تعيين ماهر الشرع الذي يحمل الجنسية الروسية بـ”منصب حساس” داخل هيكل الدولة السورية يثير الجدل في سوريا

في خطوة أثارت ردود فعل متباينة بين الترحيب والانتقاد، عيّن الرئيس السوري أحمد الشرع شقيقه ماهر، أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية، في منصب يعدّ من الأكثر حساسية داخل هيكل الدولة السورية.  

وفتح التعيين باب الأسئلة على مصراعيه بشأن علاقة ماهر الشرع بروسيا، وهي علاقة قديمة وقوية كما تبين سيرته الذاتية، وكذلك اهتمام الصحافة الروسية بخبر تعيينه وسرد تاريخه “الروسي”.

 “بديل” منصور عزام 

يُعدّ منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية من المناصب الرفيعة والمفصلية في إدارة الدولة، وهو منصب استحدثه نظام بشار الأسد في نهاية عام 2023، بعد إلغاء “وزارة شؤون رئاسة الجمهورية”. ويتولّى شاغل المنصب الذي يعادل منصب وزير، مسؤولية التنسيق الإداري والتنظيمي داخل القصر الجمهوري، ويشكل حلقة وصل مباشرة بين الرئيس ومؤسسات الدولة.

وتتضمن مهامه إدارة جدول أعمال الرئيس وترتيب اللقاءات الرسمية، والإشراف على طواقم الرئاسة والملفات الإدارية، وتمثيل الرئيس في المناسبات، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ التوجيهات الرئاسية مع الوزارات والجهات الحكومية المختلفة، وأيضاً تمثيل الرئاسة أمام القضاء.

وبحسب مصادر سورية متابعة، فإن هذا الدور بالغ الأهمية، يجعل من يشغله شريكاً غير مباشر في الحكم، وصاحب تأثير فعلي في عملية اتخاذ القرار على أعلى المستويات.

 الجنسية الروسية

وعقب تعيين ماهر الشرع أمينا عاما لرئاسة الجمهورية، سلطت وسائل إعلام روسية الضوء على تلك الفترة من حياة الأخير التي أمضاها في روسيا، والتي امتدت لنحو عشرين عاما، حيث يحمل الرجل الجنسية الروسية، أي عمليا هو مواطن روسي.

وذكرت تقارير روسية أن ماهر الشرع (من مواليد 1973) عاش فترة طويلة في مدينة فورونيج في وسط روسيا، وأشارت نقلا عن بيانات موقع “برو دوكتوروف” (حول الأطباء) الطبي، إلى أن ماهر تخرج من أكاديمية فورونيج الحكومية الطبية التي تحمل اسم نيكولاي بوردينكو عام 2000 بتخصص “الطب العام”، ثم أكمل تخصصه في “التوليد وأمراض النساء” من نفس الأكاديمية عام 2004.

ويحمل ماهر درجة الدكتوراه في العلوم الطبية وخضع لعدة دورات تدريبية متقدمة في أكاديمية فورونيج الطبية وجامعة فورونيج الحكومية الطبية.

وأفاد تحقيق صحفي روسي يعتمد على تسريبات مختلفة، بأن ماهر الشرع متزوج من مواطنة روسية تدعى تاتيانا زكيروفا، وهي تحمل أيضا الجنسية السورية، وكانت تعمل في قطاع الأعمال حتى العام 2020. وللزوجين 3 أبناء (23 و20 و13 عاما).

وأشار التحقيق المذكور إلى أنه وفقا لبيانات حرس الحدود الروسية، غادر ماهر الشرع روسيا جوا إلى إزمير التركية في يوليو 2022 دون أن يعود إليها منذ ذلك الوقت.

ومن بين النقاط الأكثر إثارة في سيرة ماهر الشرع، هو أنه أقام في روسيا حتى يوليو 2022، في الوقت الذي كانت الطائرات الروسية تقصف إدلب، المعقل الرئيسي لشقيقه أحمد الشرع.

وعمل الشرع في مستشفيات بسوريا خلال الفترة من 2004 إلى 2013، قبل أن يعود إلى فورونيج حيث عمل في عيادات نساء مختلفة حتى الفترة الأخيرة، بينما يفيد موقع “برو دكتوروف” بعمله أيضا في مستشفى أبها للولادة والأطفال في السعودية،  بين عامي 2014 و2018.

وإلى جانب تفاصيل مسيرة ماهر المهنية، يتضمن “برو دكتوروف” تقييمات المرضى له، والتي تغطي الفترة من عام 2018 حتى عام 2023. وتظهر هذه التقييمات إشادة المرضى وتقديرهم لكفاءاته وتعامله معهم، حيث جاء 39 تقييما من أصل الـ40 الموجودة في الموقع إيجابية.

 هل عادت موسكو إلى القصر؟

وفقا لمراقبين، يبدو “الارتباط الروسي” حاسما في تعيين ماهر الشرع في المنصب الأكثر حساسية، فالموقع الذي شغله اليوم، كان يشغله سابقاً منصور عزام، أحد أبرز رجالات روسيا داخل قصر الأسد، والذي عُرف لسنوات بأنه “عين موسكو في دمشق”.

ومثّل عزّام الجسر السياسي بين القيادة الروسية ونظام الأسد، وبقي في هذا الموقع حتى آخر أيامه، مستفيداً من دعم الكرملين ومرافقاً لكل تحولات النظام، حتى وصوله إلى موسكو برفقة بشار الأسد.

 وبالعودة إلى مسيرة ماهر الشرع، يتّضح أن علاقاته بروسيا ليست سطحية (دراسة طبية، وعمل في القطاع الصحي الروسي، وزوجة روسية وأبناء يدرسون في موسكو)، وهذه الخلفية، كما يقول مراقبون، تجعل تعيينه في هذا المنصب الحسّاس مؤشراً محتملاً على رغبة موسكو في الحفاظ على موطئ قدم داخل مركز القرار في الدولة السورية الجديدة، خصوصاً بعد فقدانها الحضور السياسي السابق واقتصار حضورها العسكري بعد سقوط نظام الأسد على قاعدتيها في الساحل السوري.

وما بين قرابة الرئيس، والارتباطات الروسية الوثيقة، يعتقد العديد من الخبراء أن هذا التعيين ليس مجرد قرار عائلي أو إداري، بل يحمل أبعادا أكثر دلالة وعمقا، ستتضح ملامحها في المرحلة القادمة، وتحديدا في شكل العلاقة مع روسيا وحجم النفوذ الروسي في سوريا ما بعد الأسد.

متابعات