحباط.
-
الاعتذار عند ارتكاب الأخطاء، مع إظهار أن النقص فطري.
-
الحفاظ على نظرة إيجابية وواقعية، مما يعزز المرونة.
متى وكيف تتدخل الأم؟
