أعلنت قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان في بيان الخميس أن قواتها “لم تخسر أي معركة لكنها أعادت تموضعها وانفتاحها على جبهات القتال بما يضمن تحقيق أهدافها العسكرية التي تقود في نهاية المطاف إلى حسم هذه المعركة”.
ويرى مراقبون أن الدعم السريع توجه من خلال بيانها المقتضب عدة رسائل أبرزها أنها لم تتكبد أي خسائر كبيرة في المعارك، وأنها لا تزال تحتفظ بقوتها وقدرتها على القتال وذلك لرفع معنويات قواتها، وإظهار نفسها كقوة لا يستهان بها، قادرة على تحقيق أهدافها العسكرية.
ويشير البيان إلى أن ما يحدث هو “إعادة تموضع وانفتاح على جبهات القتال”، ما يعني أن قوات الدعم السريع تقوم بتغيير استراتيجيتها وتكتيكاتها العسكرية، وقد يكون هذا التغيير ناتجًا عن تقييم قوات الدعم السريع للوضع الميداني، ورغبتها في تحقيق مكاسب عسكرية جديدة.
كما يؤكد البيان على أن التحركات العسكرية لقوات الدعم السريع تهدف في النهاية إلى “حسم هذه المعركة”، ما يدل على متمسكة بأهدافها، ومستعدة لمواصلة القتال حتى تحقيقها.
ويأتي بيان قوات الدعم السريع في إطار محاولة لإظهار القوة والثقة، وتأكيد القدرة على تحقيق الأهداف العسكرية، بالإضافة إلى إرسال رسائل سياسية إلى الأطراف المعنية بالصراع وتحديدا الجيش السوداني والمجتمع الدولي، مفادها أنها لا تزال قوة فاعلة، وأن أي حل سياسي للصراع يجب أن يأخذها في الاعتبار.
على الرغم من الرسائل التي يحملها البيان، فإن قوات الدعم السريع تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك الضغوط العسكرية من الجيش السوداني، والأزمة الإنسانية المتفاقمة في المناطق التي تسيطر عليها وأيضا الضغوط الدولية المتزايدة من أجل وقف الحرب.
ويأتي بيان قوات الدعم السريع بعد سيطرة الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم في إطار حرب أهلية مستمرة منذ ما يقرب من عامين ولا يوجد أي مؤشر على قرب انتهائها.
وأعلن قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان “تحرير” الخرطوم من القصر الرئاسي الذي وصل اليه بعد استعادة جنوده لمطار العاصمة من قوّات الدعم السريع.
وقال البرهان في تصريح مباشر بثه تلفزيون السودان “الخرطوم حرة وانتهى الأمر”، وذلك بعدما تمكنت القوات المسلحة السودانية من طرد قوات الدعم السريع من العاصمة.
وفي وقت سابق، كان المتحدث باسم الجيش نبيل عبدالله قال إن قوات الجيش “استعادت المطار وتم تأمينه بالكامل” بعد عامين من تمركز قوات الدعم السريع داخله.
وتأتي هذه التطورات في إطار عملية واسعة للجيش تستهدف إحكام السيطرة على العاصمة.
وأفاد مصدر عسكري بأن الجيش يحاصر منطقة جبل أولياء جنوب العاصمة من الشمال والجنوب والشرق، وهي آخر معقل رئيسي للدعم السريع في منطقة الخرطوم.
وكان الجيش أعلن الأسبوع الجاري سيطرته على القصر الجمهوري ومنشآت حيوية أخرى منها المصرف المركزي ومقر المخابرات الوطنية.
وفي وقت سابق الأربعاء طوّق الجيش، وفق المصدر العسكري، جسر المنشية من الجانبين، وهو أحد الجسور التي تعبر النيل الأزرق شرق الخرطوم، تاركا جسر جبل أولياء جنوب غرب العاصمة كمنفذ أخير لخروج الدعم السريع من المنطقة التي تسيطر عليها.
وقال المصدر إن “بقايا ميليشيا الدعم السريع تفرّ الآن عبر جسر جبل أولياء”.
ويأتي هذا غداة اتهام مجموعات مراقبة للجيش بقصف جوي يعتبر من أكثر الهجمات دموية في الحرب، وقد أودى ب 270 شخصا على الأقل، وفق شهود، في سوق بإقليم دارفور.
وأعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك الأربعاء عن “صدمته العميقة” حيال تقارير عن سقوط مئات المدنيين جراء تلك الضربات الجوية.
وذكّر تورك بأن “الهجمات العشوائية على مدنيين وأعيان غير مقبولة وقد ترقى إلى جرائم حرب”.
ولا تزال قوات الدعم السريع تتمركز في جبل أولياء وضواحي جنوب وغرب أم درمان في الخرطوم الكبرى.
وأصبح جسر جبل أولياء الذي يعبر النيل الأبيض، المنفذ الوحيد لقوات الدعم السريع إلى خارج الخرطوم باتجاه معقلها في إقليم دارفور في غرب السودان.
وقال مصدران طبيان إن الدعم السريع أخلى مستشفى التميز القريب من المطار، والذي كان يستخدمه منذ بداية الحرب لعلاج مقاتليه.
وفي جنوب العاصمة، “أصبحت حركة الدعم (السريع) في الشوارع قليلة منذ يوم الأحد”، وفقا لعيسى حسين أحد سكان المنطقة. وقال حسين “رأيت أمس سبع سيارات تحمل أثاثا وعائلات، وتتجه ناحية جبل أولياء”.
وأكد أسامة عبدالقادر من سكان جنوب العاصمة أن “المنطقة منذ مساء الثلاثاء خالية تماما من الدعم السريع”. وأضاف “حتى الذين كانت لديهم أسر تقيم في المنطقة غادروا”.
أما حول جسر المنشية الذي سيطر عليه الجيش الأربعاء، فأكد أحد السكان آدم عبد الله أن الجيش انتشر في المنطقة بدون سماع صوت اشتباكات بسبب انسحاب الدعم السريع.
وأظهرت صور تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي احتفالات سكان بانسحاب مقاتلي الدعم السريع من مناطقهم في وسط الخرطوم.
ولم تتمكّن وكالة الصحافة الفرنسية من التحقّق على الفور من صحة الصور.
ويظهر في الصور أحد مقاتلي الجيش وهو يحتفل مع المواطنين.
ومنذ اندلاع الحرب، قتل عشرات الآلاف من السودانيين ونزح أكثر من 12 مليونا، ما تسبّب في أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم.
كما تسبّبت الحرب في انقسام البلاد بين مناطق يسيطر عليها الجيش في الشمال والشرق، بينما تسيطر الدعم السريع على معظم إقليم دارفور في غرب السودان ومناطق في الجنوب.
وبعد عام ونصف عام من الهزائم، بدأ الجيش السوداني عملية عسكرية من وسط السودان نحو الخرطوم حقّق فيها تقدّما كبيرا على الأرض.
ويبدو الجيش الآن أقرب من أي وقت مضى من السيطرة الكاملة على العاصمة التي نزح منها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون مواطن منذ بداية الحرب والتي تركتها الحكومة في بداية الحرب لتستقرّ في مقرّ موقت في بورتسودان على البحر الأحمر.
منذ بداية الحرب يُتهم طرفا النزاع بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين واستهداف أحياء سكنية بشكل عشوائي.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بسبب انتهاكات ترتكبها قواتهما في الحرب، مُتهمة دقلو تحديدا بارتكاب مذابح في دارفور.
وأعربت الأمم المتحدة الثلاثاء عن قلقها البالغ إزاء “استمرار الهجمات على المدنيين” في أنحاء البلاد. وأشار المتحدث باسم الأمم المتحدة إلى “سقوط عشرات الضحايا إثر الغارة الجوية التي استهدفت سوقا” بمدينة طرة غرب الفاشر وقام بها الجيش السوداني، كما أشار إلى “مقتل وإصابة مدنيين إثر قصف مدفعي” للدعم السريع على مسجد أثناء صلاة العشاء.