تفرض علينا الدراما وخصوصاً خلال الشهر الفضيل مشاهدة تجار المخدرات والمدمنين والمدخنين عموماً بكثرة على الشاشة، وكأن الهدف أن تتحول تلك الآفة إلى مشهد طبيعي تعتاده العين وتدريجياً يصبح الأمر مألوفاً لا سيما في عيون الأطفال والمراهقين، علماً أن المعالجة الدرامية لا يكون الهدف منها التحذير من التعاطي، ولا كشف سيئات التدخين وأضرار المخدرات النفسية والبدنية على الأفراد، وكيفية تدميرها حياة المتعاطي وعائلته، ومخاطر انتشارها في محيطه والمجتمع.
مقابل ما تعرضه المسلسلات عموماً وما يصادفه الأبناء في الواقع نحتاج إلى حملات قوية، ولا تكون مرهونة بيوم أو احتفالية أو مناسبة، بل حملات متواصلة قادرة على جذب الأطفال والشباب، منها الدرامي على الشاشة ويكون مدروساً وموجهاً، ومنها المباشر في المدارس والجامعات، ومنها الأنشطة التي تجبر الشباب والصغار على المشاركة فيها للتوعية بمخاطر المخدرات والتدخين، وأيضاً حملات لتشجيع كل شاب وفتاة وطفل على قول «لا» في وجه من يحاول دفعه لتجربة التدخين بكل أنواعه والمخدرات بكل أشكالها ومستوياتها.
في الإمارات دليل للوقاية من المخدرات، تُلزم وزارة التربية والتعليم إدارات المدارس بتوزيعه وتوعية الآباء به، نتمنى أن يتم توزيعه أيضاً على الشركات والمؤسسات الخاصة والرسمية كي لا يكون هناك مجال أو حجة للآباء في تجاهله، أو تكاسل وربما تعمّد طلابٍ إخفاءه عن أهاليهم، دليل يحتاجه كل أب (وكل أم) لمساعدته وتوعيته في هذه المهمة الدقيقة والكفيلة بتجنيبه وابنه مخاطر الانزلاق في مستنقع المخدرات الذي ليس من السهل الخروج منه، علماً أن كل أب وكل أم يحسب أن كل أبناء العالم قد يقعون في هذا الفخ ويتعرضون للتجربة المرّة وينجرفون رغماً عنهم خلفها إلا ابنهم أو ابنتهم! وكأنه اطمئنان زائد أو ثقة عمياء.
الكل معرّض، وغالبية الأطفال والمراهقين يصادفون شخصاً على الأقل في حياتهم يتعاطى المخدرات، خصوصاً وأننا في زمن يتباهى فيه بعض الطلبة بأنهم يتعاطون أحدث أنواع حبوب الهلوسة، والبعض يعتبر سيجارة الحشيش مجرد ترفيه لا أثر سلبي له ولا يندرج ضمن «المخدرات»، وهو مفهوم خاطئ، وخِداع يمارسونه على أنفسهم أولاً قبل أن يخدعوا زملاءهم وأصدقاءهم.
دليل الوقاية من المخدرات في الإمارات، الذي أعدّه مجلس مكافحة المخدرات، بالاشتراك مع البرنامج الوطني للوقاية من المخدرات، وتحت مظلة وزارة الداخلية، يتضمن سبع مهارات أساسية ومهمة لرفض المخدرات، نتمنى أن يصل إلى كل ولي أمر وأن يتعامل معه بمنتهى الجدية حرصاً على أبنائه وإنقاذاً لهم مبكراً وقبل أن يشرب كل يوم من كأس الندم ويتعذب لعذاب ابنه أو ابنته، علماً أن رحلة العلاج من الإدمان تكون صعبة وطويلة. متابعة الأبناء والتقرب منهم ضرورية جداً، لأن المراهق يحب المغامرة والتحدي وإثبات الذات، وقد يخجل من قول «لا» لزميل يحثه على تجربة المخدرات، لذلك فلنعلمهم التحدي الحقيقي بقول «لا» واضحة وصريحة لإنقاذ أنفسهم.