كلنا اليوم نتابع وسائل التواصل الاجتماعي، نطّلع على أخبار العالم، نرى الناس وتجاربهم، وننصت إلى الكثيرين ممن يظهرون على هذه المنصات، وبينما نتصفح هذه المقاطع، قد يظهر لنا أحدهم بفيديو مصوّر بطريقة جذابة، مع موسيقى هادئة وإضاءة خافتة، ليقول بثقة «إذا كانت علاقتك مع شريك حياتك هادئة، بلا مشاكل أو عتاب… فانتبه فربما شريكك بدأ ينسحب من حياتك!».
قد يكون هذا الشخص يقصد شيئاً آخر، وقد تكون له نوايا طيبة، ولكن ما يفهمه المتلقي البسيط هو أن غياب العتاب والمشكلات في العلاقة مؤشر خطر، والنتيجة دائرة شكّ، تفكير، وربما خلافات تبدأ بالخيال، وتنتهي بالواقع… وكل هذا بسبب مقطع قد يكون مجرد رأي شخصي، أو فكرة مأخوذة من مقطع أجنبي تمت ترجمته دون وعي ونشره.
للأسف، كثيرون لا يدركون خطورة الكلمة التي يطلقونها في فضاء مفتوح يتأثر به الناس، البعض يهمّه فقط زيادة المتابعين والمشاهدات، دون اعتبار للعواقب.
دعونا نسأل أنفسنا، هل العلاقة الزوجية يجب أن تكون مليئة بالخلافات والدراما حتى نطمئن الى أنها حية؟ أليس من الطبيعي أن يمر الأزواج بمرحلة نضج، تتراجع فيها وتيرة العتاب، وتزداد فيها لحظات التفاهم والسكينة؟
فبعض الأزواج بعد سنوات من الحياة المشتركة، يصبح بينهم انسجام صامت يفهمون بعضهم من نظرة، ومن نبرة، ويكفيهم الحضور لا الكلام، فالهدوء ليس دائماً بروداً، وأحياناً يكون أصدق تعبير عن الطمأنينة، وقد يكون هذا الهدوء ببساطة نتيجة ظروف الحياة، ضغوط العمل، مسؤوليات الأبناء، الالتزامات العائلية، كلها تخلق انشغالات لا علاقة لها بانسحاب عاطفي أو بغيره، بل على العكس، هي جزء من دورة الحياة الطبيعية لأي زوجين، والأهم من كل ذلك لا تقارن علاقتك بعلاقات الآخرين، لأن العلاقات مثل الأيادي، متشابهة من بعيد، مختلفة في العمق، فكما أن لكل يد بصمة لا تشبه غيرها، فلكل علاقة طريقتها وبصمتها وظروفها. لذلك رسالتي اليوم لكل من يتابع محتوى العلاقات على «السوشيال ميديا»: دع علاقتك تسير وفق فهمك، لا وفق تجارب غيرك، ولا تسمح لتجربة شخص غريب أن تهزّ استقرار شيء جميل تعيشه، وليست كل تجربة شخصية تصلح لأن تُبنى عليها قاعدة عامة. الناس مختلفون، والعلاقات مختلفة، وهدوء العلاقة لا يعني موتها… بل قد يعني نضجها الحقيقي،
وفي حال وجود مشكلة حقيقية، فالأجدر اللجوء إلى الجهات المتخصصة، والمراكز المعتمدة، حيث تجد المساعدة الصحيحة والتوجيه السليم، وكلمة من شخص عابر… لا ينبغي لها أن تهدم حياة كاملة، فالعلاقات لا تقاس بالصوت المرتفع أو كثرة العتاب، بل بما يبقى منها من حب ومودة وطمأنينة في القلب حين يصمت كل شيء.